غوستافو أوكاندو أليكس — مراسل من ماراكايبوا، فنزويلا لبي بي سي موندو
وايلدر فرنانديز صيّاد شاب في غرب فنزويلا، يعيش قلقاً متزايداً بسبب الوجود العسكري الأميركي في مياه الكاريبي.
على ضفة صغيرة شمال بحيرة ماراكايبو، أمسك وايلدر بأربعة أسماك ذات حجم جيد في مياه معكرة. ما التقطه شباكه سيكفي عشاء فريقه الصغير قبل أن يعودوا مساءً لصيد جديد. لكن هذا العمل اليومي لم يعد يبعث في نفسه الاطمئنان؛ بعد ثلاثة عشر عاماً من مهنة الصيد، يعترف أنه بات يخشى أن يتحول عمله إلى مسبب للموت.
لا يخاف وايلدر الآن من مهاجم ليلي كما كان الحال في الماضي، بل يهاب أن تُصيب زوارق أو طائرات حربية أو حتى غواصة ضربة أطلقتها قوة أجنبية. يقول متعجباً: «إنه جنون»، في حديثه عن انتشار سفن حربية طائرات مقاتلة وغواصات وآلاف الجنود الأميركيين في المياه شمال سواحل فنزويلا.
القوات الأميركية المنتشرة في الكاريبي جزء من عملية عسكرية تستهدف ما تسميه «إرهابيين مخدرات» المزعومين، والبيت الأبيض يقول إن لهم صلات بحكومة نيكولاس مادورو. منذ الثاني من سبتمبر نفّذت واشنطن ضربات على ما وصفتها بـ«زوارق مُتورّطة في تهريب المخدرات»، قُتل فيها ما لا يقل عن 27 شخصاً. اتُّهِم القتلى بتهريب المخدرات، لكن السلطات الأميركية لم تُصدر حتى الآن أدلة علنية، وقد أشار خبراء إلى أن الضربات قد تشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وفنزويلا أكثر حين قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إنه يدرس ضربات قد تصل إلى الأراضي الفنزويلية، وأكد كذلك أنه فوّض وكالة الاستخبارات المركزية لتنفيذ عمليات سرية داخل البلاد. بعد ذلك مباشرة أعلن البيت الأبيض مقتل «ستة إرهابيين مخدرات» في أحدث ضربة في مياه دولية قبالة السواحل الفنزويلية، مشيراً إلى معلومات استخباراتية ربطت تلك السفينة بشبكات مخدرات وإرهاب مخدراتي.
إدارة ترامب تتهم مادورو بقيادة ما يُعرف بـ«كارتل الشموس» لتهريب المخدرات وتعرض مكافأة قدرها 50 مليون دولار مقابل معلومات تقود إلى القبض عليه. مادورو، الذي تواجه رئاسته طعوناً دولية عقب انتخابات مثيرة للجدل، نفى تلك الاتهامات واعتبرها محاولة لإزاحته من السلطة، فدعا في أحدث تصريحاته للتسوية والسلم مع واشنطن.
في المقابل، حذر وزير الدفاع الفنزويلي الجنرال فلاديمير بادرينو المواطنين من «الاستعداد للأسوأ». وبعد دخول خمسة مقاتلات من طراز إف-35 إلى المجال الجوي الفنزويلي في الثاني من أكتوبر، قال إن بلاده تواجه «تهديداً خطيراً» قد يتضمن غارات جوية، حصارات بحرية، إنزال قوات خاصة على شواطئ أو في غابات، أسراب طائرات مسيرة، أعمال تخريب، واغتيالات مستهدفة لقيادات.
على مستوى المنظمة الدولية، أدانت فنزويلا «التصعيد المتنامي» أمام مجلس الأمن، بينما شدد المندوب الأميركي في الاجتماع، جون كيلي، على أن بلاده «لن تتردد في اتخاذ الإجراءات لحماية نفسها من إرهابيي المخدرات».
التوترات العسكرية أضعفت أيضاً أمن صيّادي الأسماك في البلاد، بحسب جينيفر نيفا، المتحدثة باسم مجلس الصيادين في منطقة إل باخو بولاية زوليا. نيفا تقول لبي بي سي موندو إن العاملين في قطاع الصيد يخشون أن يُصبوا في تبادل نار بين القوات الأميركية ومهرّبي المخدرات المزعومين. وتشير إلى أن المخاطر الإضافية قد تدفع بعض الصيادين إلى الاستجابة لعروض مهربي المخدرات والأسلحة الذين يسعون لتجنيد حمالين لنقل شحناتهم غير المشروعة.
