إسلام أباد، باكستان — يخيم هدوء متوتر على كشمير الخاضعة لإدارة باكستان، بعدما دخل الإقليم يومه الرابع من الإغلاق التام يوم الخميس، حيث أسفر العنف خلال اشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن عن مقتل ما لا يقل عن 15 شخصاً، منهم ثلاثة ضباط شرطة. كما أصيب عشرات آخرون من الطرفين بينما يستمر الموقف على حاله.
لجنة تفاوضية أرسلتها الحكومة الفدرالية وصلت يوم الخميس إلى مظفر أباد، عاصمة الإقليم، لإجراء مباحثات حاسمة مع لجنة العمل الشعبي المشتركة لجامو وكشمير (JAAC)، الهيئة المكوّنة من تجار ومنظمات المجتمع المدني التي برزت كصوت الاحتقان الشعبي على مستوى القواعد. يقود الحركة الناشط شوقت نواز مير، وبدأ الإغلاق الذي نظمته اللجنة في 29 سبتمبر، مما أوقف عدداً من مدن ومناطق كشمير الخاضعة لإدارة باكستان — المعروفة محلياً باسم «أزاد جامو وكشمير» — وأوقف عجلة الحياة في الإقليم.
على الجانب الآخر، فرضت السلطات حجباً تاماً على الاتصالات؛ فقد انقطعت خدمات الهاتف المحمول والإنترنت عن السكان منذ 28 سبتمبر. في مظفر أباد بقيت الأسواق المكتظة عادة مغلقة، وتلاشت الباعة الجائلون ووسائل النقل العام عن الشوارع، ما جعل نحو أربعة ملايين نسمة يعيشون في حالة من الضبابية والانتظار.
قالت الحكومة في بيان إنها تعمل على استعادة النظام وحثت الناس على عدم الانسياق وراء ما وصفته الدوائر الرسمية بـ«الدعاية» و«الأخبار الكاذبة» المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي كجزء من «أجندة محددة». هذه الاحتجاجات بقيادة JAAC هي ثالث تعبئة كبرى من نوعها خلال العامين الماضيين، وقد اندلعت بعدما فشلت الحكومة، بحسب قادة اللجنة، في الاستجابة لملف مطالبهم المكوّن من 38 بنداً.
خلفيات الصراع
وادي كشمير منطقة جبلية خلّابة لكنها شديدة الحساسية والصراع؛ بين باكستان والهند نزاعات مسلحة متكررة منذ استقلال البلدين عن الحكم البريطاني في 1947، بينما تسيطر الصين على شريطين شماليين من الإقليم. تطالب الهند بالسيادة على كامل الإقليم، وتطالب باكستان بالمنطقة كلها ما عدا أجزاء تسيطر عليها الصين الحليفة لها. ويعمل الإقليم الخاضع لإدارة باكستان تحت نظام شبه ذاتي، له رئيس وزراء ومجلس تشريعي خاصان، ويبلغ عدد سكانه أكثر من أربعة ملايين حسب تعداد 2017.
جذور الاحتجاجات
ترجع موجة الاحتجاجات الحالية إلى مايو 2023، عندما خرج السكان لأول مرة للشوارع احتجاجاً على ما وصفوه بارتفاع فواتير الكهرباء إلى مستويات قياسية، إلى جانب شكاوى من تهريب الدقيق وندرة حادة في حصص القمح المدعوم. بحلول أغسطس 2023 توحدت هذه المطالب المتفرقة في مقاومة منظمة، وفي سبتمبر من العام نفسه اجتمع مئات الناشطين في مظفر أباد لتكوين JAAC رسمياً بممثّلين عن جميع مناطق الإقليم.
بلغت الحركة نقطة توتر كبيرة في مايو 2024 حين انطلق المحتجون في مسيرة طويلة باتجاه مظفر أباد، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل، بينهم ضابط شرطة. توقفت الاحتجاجات العنيفة بعد موافقة رئيس وزراء باكستان شهباز شريف على مطالب أساسية تقضي بخفض أسعار الدقيق وتخفيضات في تعرفة الكهرباء، وقد خصّصت الحكومة مليارات الروبيات لدعم الدقيق وخفض أسعار الكهرباء. إلا أن الهدوء لم يدم؛ ففي أغسطس من هذا العام أعلنت JAAC عن إطلاق إغلاق جديد يمضي إلى توسيع نطاق الانتقادات لتشمل قضايا أعمّ من المطالب الاقتصادية.
مشهد الشارع
ركّب المارّون فوق جذوع مشتعلة أُنفِقت كحواجز في شوارع مظفر أباد خلال تظاهرة في الأول من أكتوبر 2025، مطالبين بإصلاحات هيكلية وحقوق سياسية واقتصادية.
مطالب المحتجين
يتألف ميثاق مطالب JAAC الحالي من 38 بنداً، تتراوح بين توفير التعليم والصحة المجانيين وإطلاق مشاريع بنية تحتية كبرى إلى تعديل شكل التمثيل في الهيئة التشريعية الإقليمية. وعلى رأس المطالب إلغاء ما تصفه اللجنة بـ«امتيازات النخبة الحاكمة»، وهي مطلب تكرر في دفعات سابقة من الاحتجاجات.
تطالب اللجنة أيضاً إنهاء نظام المقعدات الـ12 المحجوزة للاجئين في الجمعية التشريعية للإقليم. وتقول JAAC إن هؤلاء اللاجئين وذريتهم، الذين هاجروا من كشمير الخاضعة لإدارة الهند عقب تقسيم 1947، أصبحوا كتلة سياسية مؤثرة استحوذت على موارد التنمية. كما تطالب اللجنة بسحب القضايا القانونية المرفوعة ضد ناشطين خلال احتجاجات 2023 و2024، ومنح إعفاءات ضريبية وتوسيع فرص العمل، إلى جانب مشاريع بنية تحتية مثل أنفاق وجسور تربط المنطقة الجبلية ببقية باكستان ومطار دولي.
