إسلام آباد — عندما اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الاثنين قرارًا أعدته الولايات المتحدة يمهد لتشكيل إدارة انتقالية وقوة دولية لفرض الاستقرار في غزة، بدا موقف باكستان، التي كانت تتولى رئاسة المجلس، متناقضًا إلى حد ما.
شكر السفير أسم إفتخار أحمد، المندوب الدائم لباكستان لدى الأمم المتحدة، الولايات المتحدة على تقديمه للقرار وصوّت لصالحه، لكنه في الوقت نفسه أعلن عدم رضاه التام عن النص النهائي وحذر من أن «بعض المقترحات الجوهرية» التي طرحتها باكستان لم تُدرج في الصيغة النهائية.
القرار يتضمن وعدًا بـ«مسار موثوق» نحو دولة فلسطينية، لكن أحمد شدّد أمام المجلس على أن الوثيقة لم تُفصّل هذا المسار، ولم توضح دور الأمم المتحدة أو دور مجلس مقترح للسلام يراقب إدارة غزة، ولا تفويض قوة الاستقرار الدولية. وذكر أن هذه التفاصيل «عناصر حاسمة تؤثر في نجاح هذه المبادرة» وأضاف أنه «نأمل أن توفر الأسابيع المقبلة وضوحًا مفقودًا بشأن هذه المسائل».
مع ذلك، فقد كانت باكستان قد أيدت سابقًا خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المكوّنة من عشرين نقطة لوقف إطلاق النار في غزة في سبتمبر، والتي شكلت أساس القرار الأممي. ومع دعم حذر مماثل من عدد من الدول العربية والإسلامية، تبدو باكستان، التي تملك أكبر قوة عسكرية بين تلك الدول، مرشحة للعب دور محوري في قوة الاستقرار الدولية.
الموقف المؤيد للقرار على الرغم من المطالب بمزيد من التوضيح يعبّر عن توازن دقيق يتعيّن على إسلام آباد السير عليه، خاصة مع تزايد الأسئلة داخليًا حول احتمال نشر قوات في غزة، وفق محللين. وقال سلمان بشير، وزير الخارجية الباكستاني السابق، لـــ«الجزيرة»: «الخطة الأميركية تحمل ميولًا مؤيدة لإسرائيل، ومع ذلك علينا أن نعترف بأن هذا أفضل خيار متاح لنا. بعد المعاناة التي لحقت بشعب غزة، لم يكن أمامنا خيار سوى الموافقة».
القيمة الجيوسياسية المتصاعدة لباكستان
في الأسابيع الأخيرة كثّفت قيادات باكستان العليا دبلوماسية نشيطة مع شركاء محوريين في الشرق الأوسط. زار الملك عبد الله الثاني الأردن إسلام آباد والتقى رئيس الوزراء شهباز شريف ورئيس الأركان الفريق أول عاصم منير، الذي سبق أن زار عمّان والقاهرة خلال الأشهر الماضية.
لطالما امتدت علاقات باكستان الوثيقة مع دول الخليج، وهذه الروابط تقوّت في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة. وتؤكد باكستان منذ زمن طويل على «حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومتصلة على حدود ما قبل 1967 على أن تكون القدس الشريف عاصمتها».
في المقابل، برزت باكستان — الدولة الإسلامية الوحيدة الحائزة على سلاح نووي — كلاعب أمني إقليمي مهم، تتنافس عليه الولايات المتحدة وحلفاء عرب بارزون. في سبتمبر وقّعت باكستان اتفاقية دفاعية استراتيجية متبادلة مع السعودية، وبعدها بشهور حضر رئيس الوزراء ورئيس الجيش حفل توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ إلى جانب ترامب وزعماء عالميين آخرين، حيث أشاد شريف بترامب على الملأ. وصف ترامب منير لاحقًا بأنه «قائد ميداني مفضل»، فيما تزايدت لقاءات المسؤولين الباكستانيين مع القادة الأميركيين في زيارات تاريخية إلى واشنطن.
تفكر الحكومة حاليًا في المشاركة في قوة الاستقرار الدولية. ولم تتخذ الحكومه قرارًا رسميًا بعد، لكن مسؤولين رفيعي المستوى أدلوا بتعليقات إيجابية حول الفكرة؛ إذ صرح وزير الدفاع خواجة أسيف في أواخر أكتوبر أن مشاركة باكستان ستكون «مصدر فخر». ومع ذلك يحذر محللون من أن الأمر أبعد ما يكون عن السهولة: القضية الفلسطينية ذات حمولة عاطفية وسياسية كبيرة داخل باكستان التي لا تعترف بإسرائيل، ويشير جواز السفر الوطني صراحة إلى حظر استخدامه للسفر إلى إسرائيل، وأي مؤشر على تعاون عسكري مع قوات إسرائيلية أو إقرار فعلي بوجودها سيشعل نقاشًا سياسيًا حادًا. لذا فإن احتمال إرسال قوات إلى غزة يظل مسألة شديدة الحساسية لدى السياسيين والعسكريين على حد سواء.