هناك أكثر من 115 ألف شخص يعملون في قطاع الصيد في فنزويلا، وشعور القلق بادٍ بين صيادي بحيرة ماراكايبو. طاقم سفينتين صغيرتين مملوكتين لوسبالدو ألبورنيث رفض الخروج للعمل عندما انتشرت أنباء الضربات الأميركية. ألبورنيث، الذي يمارس مهنة الصيد منذ اثنين وثلاثين عاماً، يصف الوضع بأنه «مقلق». «الرجال لم يرغبوا في الخروج للصيد»، قال لبي بي سي موندو على الشاطئ في سان فرانسيسكو دي زوليا، على الشاطئ الشمالي لبحيرة ماراكايبو حيث تلتقي بخليج فنزويلا.
يضيف ألبورنيث أن الخوف من أن تُستهدف قاربه «عن طريق الخطأ» هو آخر حلقة في سلسلة تهديدات طويلة كانوا يواجهونها سابقاً: القراصنة، تسربات النفط، وتراجع العوائد خلال السنوات الأخيرة — وكلها عوامل تزيد من هشاشة مهنة الصيد ومعيشة آلاف الأسر. يوم يوم، كما يقول، يفكر الصيادون في المخاطر ويتساءلون عن مستقبل مهنتهم وسط هذا المناخ المتأزم. في مذكرة مسرّبة أُرسِلت مؤخراً إلى أعضاء الكونغرس الأمريكي، أفادت إدارة ترامب بأنها خلصت إلى أنها منخرطة في «نزاع مسلّح غير دولي» مع منظمات تهريب المخدرات.
ووصف البيت الأبيض الهجمات على القوارب في البحر الكاريبي بأنها «دفاع عن النفس»، ردّاً على انتقادات خبراء قانونيين اعتبروا هذه العمليات غير قانونية.
بعيداً عن موجة الخوف التي اجتاحت سكان المناطق الساحلية، برز أيضاً شعور بالتحدي والمقاومة. في أواخر سبتمبر خرج مئات الصيادين على عشرات القوارب إلى بحيرة مراكايبو في تظاهرة دعم لحكومة مادورو واحتجاجاً على الانتشار العسكري الأمريكي.
خوسيه لوزاردو، ناطق باسم صيادي منطقة إل باخو وصياد منذ قرابة أربعين عاماً، يقول إن الولايات المتحدة «توجه مدافعها نحو فنزويلا». يؤكد أنه لا يخشى الموت ومستعد لأن يهدي حياته دفاعاً عن وطنه.
الخوف من الضربات الأمريكية ليس القضية الوحيدة التي تهدّد قطاع الصيد؛ فالأثر النفسي والاقتصادي للانتشار العسكري يفاقم أزمات مهنة يعاني أهلها أصلاً من ضغوط معيشية متزايدة. يقول لوزاردو: «إدارة ترامب حاصرتنا. إن اضطررنا للتضحية بحياتنا دفاعاً عن الحكومة، فسنفعل ذلك حتى تزول هذه المهزلة».
ورغم تحمّله لمخاوفه، يؤكد الصيادون أنهم يريدون «السلام والعمل»، لا الحرب؛ لكن غضبهم يتصاعد عندما يتحدث لوزاردو عن «الحاجز العسكري» الذي تقول واشنطن إنها أقامته في الكاريبي.
في الشهر الماضي، قامت الحكومة الفنزويلية بتعبئة عناصر الميليشيا ودعت من لم يلتحقوا بالقوة المدنية إلى التسجيل. واستجاب أكثر من 16 ألف صياد لهذه الدعوة، بحسب وزير المصايد خوان كارلوز لويو.
لوزاردو الذي بدأ الصيد منذ كان في الحادية عشرة من عمره يقول إنه «جاهز للقتال أينما اقتضت الحاجة». ويختتم كلامه على نحو صارخ: «إذا أرادوا قتلنا فليقتلونا، لكننا لا نخشى».