طهران، إيران — بعد نحو عقد من الزمن، أعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، في ظل تصعيد غربي للضغط على طهران رغم معارضة روسيا والصين.
التدابير التي أعيدت
عادت العقوبات تلقائياً عند منتصف ليل غرينتش يوم الأحد بعدما فعلت الدول الأوروبية الموقّعة على الأتفاق النووي لعام 2015 آلية «الإعادة الفورية» لإعادة تفعيل تلك العقوبات. وتشمل التدابير حظراً على السلاح، تجميد أصول، حظر سفر، إضافة إلى عقوبات نووية وصاروخية ومصرفية يُتوقَّع أن تطال جميع قطاعات الاقتصاد الإيراني المثقل بالأعباء، فيما سيدفع غالبية سكان البلاد الذين يفوق عددهم التسعين مليون ثمن ذلك خلال الأشهر المقبلة. العقوبات مُلزِمة لجميع الدول الأعضاء ومن المقرر تنفيذها عبر إجراءات غير عسكرية.
مخاوف من ضربات عسكرية
الوضع الإقليمي المتقلب لإيران أشاع مخاوف من احتمال تعرضها لمزيد من الضربات العسكرية من إسرائيل والولايات المتحدة، اللتين شنَّتا في يونيو ما وصفته تقارير بـ12 يوماً من الهجمات التي أودت بحياة أكثر من ألف شخص وتسببت بمليارات الدولارات من الأضرار. يخشى الإيرانيون أن تستغل إسرائيل هذه العقوبات ذريعة لمهاجمة البلاد مجدداً، كما استُخدمت في يونيو قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية كحجة — بحسب أصوات رسمية إسرائيلية — لشن حملة حربية رحبت بها أوساط في تل أبيب.
أسواق متوترة وشعور عام بالقلق
أظهرت ردود فعل الأسواق يوم الأحد قلقاً اقتصادياً من انعزال إيران المتزايد بسبب العقوبات. تداول الريال الإيراني بأكثر من 1.3 مليون مقابل الدولار الأميركي في سوق العملات المفتوحة بطهران في اليوم الثاني من الأسبوع، مع محدودية الحركة وسط تقلبات حادة. ويشكّل ذلك أدنى مستوى تاريخي للعملة، بعدما تراجع من 1.06 مليون لكل دولار عندما فعلت القوى الأوروبية آلية الإعادة الفورية قبل شهر.
قال روزبه، البالغ من العمر 35 عاماً ويعمل في السوق الكبير بطهران، إنه يبيع محركات كهربائية مستوردة من الصين ودول أخرى: «الأمور لا تبدو مستقرة على الإطلاق. كما في السنوات الماضية، مع ارتفاع سعر الدولار سترتفع تكلفة المستوردات وتصبح نادرة». وأضاف أن بعض التجار يعلقون عمليات البيع لبضعة أيام إلى أن تستقر الأسعار، بينما يستغل آخرون الفرصة لرفع الأسعار، ما يخفض المبيعات لأن القدرة الشرائية لا ترتفع.
مواقف داخلية متباينة
بدا المتشددون في طهران راضين عن إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة؛ إذ يرون فيها نهاية لاتفاق نووي عارضوه بعنف على مدار عقد واصفِين إياه بـ«الخسارة البحتة». نشر سعيد جليلي، العضو المتشدد في المجلس الأعلى للأمن القومي والمرشح الرئاسي السابق، شريط فيديو من خطاب أدلى به الأسبوع الماضي يدين الاتفاق والانخراط مع الغرب. قال فيه: «اليوم يجب تحييد المطالب المفرطة للعدو ومنعه من مزيد من التهديدات»، من دون تفاصيل عن كيفية تحقيق ذلك.
عكست الصحف الإيرانية مخاوف الشارع؛ إذ نعَت صحيفة «شرق» الإصلاحية «موت» الاتفاق النووي، فيما أشارت صحيفة «دنياي اقتصاد» إلى أن التضخم بلغ أكثر من 40 في المئة، وهو الأعلى خلال ثمانية وعشرين شهراً. أما «كيهان» التي يعين رئيس تحريرها المرشد الأعلى، فحاولت التقليل من أهمية الأزمة مدّعية أن «النمو الاقتصادي كان إيجابياً بدون مفاوضات وسلبياً معها». ونفى المرشد علي خامنئي الأسبوع الماضي أي إمكانية لفتح حوار مع الولايات المتحدة.
