لاعبو كمال الأجسام في غزة يكافحون للحفاظ على عضلاتهم في ظلّ الحصار والمجاعة أخبار الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي

المواسي، قطاع غزة — يتصبب العرق من جبين طارق أبو يوسف بينما يكافح في تدريبه داخل صالةٍ مؤقتة مصنوعة من معدات مرتجلة، فتبدو كل حركةٍ أكثر إجهاداً مما ينبغي.

شاب فلسطيني في الثالثة والعشرين من عمره يحرص على تقليل جلسات التدريب عمداً؛ تراجع مؤلم مقارنةً بالروتين المكثف الذي كان يعشقه سابقاً. في إقليمٍ يكاد سكانه كلّهم يعانون الجوع، أصبح الحفاظ على الكتلة العضلية فعل بقاء ومقاومة في آنٍ واحد.

«خسرت حوالي 14 كيلوغراماً، من 72 إلى 58 كغم، منذ مارس»، يقول أبو يوسف مشيراً إلى تشديد الحصار وإغلاق المعابر وقيودٍ حادة على إدخال المواد الغذائية. «إذا صار الأكل نَدرَة في غزة، فإن التمرين بالنسبة لممارسي كمال الأجسام كأنما محاولة للحفاظ على قدرٍ من الطبيعية»، هكذا يخبر الجزيرة.

قصةٌ شخصية تعكس كارثة إنسانية أوسع: في مساحة 365 كيلومتراً مربعاً يواجه 2.1 مليون فلسطيني ما تصفه وكالات الإغاثة بالجوع المسخّراً كسلاح. تقرير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة يشير إلى أن السكان جميعهم تقريباً في مستويات أمن غذائي «كارثية»، مع ظروف مجاعة في شمال غزة. منظمة أطباء بلا حدود وثّقت حالات سوء تغذية حادّة على امتداد القطاع، ووصفت الأزمة بأنها «من فعل الإنسان» ومفروضة عمداً. برنامج الأغذية العالمي يحذر من أن الجوع قد يتحوّل إلى مجاعة شاملة إن لم تتدخل المساعدات فوراً، بينما ملايين الأطنان من المساعدات متوقفة عند معابر خاضعة لسيطرة إسرائيل.

حتى حين تدخل شاحنات الإغاثة عبر معابر مفتوحة جزئياً، تبقى عملية توزيع الغذاء والسلع الأساسية شبه مستحيلة بسبب العمليات العسكرية الدائرة والدمار الواسع للبنية التحتية.

خلال فترات الراحة الممتدة بين أجهزة التدريب — التي باتت أطول بخمس مرات مقارنة بما كانت عليه قبل تفاقم الجوع — يمرر أبو يوسف يديه على صدره وذراعيه وكتفيه، فيحس بفقدانٍ عضلي مدمر يعكس تدهوراً جسدياً يشمل مجتمعاً بأكمله.

«الجوع أضعف قدراتي على ممارسة رياضتي المفضلة كمال الأجسام»، يقول من صالةٍ داخل خيمة في منطقة المواسي الواقعة ضمن «المنطقة الآمنة» المكتظة جنوب غزة. «أعود الآن للتمرين يوماً واحداً، وأحياناً يومين في الأسبوع. قبل الحرب كان عدد أيام التدريب خمسة إلى ستة، وقلصت زمن التدريب إلى أقل من نصف ساعة، أي أقل من نصف المدة المطلوبة.»

يقرأ  ضمير الإنسانية على المحك: غزة في قلب الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني

حيث كان يضغط صدره بالأوزان 90–100 كغم، لا يكاد يتمكن الآن من رفع 40 كغم — تراجعٌ يثير القلق لأي رياضي، لكنه مأساوي عندما يصبح هذا التدهور قاعدةً عامة في مجتمعٍ بأسره.

صالة بين اللاجئين

الصالة المؤقتة التي يتدرب فيها أبو يوسف داخل خيمة في المواسي، التي أصبحت مأوى لحوالي مليون نازح يعيشون في ظروف مكتظة وغير صحية. وسط مخيماتٍ مترامية الأطراف، أقام المدربُ عَدلي الأَسَّار ملاذاً غير متوقع باستخدام معداتٍ أنقذها من صالةٍ دمرتها القصف في خان يونس.

