خسرتُ كلَّ شيءٍ، ولم يتبقَّ لي سوى الأمل أن تتوقّف القنابل — الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

يوم الجمعة أعلنت المقاومة قبولها خطة لوقف إطلاق النار في غزة، فاحتفل كثيرون في الشوارع بلهفة محمّلة بالأمل والحذر.

كلما تُثار مبادرة لوقف النار نشعر للحظة وكأن بصيصًا من الأمل يرمقنا من بعيد. الكثيرون فقدوا جرعات الأمل لأننا تعودنا على رفع توقُّعاتنا، الانتظار حتى النهاية، ثم الاصطدام بواقع قاسٍ يجبرنا على البدء من جديد. كم مرة تكرر هذا النمط المؤلم من التفاؤل ثم الخيبة؟ ومع ذلك ما زلت أتمسّك بالأمل هذه المرة، آمِلة أن تكون النوايا صادقة فعلاً وأن يضعوا حدًا لهذه المأساة.

في عائلتي لم يتبقَ لنا سوى الأمل تقريبًا.

فقدنا البيت والرزق والأحلام وأماننا. زوجي فقد عمله، أنا فقدت طموحاتي، والأمر الأشد وجعًا أن طفلي فقد طفولته؛ فقد عالمه الصغير الذي كان يشعر فيه بالأمان والفرح.

لم يعد لدينا ما يعيننا على المعيشة. قبل شهر فقط اضطررت لبيع أغلا ما أملك — خاتم خطوبتي — لأطعّم طفلي.

بعد شهور من المجاعة بدأت أسواق غزة في أغسطس تمتلئ ببضائع عادت تظهر بعد غياب: جبن وزيت وبعض الفواكه. لكن رؤية هذه المواد كانت قاسية علينا لأننا في الغالب لم نقدر على شرائها.

حاولت أن أبعد ابني عن رؤية الجبن، لكنني فشلت. في يوم وهو يسير معي ومع والده توقف أمام البائع وطلب بعضًا. أعطيته لاحقًا شيكلًا ليشتري فلافلًا على أمل أن يطفي جوعه. قال بحزن: «لا أريد الفلافل التي تؤلمني في بطني، أريد الجبن الطيّب». انكسر قلبي في تلك اللحظة.

تمنيت لو أن تلك المواد لم تدخل الشريط منذ البداية. كنا قد أنفقنا كل مدخراتنا على أطعمة رديئة الجودة وبأسعار باهظة في أشهر الحصار فقط لكي نعيش.

عاد زوجي في تلك الليلة رأسه منحنيًا، يتحدّث بمرارة عن الأسعار التي تراجعت قيمة المال أمامها. قلت له إنني أفكّر في بيع خاتمي. اعتراضه كان قوياً، ونوى الذهاب إلى أحد مواقع «توزيع المساعدات» — أو كما سمّاها «مصائد الموت».

يقرأ  معلّم يتعرّض لهجوم بسكين داخل مدرسة في مدينة إيسن الألمانية

توسّلت إليه ألا يذهب، فالكثيرون الذين ذهبوا لم يعودوا. لكنه نظر إليّ بعينين مليئتين بالحزن وقال: «ابننا لم يأكل منذ أيام، كيف لا أذهب؟»

قبل أسبوعين فقط قتل شقيقه برصاصة من القوات الإسرائيلية أثناء محاولته إحضار كيس دقيق لأسرته المكوّنة من خمسة أفراد.

في صباح اليوم التالي ذهبت إلى تجّار الذهب. السعر الذي عرضوه كان جائرًا — أقل بكثير مما كان عليه قبل الحرب — لكن لم يكن أمامي خيار.

بعت خاتمي مقابل ما يكفي بالكاد لشراء 5 كيلوغرامات دقيق، لتر زيت زيتون، 500 غرام زعتر، 1 كيلو طحينة، علبتين جبن، 1 كيلو سكر، وعلبة صلصة طماطم.

عند عودتنا للبيت كان المشهد كأنه عيد. جلسنا حول مائدة فيها جبن وشاي محلى وخبز طازج وزعتر كنا نحلم به لأسابيع. وسط بحر الألم، برزت لحظة قصيرة من الفرح. تألمت عندما نظرت إلى يدي الخالية من الخاتم، لكن ابتسامة طفلي وهو يأكل طمأنتني وأنهت ندمًا ما.

لم يدم الطعام سوى نحو أسبوع.

عاد الجوع يطاردنا. رجعنا إلى وجبة واحدة في اليوم تتألف من قطعة خبز وشاي أو زعتر.

خلال العامين الماضيين اضطررنا لبيع أحلامنا قطعة قطعة، ليس الذهب فحسب بل الذكريات أيضًا. هجرنا منزلنا في حي الشيخ رضوان بغزة عدة مرات. هذا الشهر هجرناه مجددًا والآن نحن في خيمة بخان يونس. قلبي مثقل بالحزن لأنني تخلّيت عن كل ما أحببت.

كل ما أرجوه الآن أن ينتهي هذا النزاع حتى أستيقظ صباحًا مطمئنة على سلامة ابني وأن مستقبله لا يظل غامضًا. أحلم أن أقدّم له وجبات يومية مغذية كالسابق دون أن أقلق بشأن ندرة الطعام أو ثمنه أو قلّة المال. أتخيل العودة إلى بيتنا حيث كنت أشعر بالأمان والراحة، وإعادة فتح المدارس حتى نعود أنا وزوجي إلى حياتنا الطبيعية كمدرّسين.

يقرأ  انطلاق محاكمة هاكيونغ لي المتهم بـ«جريمة الحقيبة»

إذا تحقق وقف لإطلاق النار، أول ما سأفعل هو أن أضمّ ابني وأقول له: «انتهى الخوف يا حبيبي»، ثم نعود إلى ما تبقى من بيتنا.

الآراء الواردة هنا تعبر عن كاتبة المقال فقط ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق