ستارمر يلتقي مودي دروس للمملكة المتحدة من نظام الهوية الرقمية الهندي — تقرير توضيحي

في أول زيارة له إلى الهند منذ توليه رئاسة وزراء المملكة المتحدة العام الماضي، التقى كير ستارمر بنظيره الهندي ناريندرا مودي في مومباي، العاصمة المالية للبلاد، مرفوقًا بوفدٍ كبير من قادة الأعمال والثقافة البريطانيين.

يركّز ستارمر بشكل خاص على الاطّلاع على نظام الهوية الرقمية الهندي الضخم — الذي سجّل أكبر قاعدة سكانية في العالم، بأكثر من 1.3 مليار بطاقة مُصدَّرة — وذلك بعد أسبوعين فقط من إعلانه عن نظام هوية رقمية مثير للجدل في المملكة المتحدة.

دافع ستارمر عن هذا الإعلان مُشادًا بنظام الهند ووصفه بأنه «نجاح باهر»، رغم الانتقادات التي وُجهت إلى خطته من منظمات حقوقية.

خلال زيارته الهادفة إلى تعزيز التبادل التجاري في مومباي، عقد ستارمر لقاءً مع ناندان نيلكاني، المؤسس المشارك ورئيس مجموعة إنفوسيس لخدمات التقنية، والذي كان على رأس الجهة الحكومية التي نفّذت قاعدة بيانات الهوية قبل أكثر من عقد.

لماذا يحرص ستارمر على نظام الهوية الهندي؟ ما المخاوف في بريطانيا؟ وما الدروس التي يمكن للندن أن تتعلمها من الأخطاء في نيودلهي؟

لماذا تُطلق المملكة المتحدة «بطاقة بريت» الرقمية؟
طرح ستارمر بطاقة الهوية الرقمية الجديدة، المسماة «بطاقة بريت»، كعنصر محوري في خططه لمكافحة الهجرة غير النظامية وممارسات العمل الاستغلالية داخل المملكة المتحدة. وقال الشهر الماضي إن نظامًا رقميًا للهوية «سيجعل العمل بشكل غير قانوني في هذا البلد أكثر صعوبة، وسيجعل حدودنا أكثر أمانًا».

بجانب التحقق من حق الشخص في العمل بالمملكة المتحدة، ستوفّر بطاقة بريت للمواطنين «فوائد لا تُحصى، مثل القدرة على إثبات هويتك للوصول السريع إلى الخدمات الأساسية»، وفقًا لتصريحات ستارمر.

ورغم أن بطاقات الهوية شائعة منذ زمن في دول غربية أوروبية أخرى، فإنّ التاريخ البريطاني يُظهر مقاومة قوية لفكرة بطاقات الهوية. ومع ذلك، عبّر ستارمر أثناء توجهه إلى مومباي عن أمله في أن تحظى الهويات الرقمية — التي سيكون استعمالها إجباريًا بحلول عام 2029 — بثقة الجمهور بفضل السهولة التي ستمنحها في إنجاز المعاملات اليومية.

قال ستارمر بطريقة حيّة: «لا أعرف كم مرة اضطرّ بقية الناس إلى البحث في الدرج السفلي عن ثلاث فواتير عندما تريد تسجيل أطفالك في المدرسة أو التقديم على أمر ما — الأمر يثير استيائي. أعتقد أننا يمكن أن نكسب ميزة ملحوظة».

ومع ذلك، واجه المقترح انتقادات حادة من منظمات حقوقية، التي ترى فيه انتهاكًا للخصوصية — وقد وقع أكثر من 2.2 مليون شخص عريضةً ضدّ إدخال النظام. تصف العريضة بطاقة بريت بأنها «خطوة نحو المراقبة الجماعية والتحكّم الرقمي»، وتؤكد أن «لا أحد ينبغي أن يُجبر على التسجيل في نظام هوية تسيطر عليه الدولة».

كيف يعمل نظام «آدهار» في الهند؟
نظام الهوية الرقمية الهندي، «آدهار»، أكبر بكثير وأكثر تفصيلاً من النظام الذي تخطط له المملكة المتحدة. تحتفظ نيودلهي ببصمات الأصابع، ومسح قزحية العين، والصور، وعناوين السكن وأرقام الهواتف، ويعالج النظام نحو 80 مليون عملية تحقق يوميًا.