من أساء استخدام آلية الإعادة الفورية؟
كانت آلية الإعادة الفورية جزءاً من الاتفاق النووي المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وهدفها معاقبة إيران إذا تخلّت عن الحدود الصارمة للتأكد من سلمية برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات. تجادل طهران والصين وروسيا بأن الغرب أساء استخدام الآلية — التي كان من المقرر أن تنتهي صلاحيتها في 18 أكتوبر — خصوصاً بعدما انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق في 2018 وفرض عقوبات أحادية بينما بقيت إيران ملتزمة. بدأت طهران بالتدرج في الانسحاب من بعض القيود بعد نحو عام، لكنها تصر على أنها لا تطمح لامتلاك سلاح نووي.
وبعد تبادلات ردعية على مدار السنوات، ارتفعت نسبة تخصيب اليورانيوم لدى إيران حتى 60 في المئة، إلا أنها لم تحاول بناء قنبلة — على حد ادعاءات طهران، رغم أن إسرائيل والولايات المتحدة اعتبرا ذلك مبرراً لهجومهما. لا تزال مصائر اليورانيوم عالي التخصيب والأضرار الدقيقة لمرافقها النووية تحت الأرض غير واضحة، خاصة بعد أن مُنع الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى معظم المواقع عقب الحرب.
محاولات لتفادي الأزمة
رأت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون الثلاثة — فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة (المعروفون بـ E3) — أن إيران في حالة ضعف استثنائي، ورفعوا الضغوط بينما رفضوا مقترحات طهران لفهم مؤقت. كما فشلت في مجلس الأمن محاولة الصين وروسيا، يوم الجمعة، لتأجيل الإعادة الفورية عبر تصويت أخير.
خلال الهجمات في يونيو وصف المستشار الألماني فريدريخ ميرتس إسرائيل بأنها «تقوم بالأعمال القذرة» لصالح الغرب. ومن جانبه، قال عباس عراقجي، الذي اتُّهِم غربياً في وقت ما بأنه ليس ممثلاً ذا سلطة عن طهران، يوم الأحد إن الغرب «قبر الدبلوماسية واختار التخويف»، مؤكداً على «لا يمكن إحياء عقوبات أنهت فعلياً» عبر حسابه على منصة X، ومشدداً أن إيران تعتبر قرار مجلس الأمن الداعم للاتفاق أنه سينتهي صلاحيتَه في أكتوبر كما كان مقرراً.
بدت موسكو وبكين متوحدتين إلى حد كبير في رفضهما القاعدة القانونية للحركة؛ إذ وصفت موسكو محاولات إعادة العقوبات بأنها «باطلة ولاغية» وهددت بإعادة النظر الجدي في علاقاتها مع أمانة الأمم المتحدة. وفي وقت سابق وقعت روسيا وإيران مذكرة تفاهم بقيمة 25 مليار دولار لبناء عدة مفاعلات نووية في إيران. ولا تزال الصين أكبر مشتري للنفط الإيراني عبر السنوات رغم العقوبات الأميركية، مستفيدة من خصومات كبيرة من طهران المعزولة. يبقى السؤال ما إذا كانت هاتان القوتان العظميان أو أي حلفاء محدودين آخرين لإيران سيغامرون بتعرض أنفسهم لعقوبات ثانوية لجهة التعامل الكبير مع طهران.
«السياسة الأميركية مفوَّضة لإسرائيل»
قال علي أكبر داريني، باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية بطهران، إن الأوروبيين والأميركيين «أبدوا أقصى درجات العداء» و«ذبحوا» معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT). وأضاف: «الولايات المتحدة فوّضت سياستها تجاه إيران لإسرائيل منذ تولي ترامب السلطة». وذكر أن جماعات تبشيرية مسيحية وصهاينة، بما في ذلك السفير الأميركي لدى إسرائيل، لعبوا دوراً في إقناع ترامب بالانخراط في ما وصفه البعض بالحرب العدوانية الإسرائيلية ضد إيران.
قال داريني إن إيران ستواصل محاولة الالتفاف على العقوبات كما فعلت لسنوات، لكنها تملك خيارات أخرى مثل إنهاء مراقبة الوكالة الدولية لمواقعها النووية، أو الانسحاب من الاتفاقية، أو التوقف عن تنفيذ التزاماتها دون انسحاب رسمي. وختم بالقول إن أولوية أميركا القصوى هي التركيز على احتواء الصين، ولتحقيق ذلك تحتاج أولاً إلى إعادة ترتيب الشرق الأوسط في إطار إقليمي جديد تقود فيه إسرائيل، والإيراد الكبير هنا هو أن إيران تشكل عقبة رئيسية، لذا يسعون إلى إضعافها وزعزعتها لتحقيق هذا الهدف.