في ظل دراسة وكالات الأمم المتحدة للانتقال من كينيا: مخاوف من استبعادها عن فوائد نمو نيروبي

نيروبى، كينا — في ظل ناطحات سحاب لامعة وحِرم سكنية راقية مثل حي جيجيري، حيث تنتظم المساحات الخضراء قرب غابة كارورا وتنساب سيارات موظفي الأمم المتحدة المكيّفة عبر نقاط التفتيش، تكمن على بُعد دقائق قليلة واقعٌ مغاير تماماً.

في الأزقّة الضيّقة بحي جيثوغورو العشوائي، على بُعد نحو كيلومترين فقط من مراكز النفوذ المحتملة، تقف أغنِس كاريمي على طاولة خشبية تقطّع اللحوم تحت لهيب شمس حارقة، تشاهد بضاعتها تتلف لأن الكهرباء غير متوافرة لتشغيل ثلاجة تحفظها.

في الوقت الذي تتباهى فيه مجمعات الأمم المتحدة بقاعة مؤتمرات متطوّرة وكهرباء موثوقة، تتعرض لحوم كاريمي للتلف يومياً في محلها الصغير. التباين لا يمكن أن يكون أوضح مع استعداد كينيا لما يصفه مسؤولون محليون بـ«تحوّل تاريخي».

بحلول عام 2026 قد تنقل وكالات دولية كبرى مثل اليونيسف، وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة مقراتها من مدن غربية مرتفعة التكلفة إلى نيروبي، ضمن أجندة إصلاح الأمم المتحدة (UN80) الرامية إلى لامركزية العمليات إلى مناطق أكثر اقتصاداً.

لمدينة يبلغ عدد سكانها نحو خمسة ملايين نسمة، يمثل هذا التحرك فرصة لتعزيز مكانتها كواحدة من أربع محاور عالمية للأمم المتحدة إلى جانب نيويورك وجنيف وفيينا. لكن هذه الأبهة الدولية تطرح تساؤلات جدّيّة حول من سيجني الفائدة فعلاً.

رغم التصريحات الرسمية عن استثمار كينيا في البنية التحتية واستغلال تواجد الأمم المتحدة في القرن الأفريقي وشرقي ووسط إفريقيا، أكدت المنظمة هذا الشهر أن قرار النقل لم يُحسم نهائياً بعد. وفي المقابل يرى السفير أبابو ناموامبا، ممثل كينيا الدائم لدى برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن نيروبي تمتلك «قدرات لوجستية ومالية مبهرة» تجعلها محوراً متعدد الأطراف وخياراً بيئياً استراتيجياً يوفر خدمات عالية بتكاليف أدنى.

بالنسبة لسكان نيروبي، فإن المقترح أثار مزيجاً معقّداً من الأمل والشك والخوف من تزايد الفجوات الاجتماعية. المدينة تعاني أصلاً أزمة إسكان حادة تركت آلافاً يعيشون في مستوطنات غير رسمية تفتقر لأبسط الخدمات. مع متوسط رواتب شهرية يتراوح لدى كثير من الكينيين بين 590 و640 دولاراً، فإن قدوم نحو ألفين موظف دولي ذوي أجور مرتفعة بحلول نهاية 2026 قد يفاقم عدم المساواة في مدينة يعيش فيها ما يقرب من 60٪ من السكان في العشوائيات التي تحتل نحو 5٪ فقط من مساحة الأرض.

يقرأ  كاتس يوافق على خطة للسيطرة على مدينة غزة

«لا توجد كهرباء هنا، ولحومي تفسد سريعاً»، قالت كاريمي (36 عاماً) وهي أم لأربعة أطفال، وهي تلوّح بيدها لتطرد الذباب في الهواء الرطب لجيثوغورو. معاناتها ليست فريدة؛ فهي تمثل آلاف أصحاب الأعمال الصغيرة في الأحياء العشوائية حيث تصل الكهرباء إلى نحو 23٪ فقط من الأسر بحسب المكتب الوطني للإحصاء في كينيا.