يقرأ  جذورُ تعليمِ التفكيرِ النقديّ تنطلقُ من الطالبِ

بالمقارنة، سيكون النظام البريطاني المقترح أضيق نطاقًا، مركزًا على التحقق الأساسي من الهوية دون جمع بيانات بيومترية مثل بصمات الأصابع أو مسحات القزحية.

بموجب آدهار، يحصل كل مواطن هندي على رقمٍ مكوَّن من 12 رقمًا يهدف إلى استبدال العديد من الوثائق الورقية. يُطلب من البالغين والأطفال الذين تزيد أعمارهم عن خمس سنوات تقديم بيانات بيومترية. يُستخدم النظام للتحقق من الهويات عند فتح حسابات بنكية أو عند شراء شريحة اتصال للهاتف المحمول، كما صُمم أيضًا لتيسير صرف المساعدات الحكومية، مما يوفّر لحامل البطاقة إثبات هوية فوريًا وإمكانية الوصول إلى خدمات أساسية.

أُطلق النظام عام 2009، وأصدرت الحكومة أكثر من 1.3 مليار بطاقة وتدّعي أنها وفّرت ما يقرب من 10 مليارات دولار في تكاليف الإدارة، مع أن بعض النقاد يرون أن هذا التقدير مبالغ فيه.

وقد أوضح مسؤولو المملكة المتحدة أنهم لا يرغبون في تقليد آدهار كنسخة كاملة، بل يهدفون إلى استخلاص الدروس من كيفية تنفيذه. ونفى متحدث حكومي أن يخزن النظام البريطاني المقترح بيانات بيومترية للحامِل، مضيفًا أن «إحدى الأولويات الأساسية هي الشمول، وهذا ما ستتعلّق به المشاورات البريطانية».

لماذا يثير «آدهار» الجدل؟
تعرض آدهار لعددٍ من تسريبات بيانات واسعة النطاق، أحيانًا كشفت معلومات شخصية تخص ما يصل إلى 85 بالمئة من السكان، مما أثار مخاوف جدّية بشأن الخصوصية. أُبلغ عن ثلاثة اختراقات كبيرة لبيانات آدهار في 2018 و2019 و2022، وظهرت معلومات شخصية معروضة للبيع على ما يُعرف بالدارك ويب، ومنها بيانات سُربت من بوابة التطعيم ضد كوفيد التابعة للحكومة.

في يناير 2025، سمحت الحكومة الهندية للشركات الخاصة بالوصول إلى قواعد بيانات آدهار لأغراض المصادقة؛ وللحصول على هذا الوصول، يجب على الشركات التقدّم والمرور بعملية فحص من قبل الحكومة. وقد اعترض نقّاد على منح القطاع الخاص وصولًا إلى بيانات سلوكية وبيومترية.

تقول المحامية في المحكمة العليا، وريندا بهانداري، المتخصّصة في حقوق الرقمنة والخصوصية: «المشكلة الأساسية مع آدهار كانت جوهرية — يجب تجنّب مركزية الهوية الرقمية ومعلوماتها البيومترية. والأهم من ذلك، يجب ألا تُضاف أو تُربط أبدًا بقواعد بيانات أخرى».

ثقة الجمهور منخفضة. أظهر استطلاع أجرته شركة التكنولوجيا المدنية LocalCircles مطلع هذا العام أن 87 بالمئة من المواطنين الهنود يعتقدون أن عناصر من بياناتهم الشخصية موجودة بالفعل في المجال العام أو على قواعد بيانات مخترقة، ارتفاعًا من 72 بالمئة في 2022.

تؤكد الهيئة المسؤولة عن إصدار بطاقات آدهار، سلطة التعريف الفريد في الهند، أن البيانات الشخصية مُؤمّنة. لكن الهند ما تزال تفتقر إلى قانون حماية بيانات قويّ يُطبّق عمليًا، لذلك يقول النقّاد إنه لا سبيل للتأكد من ذلك.

تختتم بهانداري بالقول إن «بناء هيكلية لهوية رقمية يتطلب حماية قانونية وخصوصية بيانات صارمة». بدون قانون داعم وبنية شكاوى فعّالة، يُجبر المواطنون على خوض معارك قضائية مكلفة أمام المحاكم.

