التعلم الحقيقي — غير الرسمي والأصيل والمستمر مدى الحياة — قد يبدء من أي شيء تقريباً.
هذا بالطبع ليس قائمة شاملة، ولا أقصد أن هذه هي أفضل نقاط الانطلاق دائماً أو أنها ستكون فعالة في كل صف دراسي. ثمة متغيرات كثيرة تجعل الأمر مختلفاً من سياق لآخر.
هدفي من هذا النص هو أن أساعدك على التفكير في أسباب حدوث التعلم، وعلى وجه التحديد أين وكيف يبدأ ويتنامى.
ما الذي يسبب التعلم؟
في العالم الحقيقي لا يتوقف التعلم، لكن أحياناً لا نُدرك أنه يجري. نفكر فيه بطريقة تختلف عن تصوّرنا للتعلم الصفّي. مثال بسيط: طفل صغير يراقب أطفالاً أكبر يلعبون رياضة؛ هذا النموذج السلوكي لدى الأكبرين يعمل كمصدر دافع (السبب) ومصدر معلومات (الطريقة) معاً لتعزيز تعلّم الطفل الأصغر.
وبالمثل، أي حدث — من لمس موقد ساخن إلى محادثة أو تأمل في حدث حديث — يمكن أن يصبح نقطة انطلاق للتعلّم. مجازياً وحرفياً، الفشل، إذا ما أُعيدت تأطيرُه في ذهن الشخص المتعثر، قد يصبح منطلقاً رائعاً للتعلّم.
على مستوى الحصة والنشاط، عادة ما يكون نقطة البداية معيارٌ أكاديمي يُستعمل لصياغة هدف الدرس، ويُطلق عليه أحياناً هدف تعلّمي أو نتيجة متوقعة. هذه المصطلحات في مجملها تعمل كنتاجات تعلم مقصودة.
في النهج التقليدي القائم على المعلم (من الأعلى إلى الأسفل) لا يزال ثمة مرونة كبيرة: يمكن أن يكون هذا النهج متمركزاً حول الطالب، متبايناً، مفتوحَ النهايات، ومدفوعاً جزئياً باستفسارات الطلاب. ومع ذلك، فإن النهج من الأسفل إلى الأعلى مثل التعلّم الموجَّه ذاتياً، والتعلّم القائم على الاستقصاء، والتعلّم المخصّص، ومشروعات التعلم (إذا نُفِّذت جيداً) تفتح فرصاً جديدة — نقاط انطلاق جديدة لعملية التعلّم نفسها.
ومع نقاط انطلاق جديدة تتغير أدوار كل عناصر العملية التعليمية: المعلم، الطالب، الأسئلة، التقييم، التغذية الراجعة، الهدف والجمهور، الدرجات، معايير الجودة، وغيرها. على سبيل المثال، كثيراً ما يبدأ التعلّم بنشاط صممه المعلم بناءً على معيار تعلّمي متسلسل. في البداية يكون دور الطالب سلبياً في تلقي التوجيه ومحاولة فهم المهمة. وبحسب تصميم الدرس قد يصبح أكثر نشاطاً وتورطاً، لكن حتى لو صار كذلك، غالباً ما يتركز التورط على إنجاز المهمة “بجودة” وفق معايير التقييم المقدمة (غالباً من المعلم).
إذا بدأ التعلّم بمشكلة حقيقية يريد الطالب حلّها بصدق لكنه يفتقر للمعرفة أو المهارات اللازمة، يتبدل كل شيء فوراً: أدوار المعلم والطالب، تصميم النشاط، متطلبات المعرفة، تسلسل الإجراءات، وغيرها. ليس كل البدائل للتخطيط الدرسية التقليدية قابلة للتطبيق في كل صف أو لكل درس أو وحدة، لكن الهدف هنا تقديم أفكار تساعدك على التفكير في كيفية تخطيطك للدروس والوحدات وكيف يؤثر التصميم حتى لو كانت نقطة الانطلاق بسيطة على كل شيء.
والاحتمالات تتسع أيضاً عندما تأخذ في الاعتبار شكل التخطيط نفسه بالإضافة إلى نقطة انطلاق التعلّم. فمثلاً أي من نقاط الانطلاق المذكورة أدناه يمكن إدماجها في نموذج تخطيط تقليدي؛ ليس من الضروري أن تكون الاستقصاءات أو المشروعات هي الإطار الوحيد لتحقيق التعلّم المخصّص والمتمركز حول الطالب. نقطة الانطلاق “مع سؤال” يمكن أن تُستخدم في جلسة عصف ذهني في بداية درس لمساعدة الطلاب على تأطير فهمهم لمفهوم: عوامل الهجرة، النماذج الاقتصادية، الانحيازات المعرفية، إلخ.