في الأحياء الراقية مثل رندا، موثايغا وكيتيشورو — التي تُسمّى أحيانا «بيفرلي هيلز نيروبي» — بدأت التحوّلات بالظهور: شوارع مزروعة بالأشجار ومجمعات مسورة تسرّع بناء وحدات سكنية فاخرة، وتوسع المطاعم والفنادق طويلة الإقامة والمدارس الدولية، لترسم الصورة التي سيعيش فيها معظم موظفي الأمم المتحدة.

سوق الإسكان يتوقّع أيضاً تغيّراً ملموساً؛ إذ يقدّر جوكيم أومبوي، رئيس رابطة المالكين والمستأجرين في كينيا، أن استقرار الأمم المتحدة في المدينة قد يؤدي إلى ارتفاع إيجارات طويلة الأمد بنسبة تتراوح بين 10 و11٪، بينما يتوقع بعض المطوّرين ارتفاعات تصل إلى 10–15٪ بحلول 2026 مع استهداف مجتمعات مسوّرة لفئات الموظفين الدوليين.

في ضاحية رواكا، حيث تشهد الطبقة الوسطى نمواً قرب مقار الأمم المتحدة، تضاعفت بعض الإيجارات التي كانت تُستأجر سابقاً بنحو 155 دولاراً شهرياً إلى أكثر من 380 دولاراً نتيجة تحسين البنية التحتية وقرب المكان من المكاتب والخدمات. ويقول مراقبون إن كثيرين من المحليين الذين ورثوا أراضٍ باعوها للمستثمرين وأصبحوا يعملون كحُراس أو مشرفين، مما يعكس تحوّلاً اجتماعيّاً واقتصادياً واسع النطاق.

هذه الزيادات تأتي في مدينة يستهلك فيها الإيجار بين 40 و60٪ من دخْل الطبقة الوسطى، مع شقق غرفة واحدة في أحياء محترمة تكلف شهرياً بين 200 و400 دولار — ما يعادل راتب شهر كامل للكثيرين. ومع طيف الطلب الدولي، تصاعد القلق لدى السكان من آثار قد تتحول إلى أزمة سكن وتهميش اجتماعي ملموس.

المحلّلون يرون في خطوة نقل عمليات الأمم المتحدة إلى نيروبي فرصة استثمارية واقتصادية حقيقية، لكنها تحمل في طياتها مخاطر توسيع الفجوات الاجتماعية إن لم تُصاحبها سياسات تأمينية للقطاع السكني وخطط توزيع منافع عادلة. قد يكون لهذا المشروع أثر إيجابي عميق على المشهد الاقتصادي في كينيا، من خلال توفير المزيد من فرص العمل وزيادة الإنفاق في قطاعات مثل العقارات والضيافة والخدمات، بحسب قوله. مع ذلك، يحذّر مواتي من أن النجاح يتطلب “تحركاً حكومياً ذكياً”: استثماراً في السكن الميسور، تنظيم أسعار العقارات المتصاعدة وضمان توزُّع المنافع الاقتصادية على مختلف الفئات.”

يقرأ  وادي قابل للنفخ متوهج من تصميم إينيس ينساب داخل ساحة براهران في ملبورن — هائل

محاولات متكررة من الجزيرة للتواصل مع المتحدث باسم الحكومة إسحاق مواورا، والكاتب الدائم لوزارة العمل وتطوير المهارات شادراك مواديم، ورئيس مشاريع الرئاسة الخاصة وتنسيق الاقتصاد الإبداعي دينيس إيتومبي، لم تلقَ أي رد.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ومديرة مكتب الأمم المتحدة في نيروبي زينب حواء بانغورا كانا حاضرين في المجمع الأممي بجِيجيري، نيروبي. وقد أقرّ الجمع العام للأمم المتحدة بالفعل مشروعَي بناء في مكتب الأمم المتحدة بنيروبي بمبلغ يقارب 340 مليون دولار، وهي أكبر استثمارات تقوم بها أمانة الأمم المتحدة في أفريقيا منذ تأسيسها، عدا عمليات حفظ السلام.

