«هل يستطيع السد الكبير الجديد أن يفي بالغرض؟»

دشّن تدشين سد النهضة الإثيوبي الكبير رسمياً في سبتمبر 2025 على نحو اجتذب اهتمام العالم. رافق الافتتاح طقوس احتفالية كبيرة حينما أُعلن تشغيل أكبر سدّ كهرمائي في أفريقيا بعد أربعة عشر عاماً من العمل الذي كلّف نحو خمسة مليارات دولار.

المشروع يفي بحلمٍ وطني طال انتظاره. بادر به الراحل ميليس زيناوي الذي تولّى رئاسة إثيوبيا ثم رئاسة الوزراء حتى 2012، لكن فكرة إنشاء سد على النيل الإثيوبي تعود إلى أبعد من ذلك، فقد أدرك الإمبراطور هيلا سلاسي منذ خمسينيات القرن الماضي أهمية مثل هذا المشروع لتنمية البلاد.

هذا الحلم استقرّ في المخيلة الوطنية لاثيوبيا لسنين طويلة، لذا احتفل كثيرون بافتتاح السد باعتباره إنجازاً وطنياً بارزاً. واعتبر رئيس الوزراء آبي أحمد السدّ «فرصة مشتركة» للمنطقة مع إمكانات تصدير فائض من الكهرباء، ورافق الافتتاح مواكب احتفالية في شوارع عدة مدن.

بوصفه مصدراً للطاقة الكهرومائية، يُنتظر من السد أن يحقق فوائد عملية مثل توسيع شبكة الكهرباء لتشمل أعداداً كبيرة من السكان، كما استُخدم الافتتاح كأداة لتعزيز الكبرياء والوحدة الوطنية.

أنا باحث في الشؤون الإفريقية مهتمّ بإثيوبيا وقرنها الإفريقي، وتركيزي البحثي امتدّ إلى صعوبات بناء الوحدة الوطنية وإدماج المختلفين داخل الدولة.

وليس مفاجئاً أن تمسك الحكومة بهذه اللحظة؛ فالشعور بالانتماء والوحدة ظلّ متدنّياً في البلاد خلال السنوات الأخيرة. سعي بناء التماسك الوطني امتدّ عبر بُناة الدولة منذ العهد الإمبراطوري وحتى الحقبة الراهنة، لكن المحاولات السابقة كانت في غالبها رمزيّة مع قدرة تحويلية محدودة.

ثمة خطر أن يندرج سد النهضة ضمن هذا النمط نفسه. افتتاحه جاء في أعقاب صراع لم يُحسم في تيغراي، وفي وقت تشهد فيه البلاد تجزّؤاً سياسياً ومواجهات مسلّحة متواصلة. بعد انتهاء الحرب مع تيغراي اندلعت نزاعات أخرى في مناطق مختلفة من البلاد، لاسيما في أمهرة وأوروما.

يقرأ  يامال المصاب يغيب عن تصفيات إسبانيا لكأس العالم 2026 — وقد يَفوت الكلاسيكو

وحدة وطنية بعيدة المنال

اثيوبيا دولة متنوعة يزيد عدد سكانها عن مئة وعشرين مليون نسمة، تضمّ مجموعات عرقية ولغوية ودينية متعددة. تُتحدّث أكثر من ثمانين لغة، وتعمل الأمَهَرية كلغة تواصل عامة. أكبر الجماعات العرقية تقابلها لغات واسعة الانتشار مثل الأورومو، والأمهرية، والتغرينية، والصومالية.

منذ أواخر القرن التاسع عشر حاول قادة متعدّدون بناء أمّة إلى جانب قيام الدولة: فالدولة تتبلور بتحديد الحدود والاعتراف الدولي، أما الأمة فمسألة مختلفة تتعلّق ببناء شعور مشترك بالهوية والهدف بين سكان الدولة. عملية صنع الأمة في التاريخ السياسي الإثيوبي كانت موضع صراع عنيف ومتقلب.

تتجلّى نتائج هذا التاريخ المتنازع أحياناً في أمكنة غير متوقّعة. على سبيل المثال، جُهّز افتتاح السد ليقع في شهر ميسكرم (سبتمبر)، قبل أعياد السنة الإثيوبية الجديدة — إنكوتاتش — بأيام قليلة في 11 سبتمبر، وهو عيد ذو طقوس متجذّرة في التقاليد الأرثوذكسية الإثيوبية ويعني الكثير بالنسبة للمسيحيين الأرثوذكس الذين يشكّلون نحو 43% من السكان، ومن الممكن أن شعرت مجموعات أخرى بالاستبعاد جراء توقيت الاختيار هذا.

