الرجل الذي غيّر كينيا دون أن يحكمها قَطّ

رايلا أمولو أودينغا، الذي تُوفي عن ثمانين عاماً، مثّل تناقضاً واضحاً في المشهد السياسي الكيني بعد الاستقلال.

قائدٌ ترشّح للرئاسة مراراً لكنه لم يظفر بها — جزئياً بسبب انتخابات 2007 التي تلاعبت لصالح موائي كيباكي. ومع ذلك سيظل أودينغا شخصيةً شكّلت السياسة الكينية بقدر ما فعل أي رئيس.

ابن زعيمٍ مناوئ للاستعمار، وُلد في كبوة نفوذ. لكنه صار ناقداً لاذعاً لعدم المساواة السياسية والاقتصادية المستمرة في كينيا، وتحدث نيابةً عن المحرومين، فحظي بمكانةٍ في قلوب الملايين.

كان سياسياً قومياً حازماً نجح في حشد التأييد عبر خطوط إثنية؛ لكنه في الوقت نفسه الزعيم الأبرز لمجتمع اللو، واحدة من أكبر الجماعات الإثنية في غرب كينيا، وكانت قاعدته الانتخابية الأساسية تنبع من هناك.

وصف نفسه ثورياً، لكنه التزم لاحقاً بالإصلاح المؤسسي والديمقراطية. أعظم إرثه هو الدستور لعام 2010، الذي سعى إلى تفكيك «الرئاسة الإمبراطورية» ونقَل بعض السلطات إلى المحافظات، وهو وعد راكم عليه نضالاً طويلاً.

لم تنته التناقضات عند هذا الحد. زعيمٌ كثير الحديث عن التنمية والتهميش، كان برنامجه أكثر تركيزاً على التغيير السياسي، لأنه آمن بأن الحقوق والحريات ستشكل ركيزة لبناء الأمة والتنمية.

ومن اللافت أنه رغم ازدرائه لصفقات تقاسم السلطة بين النخبة التي سيطرت على السياسة الكينية، فقد أقدم مرات عديدة على مثل هذه التفاهمات بنفسه، غالباً بذريعة الحاجة إلى الاستقرار الوطني.

جسد أودينغا تناقضات كينيا السياسية، وسيظل تأثير حياته ووفاته موضوع نقاش. تستعرض هذه المقالة هذا الإرث المتنازع عليه وما يعنيه لمستقبل كينيا.

سنواته المبكرة

ولد في غرب كينيا في 7 يناير 1945؛ ويُعرف شعبياً بلقب «بابا» (الأب). هو ابن جاراموجي أوجينغا أودينغا، الناشط المجتمعي الشهير الذي كان شوكة في جنب السلطة الاستعمارية. اشتهر أوجينغا بإصراره على «لا صفقات مع البريطانيين» إلى أن أُفرِج عن جومو كينياتا.

عندما صار كينياتا رئيس وزراء في 1963 ثم رئيساً في 1964، صار أوجينغا أول نائب رئيس ووزير للشؤون الداخلية. لكنه اختلف معه عام 1966 احتجاجاً على فشل الحكومة في تصحيح إرث عدم المساواة الاستعماري، فابتعدت عائلة أوجينغا عن النخبة السياسية الحاكمة، وقضى أوجينغا عقوداً متنقلاً بين السجن والإفراج.

يقرأ  زيارة ترامب إلى المملكة المتحدة جدول الأعمال والبرنامج وما الذي يُتوقع حدوثه أخبار الأعمال والاقتصاد

قضى رايلا سنواته الأولى في كينيا قبل أن يغادر عام 1962 للدراسة في ألمانيا الشرقية. عاد في 1970 ليعمل محاضراً جامعياً، ثم التحق بهيئة المقاييس الحكومية — وظيفته التي فقدها فجأة عام 1982 عندما ربطته السلطات بمحاولة انقلاب فاشلة ضد دانيال أراپ موي. اتُهم بالخيانة وقُيد الاحتجاز حتى 1988، ثم صار ناشطاً في المعارضة المتنامية لحكم موي، وتعرّض للاعتقال مرتين إضافيتين خلال سنوات الاحتجاج العنيفة ولجأ لفترة وجيزة إلى السويد.