الأَسَّار، بطل رفع أثقال دولي سابق وفاز بست ميداليات ذهبية في بطولات عربية 2020–2021، لم يستطع إنقاذ أكثر من عشرة قطع من أكثر من ثلاثين جهازاً دمرتها الغارات. تغطي الخيمة نحو 60 متراً مربعاً فقط، تمّ شدّ غلافها البلاستيكي على أرضيتين غير مستويتين، محاطة بخيام النازحين وأشجارٍ متفرقة.

«منذ فرض هذا الجوع تغيّرت كلّ الأشياء»، يشرح الأَسَّار، وقد فقد بدوره 11 كغم من وزنه (من 78 إلى 67 كغم). «الرياضيون فقدوا 10–15 كغم وفقدوا القدرة على رفع الأثقال. محيط كتفي كان 40 سم والآن أقل من 35، وباقي العضلات تعرّضت للخسارة نفسها.»

قبل الأزمة كان يقصده أكثر من 200 لاعب يومياً بمختلف الأعمار، أما الآن فتكاد نسبة القادرين على التدريب تصل إلى عشرة في المئة فقط، وبمعدل مرة أو مرتين في الأسبوع.

من بين زوار الصالة المنتظمين علي الأزرق، 20 عاماً، مهجّر من وسط غزة منذ الأسابيع الأولى للحرب. انخفض وزنه من 79 إلى 68 كغم — فقدانٌ شبه كامل للكتلة العضلية. تراجع ضغطه على البنش من 100 كغم إلى 30 كغم فقط، والرفعات الخلفية من 150 إلى 60 كغم، وتمارين الأكتاف من 45 إلى ما يقارب 15 كغم.

«الجزء الأكبر من الخسارة حدث خلال فترة الجوع الحالية التي بدأت منذ أشهر وتفاقمت في الشهر الأخير»، يقول الأزرق. «لا أجد ما آكله إلا نادراً قطعة خبز أو رز أو مكرونة بكميات ضئيلة تُبقينا على قيد الحياة. نحن نفتقر تماماً إلى العناصر الغذائية الأساسية والبروتينات الهامة — لحم، دجاج، زيوت صحية، بيض، سمك، فواكه، خضار، مكسرات وغيرها.»

يقرأ  كيف سيؤثر لقاء بوتين وترامبعلى مجريات الحرب في أوكرانيا؟

كان الشاب العاطل يأمل بالمنافسة في بطولات مصارعة الذراع الفلسطينية قبل أن ينتقل للمسابقات الدولية. بدلاً من ذلك يصف الجوع الحالي بأنه «أقسى ما نعيشه كغزّيين»، لكن الرياضيين يتأثرون أكثر لأنهم يحتاجون كميات كبيرة من أغذية نوعية، لا العادية فقط.

التدريب وسط الصدمة

مع ذلك، تمثّل هذه الخيمة الرياضية لهؤلاء الرياضيين أكثر من تدريب جسدي — إنها نجاة نفسية. خالد البهبة، 29 عاماً، الذي عاد للتمرين قبل شهرين بعد إصابته بقصف إسرائيلي في 19 أبريل، لا يزال يحمل شظايا في صدره وجسده.

«الرياضة تمنح الحياة والراحة النفسية. كنا أقرب إلى الأموات رغم أننا أحياء»، يقول البهبة. «لكن حين عدت لممارسة تدريباتي شعرت بأنني أقرب إلى الأحياء من الأموات، وكادت كوابيس الإبادة والجوع تتراجع قليلاً.»

فوجئ باكتشافه لهذه الصالة بين الخيام والأشجار. «شعرت كأنني استعدت شغفي الذي أجبرت الحرب على التخلي عنه. كمال الأجسام ليس مجرد رياضة — بالنسبة لي ولعدد كبير من ممارسيها ومحبّيها — هو الحياة.»

أكثر من 22 شهراً من القصف المتواصلّ من الجيش الإسرائيلي أسفرت، بحسب وزارة الصحة في القطاع، عن مقتل أكثر من 62 ألف شخص، ودمرّت أجزاء واسعة من الأرض المحاصرة وشرّدت الأغلبية الساحقة من أهلها. الناجون يحاولون الصمود في ظل ظروف إنسانية كارثية تكاد تخلو تمامًا من الطعام.

