مزاعم وزير الصحة وخلاصة الخبراء
ادّعى وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكي، روبرت إف. كينيدي الابن، في 9 أكتوبر أن هناك احتمالاً لوجود صِلة بين الختان والتشخيص باضطراب طيف التوحد، وربط ذلك بإعطاء الأطفال دواء الباراسيتامول (تايلينول). لكن خبراء في المجال الطبي والبحثي يرون أن هذه الادعاءات لا تستند إلى دراسات منهجية وقوية تُثبت علاقة سبب-مسبب.
ما الذي استند إليه كينيدي؟
أشار كينيدي إلى دراستين (2013 و2015) وورقة بحثية غير منشورة تعود إلى 2025 ونشرتها شركة تُدعى WPLab، وادّعى أن هاتين الدراستين تُظهران أن الأطفال المختنين مبكراً لديهم ضعف معدل التوحد، وأن السبب المحتمل هو إعطاء الباراسيتامول. مسؤول في وزارة الصحة أحال الصحافة إلى تدوينة كينيدي على منصة X حيث اقتبس من الورقة غير المنشورة والدراسة الدنماركية لعام 2015.
ورقة ما قبل النشر (WPLab) ونقاط الضعف
الورقة التي اعتمد عليها كينيدي نُشرت بصيغة ما قبل الطباعة (preprint) ولم تُراجع من قِبل الأقران، ما يعني أنها لم تخضع بعد للتقييم العلمي المعتاد لضمان الجودة والمنهجية. كُتّاب الورقة من شركة WPLab يعزون علاقات سببيّة بين الباراسيتامول والتوحد، ويصفون الأدلة بأنها «طاغية»، لكن هذه الرؤية لا تمثل الإجماع العلمي. الورقة تَنتقد البحوث المنشورة السابقة وتعيد تفسيرها، لكنها لا تُقدّم بحوثاً تجريبية جديدة، وتبالغ في نطاق نتائج بعض الدراسات، لا سيما دراسة 2015.
دراسة 2013: تحليل استكشافي لتوليد فرضيات
الدراسة المنشورة عام 2013، التي أعدّها وبائية من جامعة UMass‑Lowell، كانت وصفية واستكشافية وصفت نفسها بأنها «تولّد فرضيات» لا تستهدف إثبات علاقة سببية. حللت الدراسة بيانات على مستوى دول متعددة (تسع دول) قاست فيها نسب الختان لدى السكان ومعدلات التوحد بين الذكور، واستخدمت هذه المؤشرات كمؤشرات تقريبية لافتراض استخدام الباراسيتامول لدى الرضع—مع غياب بيانات فعلية حول ما إذا كان الأطفال تلقوا الدواء أم لا. الباحثون أشاروا صراحة إلى حدود كبيرة منهجياً، ومن أهمها صغر حجم العينة التحليلية وعملية تقدير معدلات الختان في بعض الدول اعتماداً على نسب مجموعات دينية؛ كما حذّروا من أن الارتباط لا يعني سبباً وطلبوا المزيد من البحوث. كذلك لاحظت الدراسة أن الارتباط كان أقل قوة قبل عام 1995، حينما بدأ الباراسيتامول يُستخدم على نطاق أوسع للتخفيف من ألم الختان، لكن هذا لا يثبت علاقة سببية.
دراسة 2015 في الدنمارك: ارتفاع نسبي لا سيما مع أرقام صغيرة مطلقة
الدراسة الدنماركية (2015) بحثت ما إذا كان الفتيان المختَنون أكثر عرضة لتشخيص التوحد قبل سن العاشرة، ولم تتضمن أي بيانات عن استخدام الباراسيتامول. أبلغت الدراسة عن زيادة نسبية في مخاطر التوحد بين المختنين تتراوح بين 46% و62%، لكن هذا يتطلب سياقاً مهماً: الختان في الدنمارك نادر ويقتصر غالباً على أسر يهودية أو مسلمة، وسجلات الدراسة غطّت الإجراءات المسجلة في المستشفيات وعيادات الأطباء فقط، فتجاهلت الختانات التي تُجرى في مناسبات دينية منزلية. من أصل 342,877 ولداً موصوفين في العينة (مواليد 1994–2003)، كان أقل من 1% (3,347 فتيّاً) مختونين، وحوالي 1.5% (5,033 فتيّاً) لديهم تشخيص توحدي، ومجموعة الأطفال التي جمعت بين الحالتين كانت صغيرة جداً (57 ولداً)، وعلى سبيل المثال كان التقدير الذي أظهر زيادة بنسبة 62% مبنياً على عينة فرعية مكوّنة من 24 طفلاً فقط. لذلك انتقد باحثون آخرون منهجية الدراسة وإمكانية تعميم نتائجها، كما اقترح أحد مؤلفيها لاحقاً قيوداً تشريعية على الختان في الدنمارك حتى سن الرشد.
غياب بيانات الباراسيتامول والقيود العامة للدراسات
لا تُظهر أي من الدراستين دلائل مباشرة تفيد بأن الأطفال المشار إليهم قد تلقوا باراسيتامول خلال أو بعد الختان، وما وُجد من روابط هو ارتباط سكاني محدود ومحمّل بمتحوّلات مربكة (ثقافية، ديموغرافية، طبية، تسجيلية) لم تُؤخذ كلها بعين الاعتبار. باختصار، كلا الورقتين أشارا إلى ارتباطات، لكن كلتا الدراستين تضمنتا تحفّظات كبيرة ودعا مؤلفوها إلى إجراء بحوث إضافية لتأكيد أو نفي أي علاقة.
سلامة الباراسيتامول والمرجعية السريرية
بناءً على عقود من الأبحاث، يُعتبر الباراسيتامول آمناً للرضع والأطفال عند استخدامه طبقاً للتعليمات وتحت إشراف طبيب الأطفال؛ ولا توجد دراسات راسخة تثبت أن استخدام الدواء خلال الطفولة يزيد من خطر الإصابة بالتوحد. كذلك، الختان لدى الرضع يُجرَى عادةً بمخدّر موضعي، والباراسيتامول ليس توصية عالمية موحدة لعمليات الختان، لكنه يُنصح به في بعض بروتوكولات المستشفيات لتخفيف الألم بعد الإجراء حسب الحاجة.
الخلاصة
الادعاءات التي ربطت بين الختان، والباراسيتامول، والتوحد تستند إلى تفسيرات مبكرة أو منتقدة لدراسات محدودة ومنشورات غير مُراجعة. المجتمع العلمي يطلب بحوثاً إضافية، أفضل منهجياً وأوسع عيّناً، قبل القفز إلى استنتاجات سببيّة. النتيجـة العامة: لا دليل قاطع يثبت أن الختان أو إعطاء الباراسيتامول للرضع يسبب التوحد، والنتائج المتاحة حتى الآن تعاني من قيود منهجية كبيرة.