ولا يعني بدء التعلم بشخص أو مكان أو سؤال أنه لا يمكن استخدامها لتحقيق اتقان المحتوى الأكاديمي بالطريقة نفسها التي تُحسّن بها المشروعات النتائج الأكاديمية — لا تقتصر فقط على “مشروعات ممتعة”.
1. مع شخص
قد يكون هذا الشخص طالباً — حاجة شخصية له من البيت أو الصف — أو نقص معرفي أو فرصة لتحسين موهبة. لكن نقطة الانطلاق لا يجب أن تكون الطالب بالضرورة؛ قد تكون الأصدقاء أو العائلة أو شخصية تاريخية أو شخص معاصر ذو أهمية. التعلم الذي يبدأ من شخص محدد بمتطلباته واهتماماته هو بطبيعته إنساني، متمركز حول الطالب، وأصيل.
2. مع مكان
كل شيء هو مكان. لا أقصد مدينة كبيرة أو معلم مشهور فحسب، بل أماكن أصغر ذات معنى وسياق: جدول مائي يعاني من نفايات يحتاج تنظيفاً، حديقة تُخطط وتُزرع، أو مكان يحمل ذكريات—موقع التقاء، أو منزل عائلة، أو مجتمع له احتياجات وتراكمات تاريخية وحاضر ومستقبل.
3. مع سؤال
قد تكون الأسئلة أكاديمية أو حياتية، معرفية أو تتعلق بالحكمة (حسب العمر)، عادة ما تكون مفتوحة لكن يمكن أن تكون مغلقة وتؤدي دورها أحياناً؛ يمكن أن يصنعها المعلم أو الطلاب، وقد تكون مهمة أو تافهة. الأسئلة تساعد على إطلاق عمليات الاستقصاء الفكري.
4. مع ظرف (تاريخي، معاصر، أو احتمال مستقبلي)
أي ظرف حقيقي أو افتراضي يمكن أن يكون نقطة انطلاق أصيلة: تغيّر المناخ، نمو السكان، نشر الدعاية، الحروب، أو أحداث إيجابية مثل ولادة طفل في عائلة أو حصول طالب على رخصة قيادة — كلها تولّد احتياجات معرفية ومهارية جديدة.
5. مع حاجة عائلية أو مجتمعية
هذه النقطة تتداخل مع الشخص والمكان لكنها تؤكد التركيز على طبيعة أسرٍ ومجتمعاتٍ محددة وكيف يمكن للتعلّم أن يدعمها وكيف تدعم هي بدورها تعلّم الطفل.
6. مع دراسة بحثية (منهجية، فروض، استنتاجات، مراجع)
البحث العلمي بداية عظيمة للتعلّم لأن كل بحث ينبع من حاجة إلى المعرفة، ويقدّم منهجية واضحة ونتائج وآفاق للنقاش والتطبيق.
7. مع مشكلة
هذا أساس التعلّم القائم على التحدي، وغالباً يظهر في صيغة المشروعات التطبيقية حيث يُحفّز حل مشكلة حقيقية اكتساب معرفة ومهارات.
8. مع نموذج
أي شيء يمكن أن يعمل كنموذج: كتاب، مبنى، نهر، شخص، فيلم، لعبة، فكرة أو مفهوم — كلها تحمل خصائص يمكن دراستها واستلهامها وتطبيق دروسها. فكره أو مفهوم مثل دورة المياه أو سلسلة الغذاء أو نظام تصنيف الحيوانات يمثل بدءاً واضحاً وفعّالاً للتعلّم.
9. مع تكنولوجيا
التركيز هنا على تقنيات محددة — ألواح شمسية، ميكروشيبات، حواسيب لوحيّة — كموارد دراسية يستفيد الطلاب فيها من عبقريّة الحلول التكنولوجية.
10. مع أعمال سابقة أو مشاريع أو كتابات
إعادة زيارة أعمال سابقة سواء كانت ضعيفة أو ممتازة تُتيح فرصاً لإعادة الإقلاع، المراجعة، التحسين، والتطوير.
11. مع نقص محدد في مهارة أو معرفة
هذا أكثر الأساليب وضوحاً وشيوعاً: عندما يحتاج الطالب لإتقان مهارة جديدة أو معرفة معينة (تعلم ركوب الدراجة أو ضرب كرة بيسبول)، يبدأ التعلّم بمعالجة هذا العجز عن طريق اكتساب المعرفة والممارسة.
12. مع قوة أو موهبة محددة
بدلاً من معالجة العجز، تبدأ العملية من قوة أو موهبة: تحسينها، أو نقلها وتوظيفها في سياقات جديدة — الغناء مثلاً قد يُستخدم لإنتاج فن، خدمة المجتمع، أو بناء علاقات اجتماعية.
اثنا عشر نقطة لانطلاق عملية التعلّم: أماكن لتبدأ في تخطيطك، بدائل لبدء التخطيط بمعيار واحد، وطرق لضمان تعلّم أصيل.