يقرأ  لاجئو الروهينغا«أجبرتنا الهند على الصعود إلى القارب كأسرى»

أدى الاعتماد على أدهار إلى تفاقم معاناة بعض أشد الفئات تهميشًا وفقراً، إذ حُرم بعض الناس من الرعاية الطبية أو حصص الطعام، بحسب منتقدين.

تعرّقلت مدفوعات المعاشات لأسباب تقنية في كثير من الأحيان، عندما لا تتطابق البصمات أو يتعطل الاتصال بالإنترنت، ليقول باحثون إن أدهار في كثير من الحالات جعل توصيل المساعدات أصعب لا أسهل.

أقرت المحكمة العليا الهندية استخدام أدهار لأغراض الرفاه والضرائب لكن قيدت استخدامه من قبل الشركات الخاصة أو في التعليم عام 2018، عقب قضية رفعتها منظمات المجتمع المدني. وأتاحت تغييرات سياسية هذا العام وصول مجموعات خاصة إلى النظام بعد إدخال عملية تدقيق حكومية.

ويقول منتقدون أيضاً إن نظام الهوية الرقمية ابتكر “بنية للمراقبة” من دون ضمانات كافية.

فتاة تنتظر دورها للتسجل في قاعدة البيانات الفريدة (أدهار) في مركز تسجيل بنيو دلهي، الهند، 17 يناير 2018 [تصوير: ساوميا خانديالو/رويترز]

هل استلهمت دول أخرى من النموذج الهندي؟

نعم. في 2019 حاولت كينيا بناء نظام هوية رقمية وطنية تقارب نموذج أدهار الهندي.

أطلقت الحكومة نظام إدارة الهوية المتكامل الوطني (NIIMS) المعروف أيضاً بـ Huduma Namba لتبسيط الخدمات الحكومية ومكافحة الاحتيال، مستعيدة في تصميمه الكثير من إطار عمل أدهار.

لكن المشروع واجه رفضاً سريعاً من منظمات المجتمع المدني التي رأت أنه يشوبُه عيوب من ناحية الخصوصية والاستبعاد، ويفتقر إلى ضمانات قانونية كافية لحماية المواطنين. وفي 2020 رفعت هذه الجماعات دعوى أمام المحكمة العليا في نيروبي أوقفت طرح النظام.

في العام التالي أقرّت كينيا قانون حماية البيانات الذي وضع إطاراً قانونياً لجمع وتخزين ومعالجة البيانات الشخصية، ثم أعيدت تسمية النظام إلى “مايشا نامبا” مع وعود بمزيد من الرقابة على كيفية حفظ البيانات البيومترية والشخصية للمواطنين واستخدامها. ولا تزال تحديات قانونية متعددة، ترى أن الثغرات الأمنية لم تُسدّ بالشكل الكافي، مستمرة.

تعتمد أنظمة الهوية الوطنية في دول أخرى مثل الفلبين والمغرب وإثيوبيا أيضاً على نموذج أدهار.

في المملكة المتحدة أثار طرح ما عُرف بمشروع “بطاقة بريطانيا” قلق منظمات الحقوق. حذّرت سيلكي كارلو، مديرة منظمة Big Brother Watch للدفاع عن الحريات والخصوصية، من أن النظام سيجعل بريطانيا “أقل حرية” وسيؤسس “بنية مراقبة داخلية قد تمتد من المواطنة إلى الإعانات والضرائب والصحة وربما بيانات الإنترنت والمزيد”.

وردت وزيرة الثقافة البريطانية ليزا ناندي في سبتمبر، عند الإعلان عن نظام الهوية، قائلة إن الوزراء “ليس لديهم نية للسير نحو فوضى ديستوبية”.

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي يشاركان في منتدى رؤساء الأعمال الهندي-البريطاني في مومباي، 9 أكتوبر 2025 [ليون نيل/مسبح عبر رويترز]

ما الذي ناقشه مودي وستارمر أيضاً في مومباي؟

سعيا لبناء زخم على اتفاق التجارة الحرة الذي وقعاه في يوليو، حضر وفد بريطاني يضم أكثر من مئة من قادة الأعمال والجامعات البريطانية ليدفع الروابط التجارية قدماً.