الحكومة تلتزم الصمت الرسمي
رسميًا، كانت الحكومة غامضة بشأن موقفها النهائي من المشاركة في القوة. وبينما وصف بعض المسؤولين أي مشاركة محتملة بأنها «مصدر فخر»، شدّد وزير الدفاع على أن القرار سيُتخذ بعد مشاورات مع البرلمان ومؤسسات أخرى. وفي موجز صحفي أسبوعي قال المتحدث باسم وزارة الخارجية طاهر أندربي إن مسألة إسهام باكستان ستُحسم «بعد التشاور على أعلى مستوى»، وأن «القرار سيُتخذ في الوقت المناسب وبعد اتباع الإجراءات المطلوبة».
حاولت «الجزيرة» التواصل مع وزير الدفاع ووزير الإعلام والجناح الإعلامي للجيش (إدارة العلاقات العامة بين الخدمات)، لكن لم ترد أية تصريحات رسمية حتى الآن.
تعقيدات قانونية وتشغيلية
يعتقد بعض الضباط المتقاعدين أن باكستان لن تتخذ قرارًا من وراء الأبواب المغلقة. فقد توقع الجنرال محمد سعيد، الذي شغل منصب رئيس هيئة الأركان العامة قبل تقاعده في 2023، أن تُناقش شروط التعريف وقواعد الاشتباك لأي نشر محتمل في منتديات عامة تشمل المجلس القومي للأمن والبرلمان. وقال: «هذه مسألة حساسة للغاية؛ يجب أن تُناقش علنًا ولا يمكن لأي حكومة أن تحتفظ بها طي الكتمان». «بمجرد أن تتضح بنية قوات الأمن الدولية، أنا متأكد أن صنع القرار في باكستان سيكون شاملاً للغاية والجمهور سيطلع على التفاصيل»، قال ذلك لقناة الجزيرة.
قال كامران بوخاري، المدير الأول في معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة في واشنطن، إن اتفاق الدفاع المتبادل مع السعودية يعني أن قوات باكستانية في غزة قد تمثل البلدين معاً. ومع ذلك أضاف أنه من المرجح أن باكستان كانت ستشارك في قوات الأمن الدولية حتى لو لم يكن هناك الاتفاق السعودي.
ورغم ذلك، يبقى غياب التفاصيل حول هيئة قوات الأمن الدولية وحوكمة غزة في قرار الأمم المتحدة عقبة كبيرة، بحسب خبراء.
أعربت عدة دول في مجلس الأمن عن أن القرار ترك عناصر أساسية غامضة، بما في ذلك التكوين والهيكلية ومهام كلٍّ من السلطة الانتقالية المؤقتة (BoP) وقوات الأمن الدولية. كما وصفت الصين، التي امتنعت عن التصويت، النص بأنه «غامض وغير واضح» في نقاط حاسمة.
يطالب القرار بـ«نزع سلاح» قطاع غزة و«الإخراج الدائم للأسلحة من الجماعات المسلحة غير الحكومية»، وهو مطلب رفضته حركة حماس.
وصفت حماس القرار بأنه لم يلبِ حقوق الفلسطينيين وسعَى لفرض وصاية دولية على غزة، وهو ما يعارضه الفلسطينيون وفصائل المقاومة.
حتى الآن، أرسلت الولايات المتحدة نحو 200 عنصر، بينهم قائد عام، لتأسيس مركز تنسيق مدني-عسكري بالقرب من غزة على الأراضي الإسرائيلية. سيشرف المركز على المساعدات الإنسانية وسيعمل كقاعدة يتوقع أن تنطلق منها قوات الأمن الدولية.
نشرت وسيلة إعلامية أميركية أن باكستان وأذربيجان وإندونيسيا — كلها دول ذات أغلبية مسلمة — كانت من أبرز المرشحين لتزويد قوات لقوات الأمن الدولية.
من جانبها، أعلنت الإمارات أنها لن تشارك ما لم تتضح الأطر القانونية، بعد انضمامها لاتفاقية أبراهام في 2020 والاعتراف بإسرائيل خلال ولاية ترامب الأولى.
وحذّر الملك عبد الله الثاني ملك الأردن أيضاً من أنه من دون تفويض واضح لقوات الأمن الدولية سيكون من الصعب إنجاح الخطة.