مطار مظفر أباد موجود لكنه متوقف عن العمل لسنوات، ومع ذلك شكّل رئيس الوزراء شريف في أبريل لجنة لدراسة إعادة إحيائه وطلب أيضاً بحث إمكانية إنشاء مطار جديد في ميربور، ثاني أكبر مدن الإقليم.
ردّ الحكومة
أغلقت الإدارة المحلية المؤسسات التعليمية لأجل غير مسمى وفرضت حملة حجب للاتصالات. وفي خطوة أشد إثارة للجدل استدعت سلطات الأمن قوات شبه عسكرية وطلبت تعزيزات شرطية من باقي أقاليم باكستان. وقد أعربت JAAC عن اعتراضها الشديد على نشر القوات شبه العسكرية، كما واصلت المطالبة بفتح قنوات للحوار وإيجاد حلول دائمة لمطالب السكان.
الموقف الراهن يعكس تصعيداً جديداً في مواجهة استمرت عامين بين حكومة الإقليم وحركة شعبية أثبتت قدرتها على التحرك في الشارع، وتبقى الآفاق مرتبطة بمدى نجاح المفاوضات في كسب ثقة القواعد وتلبية الحد الأدنى من المطالب التي طرحتها اللجنة. قال مير، زعيم لجنة العمل الشعبي المشتركة (JAAC)، للصحفيين في وقت سابق هذا الأسبوع إن وجود الشرطة المحلية كان كافياً، “ولا حاجة لاستقدام قوات شبه عسكرية من باكستان القارية”.
اعترف عبد المجيد خان، وزير المالية لكشمير المُدارة من قبل باكستان، بأن جولة أولى من المفاوضات قد جرت بالفعل، وأن لجنة جديدة وصلت إلى مظفر أباد مهمتها بالذات معالجة مظالم المتظاهرين.
“في البداية، عندما انطلقت احتجاجاتهم العام الماضي، كان مطلبهم يدور حول الكهرباء وسعر الطحين، وقد توصلنا إلى اتفاق بشأن تلك البنود، لكن عليهم أن يدركوا أن الأمور لا تحدث بين ليلةٍ وضحاها وأن تنفيذها يحتاج إلى وقت”، قال خان دفاعاً عن الحكومة.
مع ذلك، أقر خان بأن الحكومة وافقت على معظم بنود JAAC البالغ عددها 38 بنداً، لكن المفاوضات توقفت عند نقطتين شائكتين: إلغاء المقاعد الاثني عشر المحجوزة للاجئين وما تسميه اللجنة “القضاء على امتيازات النخبة الحاكمة”.
صورة: شوقت نواز مير، أحد قادة لجنة العمل الشعبي المشتركة، يظهر ذخائر قالت اللجنة إنها أُطلقت من قبل الشرطة خلال تظاهرة في مظفر أباد، عاصمة كشمير المُدارة من باكستان، في الأول من أكتوبر 2025 (فاروق نعيم/أ.ف.ب)
تحدى الوزير منطق المطالبة بإلغاء المقاعد المحجوزة للاجئين، مستذكراً ما خسره هؤلاء عند تقسيم القارة. وقال إن عائلاتهم هاجرت من الهند حيث كانوا ملاك أراضٍ ورجال أعمال، ثم وصلوا إلى باكستان وقد خسروا ثرواتهم وباتوا في فقر مدقع، ومع ذلك ترى JAAC أن تقاسم المقاعد غير عادل. “إن لم نعطِ هؤلاء الناس حقوقهم، فلماذا تكبدوا عناء الانتقال إلى هنا؟” تساءل خان.
وينتمي الوزير نفسه إلى الفئة المقدرة بنحو 2.7 مليون شخص في المنطقة الذين هاجرت عائلاتهم من كشمير الخاضعة للإدارة الهندية.
كما تساءل خان عن جدوى تجدد الاحتجاجات رغم استجابة السلطات لمعظم مطالب الجولة السابقة، لافتاً إلى أن كثيراً من القضايا الحالية تتطلب تمويلاً من الحكومة الاتحادية في إسلام آباد. وأشار إلى قلّة التحصيل الضريبي محلياً مع تعرفة كهرباء مخفضة بالفعل، وأن هناك أقل من 5,000 مكلف ضريبة في الإقليم بأسره مما ينعكس ضعفاً في الموارد المالية للحكومة. وأضاف أيضاً أن مطالب JAAC السابقة حصلو على استجابة واسعة لكن قضايا هيكلية تتطلب إجراءات تشريعية.
ماذا يحدث الان؟
اختتمت مفاوضات الخميس بين ممثلي الحكومة وأعضاء JAAC بلا حل، مع توقع عقد جولة جديدة من المحادثات يوم الجمعة. كلا الطرفين يعلن التزامه بالحوار، لكن الثقة ما تزال متصدعة بعد دوامات متكررة من الوعود ثم خيبات الأمل.
تؤكد الحكومة أنها نفذت معظم المطالب، وأن الإصلاحات الدستورية والانتخابية تستلزم مسارات تشريعية لا يمكن إنجازها بين عشية وضحاها. وأوضح خان أنه بمجرد إحراز تقدم ذي مغزى في المفاوضات ستسارع الحكومة إلى إعادة خدمات الإنترنت والهواتف المحمولة التي “كان لابد من تقييدها بسبب الوضع على الأرض”.
“مع وجود فريق التفاوض في مظفر أباد، أنا واثق من أن ثمة فرصة لكسر هذا الجمود وأن تعود الأمور إلى طبيعتها قريباً”، ختم خان.