يقرأ  غابرييلا شتوتسرفنانة ألمانية نجت من السجن والرقابة والشتازي

بموجب الاتفاق اتفقت الهند والمملكة المتحدة على خفض الرسوم الجمركية على سلع تتراوح بين النسيج والويسكي والسيارات بهدف مضاعفة حجم التجارة إلى 120 مليار دولار بحلول 2030.

قال مودي بعد المحادثات: «حيوية الهند وخبرة المملكة المتحدة معاً تخلق تآزراً فريداً»، مشيداً بأن قادة الصناعة المرافقين لستارمر «يعكسون الطاقة الجديدة والرؤية الواسعة» في الشراكة.

وقال ستارمر: «عندما نغادر الهند الليلة، أتوقع أن نكون قد أمنا استثمارات كبرى جديدة تخلق آلاف الوظائف عالية المهارة في قطاعات المستقبل».

أعلنا في نهاية المطاف سلسلة من الاتفاقيات الجديدة، وبينها إنشاء مركز اتصال وابتكار مشترك ومركز مشترك لتطوير الذكاء الاصطناعي، وإطلاق اتحاد لصناعة المعادن الحرجة يجمع بين الشركات والباحثين لتنسيق التعدين والمعالجة الآمنة للمعادن.

وأشارت ورقة رسمية بريطانية إلى أن 64 شركة هندية ستستثمر مجتمعة 1.3 مليار جنيه إسترليني (حوالي 1.73 مليار دولار) في المملكة المتحدة.

قال ستارمر: «اتفاقية التجارة بين المملكة المتحدة والهند تفتح بالفعل آفاق نمو، وإعلانات اليوم تمثّل بداية عهد جديد من التعاون بين بلدينا».

ما الصعوبات المتبقية؟

لا تتوافق لندن ونيو دلهي في كل القضايا.

أحد مصادر الخلاف الأساسية هو غزو روسيا المستمر لأوكرانيا. فقد اتخذت المملكة المتحدة، كعضو في الناتو، موقفاً صارماً ضد موسكو وفرضت عقوبات وأرسلت أسلحة إلى كييف. أما الهند فتتفادى إدانة روسيا وتواصل شراء النفط الروسي — وهو أحد أسباب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض تعريفات جمركية قدرها 50 بالمئة على السلع الهندية في وقت سابق من هذا العام.

تصف السلطات الهندية موقفها من روسيا بسياسة الاستقلال الاستراتيجي، بينما يراه قادة بريطانيون وأوروبيون نقطة تباين كبيرة داخل شراكتهما الأوسع.

منطقة توتر أخرى تتعلق بالنشاط الخلافي المرتبط بخالستان في بريطانيا؛ فقد أبدت الهند مراراً قلقها من مجموعات الانفصاليين السيخية العاملة من الأراضي البريطانية، وبلغ التوتر ذروته بعد تخريب المفوضية الهندية العليا في لندن عام 2023.

وفي 2023 استنكرت السلطات الهندية وثائقياً من هيئة الإذاعة البريطانية اعتبرته «دعاية معادية للهند».

في الوقت نفسه تعمقت حالة التوتر بين الهند وكندا — عضو في تحالف الاستخبارات “فايف آيز” التابع للمملكة المتحدة — بعد اتهامات أوتاوا بتورط هندى في مقتل الانفصالي السيخي هارديب سينغ نيجر. وفي أكتوبر 2024 دعت المملكة المتحدة الهند للتعاون مع تحقيق كندا، مؤكدة أن لديها “ثقة كاملة” في العملية القضائية الكندية. وفي وقت سابق، تحت قيادة جيريمي كوربين، انتقد حزب العمال البريطاني بشدة قرار الهند إلغاء المادة 370 التي كانت تمنح جامو وكشمير حكمية خاصة، ومرر قرار طارئ بهذا الصدد. لم أتسلّم أيّ نصّ لأعيد صياغته أو أترجمهه. رجاءً زودني بالنصّ المطلوب، وسأقدم لك نسخة عربية بمستوى C2 تتسم بدقة لغوية وأناقة الاسلوب.

أضف تعليق