عدل العسار طرق تدريبه لتتناسب مع ظروف المجاعة، موجّهًا الرياضيين بصرامة لتقليل التمارين وتجنّب الإجهاد المفرط. فترات الراحة بين السِتّات امتدت الآن إلى خمس دقائق بدلًا من الثلاثين ثانية إلى دقيقة المعتادة. جلسات التدريب قُصرت بحد أقصى إلى ثلاثين دقيقة، ولا يرفع الرياضيون سوى نصف الأوزان التي كانوا يرفعونها قبل المجاعة.

«التوصيات صارمة لتقصير مدة التدريب وزيادة فترات الراحة»، يحذّر العسار. «نحن نعيش أزمة جوع قاتلة، وقد يتوقف التدريب تمامًا إذا استمرت الظروف على هذا الحال».

العسار، أقصى اليمين، يقيّد تمارين لاعبي كمال الأجسام إلى ثلاثين دقيقة كحدّ أقصى بسبب التعب وتشنّجات العضلات والنقص المزمن في الغذاء اللازم للتعافي بعد التمرين.

يقرأ  في ظلال السريالية: لوحات فريد لافيرن المظلمة

يخبر المدرب القناة أنّ الرياضيين يواجهون يوميًا مضاعفات تشمل الانهيار والإغماء والعجز عن الحركة. «نحن في حالة مجاعة حقيقية ولا شيء نأكله. لا نحصل على أي تغذية من الأطعمة الأساسية والمفيدة — لا بروتين حيواني، لا زيوت صحية، لا شيء. نحصل على قدر زهيد من البروتين النباتي من العدس لا يكفي طفلًا يبلغ من العمر ثلاث سنوات، بينما تفتقد بقية الأطعمة بالكامل».

ومع ذلك، يواصل لاعبو كمال الأجسام التمرين.

حتى عندما سقطت غارات جوية إسرائيلية على بعد أمتار من الصالة، ظل الرياضيون يحضرون. «أنا جائع طوال الوقت وأحسب يوم تدريبي الأسبوعي — كيف سأدبر طعامي بعده؟» يقول ابو يوسف، بائع متجول كان يحلم بالمشاركة في بطولة لكمال الأجسام على مستوى غزة كانت مقررة قبل أسبوعين من اندلاع الحرب في أكتوبر 2023.

تحطّم حلم يوسف الذي كان متحمسًا ومستعدًا للبطولة عندما قلبت الحرب كل شيء رأسًا على عقب. الآن، القِطَع القليلة من الخبز التي يتمكن من شرائها من دخله الأسبوعي بالكاد تُشبع رمقه.

«مع ذلك لم أفقد الأمل، وتدربت مجددًا لاستعادة قدراتي، ولو كانت محدودة وبطيئة، لكن المجاعة تُخمد كل هذه المحاولات»، يقول.

بالنسبة للبهابصة، النازح من رفح مع أسرته، فإن مجرد الوصول إلى موقع التدريب يمثل أملًا في استعادة الحياة عمومًا، وليس مجرد اللياقة البدنية.

«نطمح أن نعيش مثل شعوب العالم الأخرى. نريد السلام والحياة ونبغض الحرب والاحتلال الإسرائيلي الذي يبادنا ويجوعنا. من حقنا أن نمارس الرياضة، ونشارك في المسابقات الدولية، ونصل إلى مستويات متقدمة، ونُمثّل فلسطين»، قال.

تعمل الصالة الخيمية، رغم محدوديتها، كما يسميها العسار تحديًا لـ«واقع الإبادة والدمار والتهجير».

«الفكرة هنا أعمق من مجرد التدريب. نبحث عن الحياة التي نريد أن نعيشها بأمان وطمأنينة. غزة وشعبها سيستمرون في حياتهم مهما وقع من إبادة ضدهم. الرياضة جزء من هذه الحياة»، يضيف.

علي الأزرق، الذي نزح من وسط غزة في المراحل الأولى من الحرب، يتمسك بحلمه بالمنافسة في مسابقات مصارعة الذراع، فيتمرّن في صالة الخيمة في المواسي متى أُتيحت له الفرصة.

نُشر هذا التقرير بالتعاون مع Egab.

أضف تعليق