عاد أودينغا قبل انتخابات 1992، أول انتخابات تعددية منذ ستينيات القرن الماضي، وتحالف مع والده عندما انقسمت المعارضة. وبفضل ذلك الانقسام وتلاعب الدولة فاز موي، لكن دور أودينغا أكد مكانته كقوة سياسية رئيسية.

مشواره الخاص

عند وفاة أوجينغا عام 1994 سعى رايلا لقيادة حزب والده، فانهزم فأسّس حزبه الخاص. ترشّح للرئاسة عام 1997 وخسر أمام موي في مواجهة مع معارضة منقسمة.

عندما لم يترشّح موي مجدداً في 2002 بدا أن فرصة أودينغا قد حانت. بعد دعمٍ قصير اعتبره البعض لخلافته، قرر موي أخيراً دعم أوهورو كينياتا، فدعم أودينغا موائي كيباكي حاسماً في فوز الأخير عام 2002.

كان دعم أودينغا مشروطاً بإصلاحات دستورية وسياسية واسعة. لكن كيباكي قدّم تغييرات محدودة، فقاوم أودينغا أن يكون مجرد داعم للحكومة ونجح في حمل حملة ضد مشروع دستور الحكومة في استفتاء 2005.

عاود الظهور على وشك السلطة: قاد تحالفاً واسعاً في انتخابات 2007 بوعد التغيير الجذري. أظهرت النتائج الأولية أنه متقدم على كيباكي — لكن الإعلان الفجّ عن فوز كيباكي أثار شُبهات واسعة بالتلاعب وأشعل أسوأ أزمة في تاريخ كينيا المعاصر، بما في ذلك صراعات إثنية وقمع دولة.

أوقف اتفاق تقاسم السلطة العنف وجعل أودينغا رئيس وزراء ضمن حكومة وحدة وطنية. ركّز جهوده على الاصلاح السياسي والتعديلات الدستورية وغيرها من الملفات العالقة. في أغسطس 2010 أقر استفتاء الدستور الجديد الذي وزّع السلطات إلى 47 مقاطعة وأعاد تشكيل مؤسسات أساسية كالقضاء ولجنة الانتخابات ووسع حقوق المواطنين.

يقرأ  قوات الدفاع الإسرائيلية تفتح ممرًا مؤقتًا لتسريع إجلاء سكان مدينة غزة

الفصل الختامي المتنازع عليه

يبقى دستور 2010 إنجاز أودينغا الأبرز، ومهد لإمكانية مستقبل أكثر ديمقراطية. لكن ما تلا ذلك بيّن صعوبة إيجاد سرد مماثل يجذب الجماهير. كان الاصلاح الدستوري سبباً جامعاً أتاح له تعبئة المعارضة حول وعد بكينيا جديدة؛ وبدون هذا «السبب» صار من أصعب عليه الحفاظ على تعبئة شعبية واسعة.

علاوة على ذلك، لم ينه الدستور القديم منطق السياسات التقليدية؛ فلم يمنع صعود أوهورو كينياتا إلى الرئاسة أو شريكه في ذلك الوقت ويليام روتو اللذين واجها اتهامات بجرائم ضد الإنسانية لدى المحكمة الجنائية الدولية.

واجه أودينغا خيارات عسيرة بعد هزائم رئاسية متكررة في 2013 و2017 و2022 وسط اتهامات بالتلاعب الانتخباتي. أقنع البعض بأنه لن يظفر أبداً بالرئاسة — وليس فقط بسبب استخدام الدولة لسلطاتها ضدّه. هذا الاعتراف، إلى جانب تقدّم السن وتدهور الصحة، دفع أودينغا إلى تنازلات كانت في السابق غير متوقعة، مما أظهر منطقاً أكثر براغماتية في سنواته الأخيرة. تجلّى ذلك بوضوح بعد انتخابات 2017، عندما زعم تزويراً وقاد احتجاجات شعبية ثم عقد «المصافحة» مع كينياتا في مارس 2018، ما قيل إنه بناءٌ للأمة ورآه آخرون خيانة.