هذه التحسينات قد تُمكِّن نيروبي من استضافة اجتماعات الجمعية العامة — إنجاز دبلوماسي قد يعزّز دور كينيا كـ “عاصمة متعددة الأطراف للجنوب العالمي”. العاصمة الكينية تستضيف منذ زمن طويل محاور عمل أممية؛ فقد ارتفع عدد موظفي الأمم المتحدة المقيمين فيها منذ 1972 من نحو 300 إلى نحو 6500 موظف، إلى جانب حوالي 11 ألفاً من أفراد أسرهم والمعالين. اليوم هناك 83 مكتبا للأمم المتحدة، غالبيتها في حي جيجيري، لكن التحديثات البُنية التحتية ظلت محصورة في مناطق محددة من العاصمة.

سيمون أويني، الأب لِطفلين والبالغ 33 عاماً، يرى أن أي تفاؤل بشأن التوسع المُقترح قد تآكل بفعل سنوات من الوعود غير المحققة. “المساعدة تأتي فقط عندما تسعى الجهات لتحقيق مصالحها”، يقول، ويعبر عن خيبة أمله لأن الخدمات المحسّنة والتعليم وفرص العمل التي كان يأمل أن ترافق المشروع لم تظهر على أرض الواقع.

من جهته، يؤكد السفير أبابو أن كينيا “جاهزة لعالم أكبر”، مشيراً إلى تنفيذ خطط مُفصّلة لتسهيل اللوجستيات، بما في ذلك توسيع طرق الوصول إلى مقر الأمم المتحدة، تحديث المطار والموانئ البرّية والبحرية في مومباسا، مطار جومو كينياتا الدولي وميناء نايفاشا.

يقرأ  العفو الدولية تتهم إسرائيل بتعمد تجويع الفلسطينيين في غزةأخبار غزة

في الأحياء الفقيرة من نيروبي، يعيش كثير من السكان في ظروف صحية متردّية مع شبكات صرفٍ مُكشوفة ومخاطر بيئية واضحة. جون نجوجونا، سائق تاكسي دراجة يبلغ من العمر 24 عاماً، يمثل جيلاً شاباً متحفّظاً على التفاؤل؛ عملاؤه في الغالب عمال يوميون، ويأمل أن يؤدي تزايد أعداد العاملين الدوليين إلى آثار متسلسلة في سوق العمل المحلي. “آمل أن أزيد من دخلي مع قدوم مزيد من الأجانب، فهذا سيترجم إلى تشغيل عدد أكبر من اليد العاملة المؤقتة وتنقّلات يومية أكثر”، قال وهو يسرّع دراجته عند تقاطع مزدحم في جيجيري حيث تسعى سيارات النقل المشتركة للحصول على ركاب إلى جانب السيارات الدبلوماسية.

لكن كليدوين ماماي، منسق فعاليات يقيم قرب حي روندا الراقي، يرى أن الأثر قد يقتصر على الأحياء الغنية القائمة حيث “نسبة كبيرة من السكان يمتلكون منازلهم”. وبالرغم من تدفّق رؤوس الأموال الدولية، يشعر أولئك أصحاب العقارات المعروضة للإيجار بالريبة من ارتفاع الإيجارات لأنهم يشكون في قدرة المستأجرين من الطبقة المتوسّطة على تحمّل مثل هذه الزيادات.

يُلقي ماماي الضوء أيضاً على أحياء مثل جيتوغورو، حيث شاهد السكان — بمن فيهم كريمي — ازدهاراً دولياً يحدث بجوارهم بينما تبقى احتياجاتهم الأساسية دون تحقيق. “يبدو أن التوسّع يذكّرهم باستمرار باستبعادهم من قصة نمو كينيا”، يحذر.

كريمي، التي تعمل في مسلخ صغير في جيتوغورو، لم تصلها أخبار التغييرات المقترحة حتى أخبروها بها؛ فعندئذ لمعت في عينيها بارقة أمل بسيطة بأن تأتي بعض الراحة. “أتمنى لو تُقدِم الجالية الأممية على مساعدتنا في الحصول على الكهرباء”، قالت وهي تحلم بأيام أفضل. “أستطيع حينها شراء ثلاجة لإضافة مخزون وطهي لحوم طازجة وتقديم غذاء أفضل لزبائني.”

نُشر النص بالتعاون مع Egab.

أضف تعليق