أنقاض مبانٍ مدمرة في مدينة غزة شمال القطاع، 18 نوفمبر 2025، في ظل تهدئة بين إسرائيل وحماس. نزح نحو 1.9 مليون شخص في غزة، ما يقارب 90% من السكان، منذ اندلاع الصراع بين إسرائيل وحماس في أكتوبر 2023، وفق الأمم المتحدة [محمد صابر/وكالةEPA]
التكاليف والحوافز والدور التاريخي لباكستان
رأى بوخاري أن خيارات باكستان محدودة، مضيفاً أن كثيراً من حلفائها المقربين «ملتزمون بشدة» بالمبادرة وسعوا للحصول على مشاركة إسلامآباد. (ملاحظة: هذا سهو إملائي شائع في كتابة اسم العاصمة.)
قال إن المشاكل الاقتصادية والمالية في باكستان تعني أنها ستحتاج إلى معاملة بالمثل عسكرياً لكسب حسن نية الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج. «علينا أن نفترض أن القيادة المدنية-العسكرية الحالية مدركة للمخاطر السياسية الداخلية.»
يشير آخرون إلى الخبرة الطويلة لباكستان في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. حتى سبتمبر 2025، تظهر أرقام الأمم المتحدة أن باكستان أسهمت بأكثر من 2,600 عنصر في بعثات الأمم المتحدة، أقل بقليل من إندونيسيا التي سجلت 2,700، ما يجعل باكستان في المرتبة السادسة عالمياً.
قال قمر شيما، المدير التنفيذي لمؤسسة سانوبر في إسلام آباد، إن باكستان برزت كموازن أمني للمنطقة ولديها «خبرة واسعة في تقديم الدعم في مناطق الصراع سابقاً». (ملاحظة: اسم المؤسسة مترجم بأسلوب متعارف عليه.)
تواجه باكستان حالياً تحديات أمنية على حدودها الشرقية مع الهند والغربية مع أفغانستان التي تسيطر عليها حركة طالبان. لكن من الممكن ألا تضطر لقطع قوات من حدودها الشرقية أو الغربية، لأن عدد القوات المطلوبة في غزة قد لا يكون كبيراً جداً، لا سيما وأن دولاً عدة ترسل قوات أيضاً، وفق ما قاله شيما للجزيرة.
قال الجنرال المتقاعد سعيد إن موقف باكستان التاريخي من فلسطين ما زال قائماً، وأن الخبرة السابقة في حفظ السلام تجعل قواتها مؤهلة للمساهمة في قوات الأمن الدولية. «لدى باكستان من التجارب الغنية في مجالي حفظ وتنفيذ السلم عبر الأمم المتحدة. لدينا قوة معتبرة بتنوع خبراتها في حفظ النظام والسلام.»
وأضاف الجنرال السابق: «الأمل أن نتمكن من تقديم مساعدة قد تضع حداً للعنف، تمهّد للسلام، توصل المساعدات الإنسانية إلى غزة وتنفّذ قرار الأمم المتحدة.»
المخاطر السياسية الداخلية والعامل الإسرائيلي
رغم تلك الحجج، يتساءل كثيرون في باكستان عن جدوى ومقبولية سياسياً للعمل إلى جانب أو بالتنسيق مع قوات إسرائيلية.
اعترف بشير، الوزير السابق للخارجية، بالمخاطر، وقال إن شرط نزع سلاح حماس يجعل مهمة قوات الأمن الدولية «مهمة عسيرة». ومع ذلك رأى أن «الواقعية تقتضي أن نتوافق مع حل ناقص».
أشار بوخاري إلى أن الأطراف غالباً ما تفصل التفاصيل «على نحو متدرج» في مراحل البدء لمثل هذه المهمات. «بالتأكيد لا يمكن لباكستان أو لأي دولة مشاركة أن تتجنب التنسيق مع إسرائيل.»
لكن سعيد اختلف مع هذا الرأي، قائلاً إن قوات الأمن الدولية ستعمل على الأرجح كتحالف يتولى أحد الشركاء مهمة التنسيق مع القوات الإسرائيلية، بما يعني أن الجنود الباكستانيين قد لا يجرون اتصالات مباشرة مع إسرائيل. «هناك دول أخرى ضمن الاحتمالات تربطها علاقات مع إسرائيل؛ من المرجح أن تتولى دور القيادة وتتولى التعامل معها، وليس باكستان.» وأضاف أن مشاركة باكستان — إذا تمت — ستقتصر على حفظ وقف إطلاق النار وحماية المدنيين الفلسطينيين.
حذّر الجنرال المتقاعد عمر محمود حيات من أن أي صلة تشغيلية بإسرائيل «ستشعل ردّ فعل داخلي وتقوّض ثقة الجمهور». وقال إن باكستان لا تربطها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل «لأسباب مبدئية» وأن طمس هذا الخط، حتى بحجة الاعتبارات الإنسانية، سيولد ارتباكاً واحتجاجات داخلية. «هذا ليس مجرد معضلة أخلاقية، بل تناقض استراتيجي يضعف موقفنا الدبلوماسي.» لم تدرج أي نصّ في رسالتك؛ هل تودّ لصقه الآن لكي أترجمه وأعيد صياغته؟