أثر ذلك لاحقاً حين وقف أودينغا مرشحاً مفضلاً من كينياتا في انتخابات 2022. هذا الدعم كان مضرّاً له بشكل مزدوج: أولاً لأنه أضعف مصداقيته كمعارض وخفّض نسبة الاقتراع في معقله بنيانتزا، وثانياً لأنه حرَم خسارته من أن تُعزى كلياً إلى مؤامرة «دولة عميقة».

تكبّدت الأمور مزيداً من التعقيد عندما، بعد الإيحاء بأن نتائج 2022 تم التلاعب بها لصالح روتو، وافق أودينغا في مارس 2025 على دعم حكومة روتو التي كانت تعاني. بُرِّرت تشكيل حكومة «قواعد عريضة» بأنها بناء للأمة، لكن منتقديه رأوها تحالفاً مع السلطة ضد احتجاجات يقودها الشباب — أولاً ضد زيادات الضرائب ثم ضد الفساد والقمع وقيادة روتو — فاعتُبر تحيّزه لصالح السلطة وخذلاناً لمن مثلهم يوماً ما.

يقرأ  نحن أكثر من استراحة للمعلمين — لماذا يجب أن يكون للمعلمين المتخصصين صوت مسموع في قيادة المدارس

ليس بلا عيوب، لكنه ذا أثر

تعقّدت هذه التحولات صورة أودينغا في ذاكرة التاريخ والكينيين: ليس رمزاً لا تشوبه شائبة، بل شخصية ذات أثر عميق ومتناقض أحياناً. ومع ذلك، من يتذكرون بعين البصيرة سيعرفون ما الذي دفعه إلى هذه المواقف.

تعرّض للسجن والتعذيب تحت حكم موي، وخذلته تحالفات سياسية لاحقة مع كيباكي، وحرِم من النصر عام 2007؛ اختبر أكثر من نصيبه من الشقاء والخيانة. اتخذ قراراته بنفسه، لكنها نادراً ما صاغها هو وحده، وربما فعل أكثر من أي سياسي كيني آخر لجعل النظام السياسي أكثر استجابة لشعبه.

غيابه سيترك فراغاً سياسياً يصعب على قادة آخرين ملؤه. كان روتو يعتمد على دعم أودينغا للفوز في 2027، وسيكافح الآن لتجميع ائتلافٍ فائز. أما القادة الذين تجمّعوا حول أودينغا — بمن فيهم من اعتمدوا عليه في مناصبهم — فسيواجهون قراراً حول كيفية التعبئة بفعالية في غيابه.

وبينما يفعلون ذلك سيظل تأثير أودينغا مسيطراً على الساحة، وفي سياق يشعر فيه الناس والمجتمعات المهمّشة بأن ممثليهم في السلطة باتوا أبعد عن همومهم.

(نُشرت هذه المقالة عن «ذا كونڤيرسيشن»، منظمة إخبارية مستقلة غير ربحية تقدم تحليلات موثوقة؛ كتبها: جاستِن ويليس، جامعة دورهام؛ غابرييل لينش، جامعة ووريك؛ كاروتي كانينغا، جامعة نيروبي؛ ونيك تشيزمان، جامعة برمنغهام.)

مزيد من القراءة:

جاستن ويليس تلقى تمويلاً سابقاً من ESRC والحكومة البريطانية لأبحاث حول السياسة الكينية.
غابرييل لينش تلقّت تمويلاً سابقاً من ESRC والحكومة البريطانية لأبحاث حول السياسة الكينية.
كاروتي كانينغا تلقّى تمويلاً من صندوق أبحاث شرق أفريقيا حول السياسة والانتخبات.
نيك تشيزمان تلقّى تمويلاً سابقاً من ESRC والحكومة البريطانية لأبحاث حول السياسة الكينية.