اعتراف أوروبا بالدولة الفلسطينية يُظهر أن الولايات المتحدة لا تزال القوة الوحيدة التي تُحتَسَب

يُعدّ اعتراف بريطانيا وفرنسا بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة محطة تاريخية في صراعٍ ممتد منذ قرن بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكنه في الوقت ذاته مقامرة دبلوماسية تكشف عن قناعةٍ أوروبية بأن الصراع بلغ مستوى يستدعي خطوة غير مسبوقة.

في ظل الكارثة الجارية في غزة، وتوجيه الإدانات لكل من إسرائيل وحماس على حد سواء، قال الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون إن «الحق يجب أن يسود على القوة». وكانت هذه المبادرة، التي نُسّقت مع المملكة المتحدة وبإشراف سعودي، تهدف إلى إبقاء حلّ الدولتين على قيد الحياة.

ترى الدول الأوروبية أن هذا الخيار الدولي القديم هو السبيل الوحيد لتحقيق مستقبل عادل مشترك للمجتمعين. وحذّر أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن البديل قد يكون «حلّ دولة واحدة» يفضي إلى هيمنة إسرائيل و«خضوع» الفلسطينيين، وأن لا شيء يبرر العقاب الجماعي أو التجويع أو أي شكل من أشكال التطهير العرقي.

ردّت إسرائيل بغضب وهدّدت بالرد، معتبرة أن مؤتمر الأمم المتحدة والاعترافات الأوروبية—بما في ذلك كندا وأستراليا—يمثّلان بمثابة مكافأة لحماس بعد هجوم السابع من أكتوبر واحتجاز الرهائن. وبعض الوزراء الإسرائيليين طالبوا بالرد عبر إعلان ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، ما ينهي عمليًا أي إمكانية لدولة فلسطينية قابلة للحياة على تلك الأرض.

تتألف حكومة بنيامين نتنياهو من ائتلاف يضم عناصر يمينية متطرفة تدعو طموحًا إلى طرد الفلسطينيين وبناء المستوطنات على أراضيهم، وهي مصمّمة على قطع الطريق أمام حلّ الدولتين. وفي المقابل، تستمر إدارة الرئيس دونالد ترامب في دعم حليفتها الإسرائيلية ورفض الخطوة الأوروبية، بل اتخذت إجراءات عقابية بحق رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، بمنعه من حضور المؤتمر في نيويورك واستبداله بكلمة عبر رابط فيديو.

يمثل مؤتمر فلسطين ورد فعل إدارة ترامب انقسامًا عميقًا بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين حول سبل حل النزاع في الشرق الأوسط. لكن الأوروبيين يعتقدون أن الوقائع على الأرض لا تتيح لهم خيارات كثيرة: إسرائيل تُنشئ قوة جديدة تدخل إلى مدينة غزة، ويُقتل عشرات الفلسطينيين يوميًا؛ ولا تزال حماس تحتجز نحو خمسين رهينة، كثيرون منهم قتلى؛ وفي الضفة يتصاعد التوسع الاستيطاني والعنف من قبل المستوطنين.

يقرأ  الاعتراف وحده لا يكفي: مخاوف فلسطينية في الضفة الغربية

ومع مرور ما يقرب من عامين على هجمات 7 أكتوبر، تبدو مؤشرات أن الضغوط العسكرية وحدها ستجبر حماس على الاستسلام التي تسعى إليها إسرائيل ضئيلة. لذلك يسعى ماكرون عبر دبلوماسية علنية إلى تقديم بديل واقعي: أولًا لبلوغ نهاية قابلة للتنفيذ للحرب في غزة، ثم حل طويل الأمد يتمثل في دولتين مستقلتين—إسرائيلية وفلسطينية.

وتؤكد الدول الأوروبية أن الاستراتيجية الإسرائيلية لم تنجح، بل أدّت إلى مزيد من المعاناة المدنية وتعريض الرهائن المتبقين للخطر. ولعبت السعودية دورًا محوريًا في المؤتمر إلى جانب الجامعة العربية، ما منح المبادرة شرعية إقليمية مهمة؛ ولدى باريس مبررات للاعتقاد بأن مسارها الدبلوماسي قد يمارس ضغوطًا على حماس، خصوصًا بعد دعوة دول عربية رئيسية في المؤتمر الجماعة إلى نزع سلاحها وتسليم الأسلحة للسلطة الفلسطينية، مع التأكيد على أنها لا يمكن أن تكون جزءًا من قيادة مستقبلية للفلسطينيين.

يأمل ماكرون أن يخلق هذا المسار حافزًا لإسرائيل، وفي الوقت ذاته يحافظ على إمكانية تطبيع العلاقات مع السعودية—وهو هدف طالما رغبه نتنياهو وترامب. لكن قرار الاعتراف بدولة فلسطينية رغم رفض واشنطن يبقى مخاطرة دبلوماسية كبرى. ومشاهدتك لماكرون على منبر الأمم المتحدة كانت رؤية لرئيس يحاول أن يتبنّى قيادة عالمية لإخراج المنطقة من «كابوس» غزة كما وصفه الأمين العام، والبحث عن مستقبل مشترك للإسرائيليين والفلسطينيين.

غير أنّ غياب الولايات المتحدة كقوة قائدة في هذه المساعي يضعف القدرة على فرض ضغوط فعّالة لا تستطيع أي قوة أخرى مضاهاة تأثيرها. وإدارة ترامب لا تزال ترفض نهج الأوروبيين، ومن المقرر أن يزور ترامب الأمم المتحدة حيث سيلقي كلمة ويلتقي قادة عربًا على هامش أعمال المنظمة—خطوة منفصلة عن مقررات اللقاء الأوروبي العربي، ما يعكس نقصًا في التنسيق بين الدول الفاعلة ويزيد من الإحساس بالارتباك الدبلوماسي.

يقرأ  لا اتفاق في لقاء ترامب وبوتينأبرز خلاصات قمة ألاسكا — أخبار حرب روسيا وأوكرانيا

أثار كل من ماكرون وزعيم حزب العمال البريطاني إشارات إلى الإرث الاستعماري لبلديهما في الشرق الأوسط، مذكرين بأن المجتمع الدولي اعترف بدولة إسرائيل بعد انسحاب بريطانيا من فلسطين عام 1948، وأن الاعتراف الأوروبي الآن هو اعتراف متأخر بحق الفلسطينيين في دولتهم. يرحّب الفلسطينيون بالاعتراف الأوروبي، لكنهم يدركون أن هذه الدول لم تعد تلك القوى العظمى ذات التأثير الحاسم كما كان في الماضي؛ فالشرعية الواقعية لدولة فلسطينية مرهونة بدعم الولاات المتحدة اليوم، والرئيس ترامب حتى الآن لديه رؤى مختلفة.

أضف تعليق