جنود الحرس الوطني المنتشرون في واشنطن، العاصمة، خلال شهر سبتمبر ظلّوا متواجدين لحماية محيط محطة الاتحاد.
منذ توليه المنصب، أثار الرئيس دونالد ترامب جدلاً متكرراً بسبب توظيفه للحرس الوطني — القوات التي تتبع غالباً الولايات وتُستدعى عادة للتعامل مع الكوارث الطبيعية والتجمّعات الاحتجاجية الكبيرة. لكن ترامب سعى إلى استخدام هذه القوات بصورة مختلفة تماماً: نشرها في مدن أميركية كبرى حيث يحتج الأهالي على سياساته، لا سيما المتعلقة بالهجرة.
يجادل ترامب بأن وجود الحرس الوطني ضروري لاحتواء العنف في المدن التي تسيطر عليها الديمقراطيون، ودعم خططه لترحيل المهاجرين، ومكافحة الجريمة. غير أن عدداً من المسؤولين العسكريين السابقين، وحكام ديمقراطيين، وقضاة اتحاديين أعربوا عن قلقهم من أن هذه الخطوة تمثّل تجاوزاً للصلاحيات وقد تؤدي إلى تسييس المؤسسة العسكرية.
ما هو الحرس الوطني ومن يشرف عليه؟
لكل ولاية في الولايات المتحدة الخمسين، بالإضافة إلى مقاطعة كولومبيا وأقاليم مثل غوام وبورتو ريكو وجزر العذراء الأميركية، تشكيلتها من قوات الحرس الوطني. يمكن أيضاً نشر هذه القوات خارج البلاد، وتخصص بعض الوحدات لمهام مثل مكافحة الحرائق البرية أو حماية الحدود.
رسمياً الحرس الوطني يخضع لوزارة الدفاع، وللرئيس صلاحية تحويل أو وضع القوات تحت السيطرة الفدرالية في ظروف معيّنة، لكن طلبات دعم الحرس عادةً ما تبدأ على المستوى المحلي. الحاكم هو من يفعل الحرس أثناء الطوارئ، ويمكنه أن يطلب مساعدة إضافية من الرئيس أو من ولايات أخرى.
قدرات الحرس محدودة بوضوح؛ فهذه القوات لا تمارس سلطات إنفاذ القانون كالتوقيف أو المصادرة أو التفتيش. كما يحدّ قانون يُعرف بـ “قانون بوس كوميتاتوس” من قدرة الحكومة الفدرالية على استعمال القوة العسكرية في شؤون داخلية.
ما الأساس القانوني الذي يستند إليه ترامب لنشر الحرس؟
ثمة نصّ أقل شهرة في القوانين العسكرية الأميركية يمنح الرئيس صلاحية استدعاء الحرس الوطني بنفسه، لكن الرؤساء نادراً ما لجأوا إليه في السابق. نص المادة 12406 من قانون الولايات المتحدة يسمح للرئيس أن يستدعي قوات الحرس من أي ولاية إلى الخدمة إذا كان الوطن “معرضاً للغزو أو في خطر الغزو من دولة أجنبية”، أو إذا “كان هناك تمرد أو تهديد بوقوع تمرد” ضد الحكومة الفدرالية.
استند ترامب إلى هذا النص في حزيران حين فرض وضع 2000 عنصر من الحرس الوطني فدرالياً لدعم مهام مصلحة الهجرة والجمارك (ICE). كما استشهد وزير الدفاع بيت هيجسث في مذكرة بنشر حوالى 200 من أفراد الحرس الوطني في ولاية أوريغون إلى الخدمة الفدرالية في 28 شتمبر. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت للصحفيين في السادس من أكتوبر: “نحن واثقون جداً من السند القانوني للرئيس… ونثق أننا سننتصر في جوهر النص القانوني”.
كيف يحاول ترامب استخدام الحرس في المدن؟
حاول ترامب الالتفاف على الإجراءات الاعتيادية لنشر الحرس الوطني عدة مرات. في حزيران استحوذ على صلاحية الحرس في كاليفورنيا للرد على احتجاجات ضد عمليات مداهمة هجرة في لوس أنجلوس، رغم اعتراض حاكم الولاية ترافَه جافين نيوسوم. رفعت كاليفورنيا دعوين قضائيتين ضد إدارة ترامب؛ واحدة تحدت سلب ترامب صلاحية الحرس، وأيدت محكمة استئناف في النهاية موقف الرئيس، بينما وجدت دعوى أخرى أن استخدام الحرس في لوس أنجلوس انتهك قانون بوس كوميتاتوس.
خلال الصيف نُشر مئات من عناصر الحرس في واشنطن، العاصمة، بحجة ما وصفه ترامب بأنه “وضع من الفوضى واللاعدالة التامة”، مستشهداً بمسائل التشرد ومعدلات الجريمة. مؤخراً أذن ترامب بنشر 300 عنصر من الحرس في شيكاغو إثر احتجاجات مرتبطة بسياسة الترحيل، ما دعا الحاكم الديمقراطي جيه بي بريتسكر إلى اتهام الإدارة بمحاولة “اختلاق أزمة” ورفع دعوى قضائية.
وهذا الأسبوع سعى ترامب إلى إرسال الحرس إلى بورتلاند، أوريغون، قبل أن تصدر محكمة اتحادية أمراً مؤقتاً يعرقل الخطوة ليل الأحد.
لماذا يريد ترامب نشر الحرس في بورتلاند؟
يسعى ترامب مجدداً إلى استدعاء الحرس لاحتواء تظاهرات اندلعت قرب مبنى تابع لمصلحة الهجرة والجمارك في بورتلاند احتجاجاً على أساليب تنفيذ إنفاذ الهجرة. اشتبك عناصر إنفاذ اتحاديون، من ضمنهم جهات تابعة لوزارة الأمن الداخلي وجمارك وحماية الحدود، مع متظاهرين يعارضون مبادرات ترامب لترحيل أعداد كبيرة من المهاجرين.
أفادت شرطة بورتلاند بأنها ألقت القبض في الرابع من أكتوبر على شخصين لتورطهما في سلوك عدواني في الشارع ورفض الانصياع للأوامر، وكان أحدهما بحوزته رذاذ فلفل وعصا مطوية. ونقلت تقارير محلية أن القوات الفدرالية أطلقت الغاز المسيل للدموع وعبوات دخانية لتفريق التجمع وأجرت عدة اعتقالات.
ادّعى ترامب أن المدينة “تشتعل”، بينما قالت حاكمة أوريغون تينا كوتيك إن “لا تمرد في بورتلاند ولا تهديد للأمن القومي”. وحاولت الإدارة إرسال 200 عنصر من الحرس الوطني في كاليفورنيا إلى أوريغون للاستجابة للاحتجاجات، لكن قاضية اتحادية رشحها ترامب في فترته الأولى، كارين إيمرغوت، أصدرت أمرين متتابعين يوقفان هذه التحركات مؤقتاً. في حكمها كتبت: “نحن أمة تحكمها القوانين الدستورية، لا قانون العسكر”. ثم أصدرت أمراً زجرياً مؤقتاً ضد نشر حرس كاليفورنيا في بورتلاند بدلاً من ذلك.
من المتوقع أن تستأنف الإدارة هذا القرار.