لماذا تستمر غزة في التطلع إلى البحر بحثًا عن سلام حقيقي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

في العاشر من أكتوبر أُعلن رسمياً وقف لإطلاق النار في غزة. وسائل الإعلام الدولية هرعت إلى تسمية ما جرى «خطة سلام». أعلنوا أن رئيسَ الولايات المتحدة سيزور القاهرة للإشراف على الاتفاق، ثم سيتوجه إلى إسرائيل ليلقي خطاباً في الكنيست. وأبلغت التقارير أن الغارات الجوية على غزة توقفت.

الحقائق على الأرض مختلفة: القنابل توقفت فعلاً، لكن معاناتنا لم تتوقف. واقعنا لم يتغيّر. ما زلنا تحت حصارٍ خانق. إسرائيل تسيطر تماماً على سمائنا وبرّنا وبحارنا؛ ما تزال تمنع خروج المرضى والمصابين ومنع دخول الصحفيين ومحققي جرائم الحرب والنشطاء؛ وتتحكّم فيما يدخل من طعام ودواء ومواد أساسية.

لقد امتدّ هذا الحصار لأكثر من ثمانية عشر عاماً، وهو الذي شكّل كل لحظةٍ من حياتنا. أنا عشت تحت هذا الحصار منذ كنت في الثالثة من عمري. أي سلام هذا الذي يستمر في إنكار الحريات التي يَنعمُ بها الآخرون؟

خبر وقف النار و«خطة السلام» طغى على حدثٍ أهم بكثير: قامت إسرائيل بمداهمة قافلةٍ في مياهٍ دولية كانت محمّلةً بالمساعدات الإنسانية إلى غزة، واختطفت على متنها 145 شخصاً — جريمة بموجب القانون الدولي. جاء ذلك بعد أيام من هجومها على قافلة «الصلابة العالميّة» واحتجازها أكثر من 450 شخصاً كانوا يحاولون الوصول إلى غزة.

لم تكن هذه القوافل تحمل مساعدات فحسب؛ بل كانت تحمل أملاً في الحرية للشعب الفلسطيني. كانت تحمل رؤيا للسلام الحقيقي — سلام لا تقوم قوته على الحصار والاحتلال والطرد.

كثيرون انتقدوا حركة قوافل الحرية، قائلين إنها لا تستطيع أن تُحدث فرقاً لأنها محكومة بالاعتراض والاعتراض مُسبق. شخصياً، لم أولِ الحركة انتباهي في البداية. غاب عني الأمل ودهشتُ أن أؤمن بانتهاء هذا الحرب.

تبدّل الأمر عندما قابلتني الصحافية البرازيلية غيوفانا في حوارٍ كتبت عنه قبل إبحار قافلة الصمود. غيوفانا نشرت بعدها على وسائل التواصل عبارةً بسيطة: «من أجل سارة نُبحر». كلماتها وشجاعتها أيقظتا شيئاً في داخلي.

يقرأ  تشاكويرا وموثاريكا يتواجهان مجدداً في إعادة مواجهة انتخابات 2020

منذ ذلك الحين صرت أتابع أخبار القافلة بترقّب؛ أشارك الأخبار مع أقاربي، وأحدث أصدقائي، وأذكّر كل من يستمع بمدى استثنائية هذه الحركة. كنت أتساءل — كيف لناسٍ في عالمٍ غارقٍ في الظلم أن يتركوا كل شيء ويعرضوا حياتهم للخطر لأجل أناس لم يروهم قط، لأجل مكانٍ لم يزرُوه في الغالب؟

بقيت على تواصل مع غيوفانا. قالت لي أثناء الإبحار نحو غزة: «حتى آخر أنفاسي، لن أتركك وحدك». في وسط ذلك الظلام الدامس كانت هي النور.

للمرة الأولى منذ عامين شعرت أننا مسموعون، أننا مرئيون.

كانت قافلة الصمود أكبر قوافل الحركة على الإطلاق، لكن المسألة لم تكن في عدد السفن أو الركاب أو حجم المساعدات. كانت المسألة في أن تلقي الضوء على غزة — أن تمنع العالم من الاستمرار في غض الطرف.

«كل الأعين على غزة»، هكذا كتب أحد منشورات الحساب الرسمي للقافلة على إنستغرام. بقيت العبارة عالقة في ذهني؛ قرأتها في ليلةٍ حالكةٍ بينما كان صوت القنابل يدوّي دون هوادة في مدينة غزة، وقبل أن أضطرّ إلى الهرب من منزلي أمام الهجوم الإسرائيلي العنيف.

أوقفت إسرائيل القوافل؛ أساءت لمشاركين وطرحتهم خارجاً؛ صادرَت المساعدات. ربما منعت السفن من بلوغ شواطئنا، لكنها فشلت في محو الرسالة التي حملوها: رسالة سلام. رسالة حرية. رسالة كنا ننتظرها طويلاً، لعقود من الألم. سُيِّرت السفن، لكن التضامن وصل إلينا.

أشعر بامتنانٍ كبير لكل إنسان شارك في قوافل الحرية. أتمنى لو أستطيع الوصول إلى كل واحدٍ منهم لأقول له كم كانت شجاعته وحضوره وتضامنه مهمين لي ولنا في غزة. لن ننساهم. سنحمل أسماءهم ووجوههم وأصواتهم في قلوبنا مدى الحياة.

إلى من أبحروا نحونا: شكراً لكم. ذكرتمونا أننا لسنا وحدنا.

يقرأ  كيف تبني استراتيجية فعّالة للتعلّم والتطوير تُحدث أثرًا ملموسًا

وإلى العالم: نحن نتمسّك بالأمل. لا نزال ننتظر — ونحتاج — المزيد من القوافل. تعالوا إلينا. ساعدونا نتحرر من هذا السجن.

القصف توقف الآن، وآمل ألا يستأنف بعد أسابيع قليلة. لكن السلام لم يأت بعد.

فشلت الحكومات؛ لكن لم يفشل الناس.

أنا واثقة أن يوماً ما ستصل قوارب قوافل الحرية إلى شاطئ غزة وسنكون أحراراً. سنبقىا متمسّكين بالأمل.

الآراء المعبر عنها في هذا المقال خاصة بالمؤلف ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

أضف تعليق