ورغم ذلك، لم يردع ذلك الحكّام على مرّ التاريخ من استخدام مثل هذه المناسبات الرمزية لتعزيز شعور بالوحدة الوطنية.

القومية الرمزية

عمل نظام هيلا سلاسي على توحيد الأمة بعد الاحتلال الإيطالي في 1935، حين كانت سيادة الدولة معرضة للخطر وقسمات من البلاد تحت الاحتلال الأجنبي. استمدّ الإمبراطور شرعيته من مقاومة الوطنيين للاحتلال، وسار في مسار تحديث الدولة؛ وكان من نتائج تلك الحقبة تأسيس الخطوط الجوية الإثيوبية عام 1945، وهو مشروع ناجح وربحي ساهم في تعزيز علامة إثيوبيا على الساحة الدولية، لكنه لم يقدّم حلّاً دائماً لمسألة الوحدة ومنع العنف السياسي.

الحكومة التي تولّت الحكم بعد 1991 أيضاً لجأت إلى الرموز والمناسبات لتقوية الانتماء الوطني. في ظل تزايد المخاوف حول مسار الائتلاف الحاكم، نظّمت الدولة احتفالات الألفية قبيل عام 2007 (2000 حسب التقويم الإثيوبي)، مما منح البلاد هوامش مؤقتة من التوتّر السياسي. ومن المعلوم أن الاسم الأول لسد النهضة كان «سد الألفية».

يقرأ  مستوطنون يهاجمون البدو بن غفير يفاقم التوتر في الضفة الغربية المحتلة

ما حققته هذه المحاولات الرمزية عادةً هو شعور وطني مؤقت، مع ميل لصرف الانتباه عن المشاكل البنيوية العميقة.

ما يلزم لتحقيق وحدة وطنية دائمة

لا بد لإثيوبيا من مواجهة مشكلات متأصلة تتمثل في عدم المساواة والامتيازات التاريخية والاحتقانات المعاصرة المرتبطة بالإقصاء والتهميش، فهذه القضايا تشكّل المحرّك الأساسي لدورات العنف السياسي المتكررة. تحتاج البلاد إلى حوار صادق يجرى على منصات غير حزبية.

الحوار الوطني الجاري حالياً يشكّل نقطة انطلاق ملائمة؛ فالمبادرة التي أُطلقت في 2022 تهدف إلى تناول قضايا وطنية مركزية أفرزتها جزئياً حرب تيغراي الكارثية، وتسعى لإيجاد شروط مواتية لتوافق وطني حول جذور الانقسامات.

الحوارات الوطنية أدوات مفيدة للتعامل مع النزاعات الداخلية وتحويلها، وقد تُفضي إلى نتائج إيجابية إذا ما كانت شاملة وترافقها جداول تنفيذ واضحة ومُلزِمة.

مع ذلك، ثمة مخاوف من أن يُقوّض الحوار نفسه عبر تدخلات حكومية، لا سيما في ظل اقتراب الانتخابات المقرّرة في 2026؛ فقد تستغل السلطة الحوار لصالح ترتيب موقعها السياسي أمام خصومها.

إذا أخفق الحوار الوطني في تحقيق أهدافه، فسيكون من المركز أهمية أن تنشئ المجتمعات المحلية منصات غير حزبية خاصة بها لإجراء هذه المحادثات الملحّة. عليها أن تبحث عن توافق حول مجالات القلق الوطني الأساسية وتعمل معاً على حلول مشتركة، وفي ذلك تتقدّم خطوات جوهرية نحو بناء أمة أكثر تماسُكاً.

نُشر هذا النص عن مؤسسة The Conversation، وهي منظمة إخبارية مستقلة غير ربحية تقدم تحليلاً موثوقاً لمساعدة القرّاء على فهم تعقيدات عالمنا. كاتبة المقال: نامهلا ثندو ماتشاندا، من جامعة بريتوريا. تنال الكاتبة دعماً من المؤسسة الوطنية للبحث (National Research Foundation).

أضف تعليق