أصدرت محكمة الجنايات الدولية حكماً بالسجن عشرين عاماً بحق قائد ميليشيا سوداني مسؤولا عن فظائع ارتُكبت خلال حرب أهلية قبل أكثر من عقدين.
علي محمد علي عبدالرحمن، المعروف باسم علي كوشيب، أُدين في أكتوبر بعد أن وجّهت إليه 27 تهمة تتراوح بين جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتُكبت في إقليم درافور.
كان كوشيب من قادة «الجنجاويد»، الجماعة المدعومة من الدولة التي بثّت الرعب في درفور وقتلت المئات من الآلاف من المدنيين. ويعد كوشيب — البالغ من العمر 76 عاماً — أول شخص يُحاكم أمام المحكمة الدولية عن فظائع تلك الحرب، وقد نفى التهم وادعى أن الأمر يتعلق بخطأ في الهوية.
وبزيّ أزرق فاتح وربطة عنق، وقف كوشيب هادئاً بينما أعلنت الرئيسة القاضية جوانا كورنر حكمها. وقالت القاضية إن «عبد الرحمن لم يقتصر دوره على إصدار الأوامر التي أدت مباشرة إلى ارتكاب الجرائم، بل شارك شخصياً في تنفيذ بعضها».
دام النزاع المشار إليه من 2003 حتى 2020، وكان واحداً من أخطر الكوارث الإنسانية في العالم، مع اتهامات تطال عمليات تطهير عرقي وإبادة موجهة ضد السكان غير العرب في المنطقة.
بعد خمس سنوات من انتهاء تلك الأزمة، يظل درفور ساحة معركة مركزية في حرب أهلية جديدة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي تعود جذورها إلى الجنجاويد.
خلال المحاكمة، روى ناجون كيف أُحرقت قراهم، وذُبحت رجال وأولاد، وتعرضت نساء للاغتصاب والاستعباد الجنسي. وقالت القاضية كورنر إن كوشيب أصدر أوامر «بالمحو والمسح» لقبائل غير عربية، وأمر الجنود «ألا يتركوا أحداً. لا تأتوا بأحد حياً».
تركزت التهم الموجَّهة إليه على هجمات ارتُكبت بين 2003 و2004. بدأت حرب درافور بعدما سلّحت الحكومة ذات الغالبية العربية الجنجاويد في محاولة لقمع انتفاضة لمقاتلين من مجموعات إثنية سوداء، فشُنّت حملات منهجية ضد قرويين غير عرب اتُهِموا بدعم المتمرّدين، ما أدّى إلى اتهامات بالإبادة الجماعية.
ولا تزال تلك الحملة العنيفة — بنمطها المنهجي — مستمرة اليوم كجزء من حرب السودان الحالية، وقد انضم كثير من مقاتلي الجنجاويد لاحقاً إلى قوات الدعم السريع.
اتهمت بريطانيا والولايات المتحدة ومنظمات حقوقية القوات بأنها تمارس تطهيراً عرقياً ضد مجتمعات غير عربية في درفور منذ اندلاع القتال في 2023، فيما تنفي قوات الدعم السريع هذه الاتهامات، بحسب تقارير متعددة وادعاءات متضاربة من قبل المنضمات الحقوقية والدولية.
عند النطق بالحكم، قالت القاضية كورنر إن المحكمة تسعى لتحقيق «القصاص والردع» على السواء، مشددة على أن «الردع مناسب بشكل خاص في هذه القضية بالنظر إلى الوضع الراهن في السودان».
وقال الدكتور ماثيو بنسون-سترومير، مدير أبحاث السودان في كلية لندن للاقتصاد، لهيئة الإذاعة البريطانية إن الصراعات الثلاثية شهدت «توظيفاً طويل الأمد لميليشيات، وقمعاً للتمرد، واستخدام العنف الجنسي كأداة حرب». وأضاف أن طريقة القتال في درفور تبدو على نحو خاص «حرب رعب».
عند صدور الحكم أعرب الدكتور بنسون-سترومير عن أمله في أن يؤثر الإدانة على الصراع الحالي، لكنه قال بصراحة إنه لا يتوقع ذلك. ولا يزال معظم ضحايا أزمة درفور الأولى مهجَّرين، ومع أن المحكمة نجحت في ملاحقة كوشيب، ثمة مذكرات توقيف أخرى قائمة ضد مسؤولين سودانيين، من بينهم مذكرة تتهم الرئيس السابق عمر البشير بالإبادة، وهو ما ينفيه.
وتُفيد تقارير أن البشير محتجز حالياً لدى الجيش في شمال السودان بعد الإطاحة به في انقلاب عام 2019.