خطب الجمعة تدعو الشباب إلى الانخراط في الشأن العام بالمغرب إثر موجة احتجاجات

الرباط — جلس المصلّون حفاةً على سجادة حمراء داخل مسجد بالعاصمة المغربية في صمتٍ تام، يستمعون إلى واعظٍ على منبر مرتفع يقرأ خطبةً أعدتها الجهات الرسمية تدعو الآباء إلى إشراك أبنائهم في الشأن العام.

ترددت هذه الخطبة، التي بثّت الجمعة في مساجدٍ بالمملكة، بعد أسابيع شهدت انتفاضة شبابية غير مسبوقة وصدامات أودت بحياة بعض الأشخاص وطالبت بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. الخطبة لم تذكر الاحتجاجات صراحة، لكن بعض المراقبين اعتبروها رسالةً موجهةً إلى ناشطي الحركة الشبابية المعروفة باسم «Gen Z 212».

تقليدياً، يختار الخطباء موضوع خطبة الجمعة بأنفسهم قبل الصلاة، لكن في السنوات الأخيرة باتت حكوماتُ دولٍ بينها المغرب ومصر والسعودية تفرض نصوصاً على الخطب وتحدّد محاورها. تقول السلطات إن الهدف احتواء الخطاب المتطرّف، فيما يرى نقّاد أن ذلك يحوّل الخطب إلى أدوات لترويج رؤية الدولة ودعم سياساتها، ومن بينها توجيه المعلومة والمحتو الموحّد للمصلين.

في مسجدٍ بالرباط، دعا الإمام، مرتدياً الجلّابة البيضاء ومتكئاً إلى ميكروفون أمام مئات المصلين من مختلف الأعمار والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية، إلى واجب المواطنين في المشاركة في الحياة المدنية. ونقل الإمام آيات قرآنية وقال: «من أهم الأمور التي ينبغي الاهتمام بها تربيةُ الأطفال على المشاركة في تسيير الشأن العام (…) والمشاركة في خدمة الوطن، وحبّ الوطن، والحرص على أمنه واستقراره».

وأضاف: «المواطن الحق هو الذي يخدم وطنه ويؤدي واجبه بإتقان»، فيما كان صوته يتردّد خارج أروقة المسجد. الأئمة في المغرب موظفون عموميون، والخطب موحّدة؛ فالخطبة نفسها التي سُمعت في الرباط تُلقى في نحو 53 ألف مسجدٍ على امتداد البلاد وتُبثّ على القنوات الحكومية مباشرة.

انطلقت الاحتجاجات من غضب شعبي من إنفاق حكومي على بنية تحتية رياضية مرتبطة باستضافة كأس العالم 2030، في وقت شعر كثيرون بتهميش الخدمات العامة. نظّمت تحرّكات الشارع عبر منصات تواصل مثل Discord من قبل مجموعةٍ مجهولة ترفض كل الانتماءات الحزبية وتدعو إلى إسقاط حكومة تُعتبر فاسدة.

يقرأ  عندما يتصاعد التلوث في جنوب شرق آسياتتجه أمطار اليابسة نحو البحر

قالت السلطات إنّها استمعت إلى مطالب الشباب ودعتهم للحوار مع المؤسسات والمشاركة في النقاش العام. وفي اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة الملك محمد السادس، أُعلن عن تدابير تهدف إلى تعزيز مشاركة الشباب سياسياً وتوسيع آفاق التشغيل أمامهم. من هذه الإجراءات مشروع قانون يقوّض شروط الترشّح للانتخابات لمن هم دون 35 سنة ويمنح دعمًا ماليًا يغطي 75% من مصاريف الحملات الانتخابية للمرشحين الشباب، ووُجد ربط مباشر بين هذه المبادرة ومضمون خطبة الجمعة.

كما أعلنت الحكومة أن مشروع ميزانية 2026 يخصص رقماً قياسياً مقداره 15 مليار دولار (140 مليار درهم) للصحة والتعليم، وهو مبلغ يفوق بكثير ما أنفق هذا العام، مع وعودٍ بإيجاد 27 ألف وظيفة في القطاعين، وتطوير 90 مستشفى، ورفع جودة المنظومة التعلمية.

في خطبة الجمعة استشهد الإمام بأمثلة تاريخية عن سُنة الصحابة في إشراك الصغار في مجالس المشورة ومناقشة الشأن العام. لكنه لم يشر إلى احتجاجات Gen Z أو الأعمال التخريبية والوفيات والاعتقالات التي رافقتها.

قالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إن أكثر من 1500 شخص يواجهون متابعات قضائية لمشاركتهم في التجمعات. وفي مدينة أغادير الساحلية، أوردت وسائل إعلام محلية أن محكمة الاستئناف حكمت على 33 متهماً بعقوبات مجموعية تبلغ 260 سنة حبوس.

في وقفة احتجاجية نهاية الأسبوع في الدار البيضاء، قال شاب في الثامنة عشرة من عمره يدعى سفيان إنّه «يأمل بصدق أن تكون الغاية الحقيقية من هذه الخطب دعم مشاركة الشباب في الشأن العام لا توجيهها أو تقييدها». وطلب عدم ذكر لقبه خوفاً من انتقام. وأضاف أنّ الخطبة لا بد أن تقترن بإجراءات عملية وشفافة، وأنها قد تكون وسيلة فعّالة لتحفيز الشباب على الانخراط في الحياة السياسية.

بعد وعود الدولة وخطب الجمعة، خفتت كثافة التجمّعات الأسبوعية عن المتوقع، فحضرت مجموعات محدودة فقط إلى تجمّع السبت في الدار البيضاء.

يقرأ  معرض كتب الفن في نيويورك ٢٠٢٥ يعود إلى موما بي إس ١

يرى باحثون مثل الدكتور إدريس القنبوري المتخصص في الشأن الديني أن خطب الجمعة صارت تُستخدم كأداة لممارسة السياسة من خلال المساجد، سواء للدفاع عن مواقف الدولة أو لطرح قضايا أخرى. وقال القنبوري، مؤلف كتاب «الإسلاميون بين الدين والسلطة»، إن الدولة تتبنّى خطابين موجهين للمواطن: خطاب ديني، وآخر يتجلّى عبر القرارات الرسمية. وأضاف أن كثيرين يعتقدون أن الخطب لم تواكب التحوّلات السياسية والاجتماعية في المغرب، مشيراً إلى أنّ الخطباء الذين يخرجون عن النبرة الرسمية قد يتعرّضون للعقاب أو الإغلاق أو الإقصاء.

أضف تعليق