جنوب أفريقيا تفتح نقاشًا حول تغيير اسم محمية مشهورة عالميًا

تثير محاولة تغيير اسم «منتزه كروجر» الوطني الشهير في جنوب أفريقيا جدلاً واسعًا، إذ تقف خلفها دوافع تاريخية وسياسية واقتصادية متشابكة. أُعيدت تسمية الملاذ الحيوي الشاسع، الذي كان يُعرف سابقًا باسم محمية سابي، باسم بول كروجر عام 1926 تكريمًا للرئيس الذي حكم جمهورية جنوب أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وهو اسم صار مرتبطًا لدى كثيرين بإرث الصراع مع التمكّن الاستعماري البريطاني.

لدى الأفريكانرز — أبناء المستوطنين الأوروبيين الذين استقرّوا في المنطقة منذ القرن السابع عشر — مكانة بطولية لكروجر لقيادته ما اعتُبر مقاومة ضد الاستعمار. أما لدى غالبية الجنوب أفارقة فصورة كروجر أقل إشراقًا، إذ ينظرون إليه باعتباره رمزًا لسياسات فصل عنصري وعن سلب أراضٍ من السكان السود ومنعهم من المشاركة السياسية، وهي نقاط جعلت اسمه هدفًا لعمليات إعادة التسمية بعد نهاية نظام الفصل القانوني (الأبارتايد) وبداية عهد ديمقراطي عام 1994.

على مدى السنوات الماضية تغيَّرت أسماء مدن وطرق ومرافق عامة كثيرة كجزء من مسعىٍ لتجاوز إرث الاستعمار والأبارتايد. لكن المبادرة الحالية لا تقتصر على بُعدٍ رمزي: لطرح اسم جديد على حديقة تعتبر رُكنًا أساسياً من صناعة السياحة الجنوبية تأثيرات اقتصادية محتملة، فحديقة كروجر — موطن الفيلة والأسود واليابسة والنمور والعديد من الأنواع الأخرى — تجذب ما يقرب من مليون زائر سنويًا وتُعدّ جوهرة في تاج اقتصاد السياحة الوطني.

في إقليم مبومالانغا وحين احتفلت البلاد بشهر التراث، قدّم ممثلو حزب «مقاتلو الحرية الاقتصادية» (EFF) اقتراحًا رسميًا أمام البرلمان الإقليمي لتغيير اسم الحديقة. في خطاب حماسي قال ممثلهم ر هولاني تشيبي إن كيف لنا أن نحتفل بتراثنا وجب پیدا أنّ منتزهاتنا الوطنية الجميلة تحمل أسماء معمارِيْ نظام الأبارتايد، في إشارة واضحة إلى بول كروجر — خطاب يعكس وجهة نظر شريحة واسعة رغم عدم دقته التاريخية، لأن نظام الأبارتايد بجميع أشكاله القانونية تشكّل لاحقًا، بعد وفاة كروجر بعقود.

يقرأ  شراكة بين معرض الفن المستقل ودار سوثبيز —تثير تساؤلات أوسع حول سوق الفن

لم يقتصر الاقتراح على الحديقة فقط، بل شمل تغييرات في معالم بارزة أخرى في المقاطعة، منها مطار كروجر مبومالانغا الدولي. غير أن خطوة الإقتراح شابها سهو تكتيكي آخر: اقترح بعض القادة اسم «سكوكوزا» كبديل، وهو لقب باللسان التسونغا يُترجم تقريبًا إلى «من يكتسح وينظف»، وكان هذا اللقب يُطلق على أول حارس للحديقة، جيمس ستيفنسون-هاملتون، الذي اشتهر بقمع الصيد الجائر وبطرد مجتمعات سوداء كانت تقطن داخل حدود الحديقة في بداياتها — ما أثار استياء مطالبين بحقوق الأرض وأجبر قادة الحزب الإقليمي على الاعتراف بأن اختيار الاسم كان خطأً.

ردود الفعل كانت سريعة ومقسمة: احتجت جماعات مثل AfriForum وُصفت مبادرة EFF بأنها «سياسة رخيصة ودليـل على أن الجشع للسلطة المحلي يفوق روح القرار المسؤول»، وهددت هذه الجماعات بالطعن قانونيًا في أي محاولة لإعادة التسمية دون اتباع الإجراءات الرسمية. من جانبهم دافع مؤيدو التغيير قائلين إنه لا يجوز تجاهل مساهمات من أساؤوا إلى قطاعات واسعة من السكان، بينما رأى معارضون أن تجاهل اسم كروجر لتاريخه في تأسيس محمية بهذا الحجم هو توصيف انتقائي وانتقاص من الواقع.

أقرت الهيئة التشريعية الإقليمية القرار بموافقة كبرى الأحزاب فيها، بينها المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) وحركة «أومخونتو ويزيكوي»؛ ومع أن القرار لا يملك أثرًا قانونيًا نهائيًا لأن هناك إجراءات وطنية مفترضة لأي تغيير أسماءٍ رسمية، حذّر منتقدون من أن الموافقة قد تضع صناعة السياحة في مخاطرة فعلية. تسهم السياحة بنحو 9% من الناتج المحلي، وأي ارتباك على مستوى العلامة التجارية للحديقة قد يضعف الاعتراف الدولي بها وبجنوب أفريقيا كوجهة سياحية، بحسب تحذير الخبيرة في السياحة البروفيسورة إلماري سلابيرت، مديرة أبحاث في مدرسة إدارة السياحة بجامعة نورث ويست.

التكاليف المالية المرتبطة بإعادة التسمية وإعادة العلامة التجارية ستكون أيضًا ملحوظة، وهذا يضاف إلى واقع بطالة مرتفع جدًا — تفوق معدلات البطالة بين الفئة القادرة على العمل أكثر من 30%، ونسبة الشباب العاطلين أعلى من ذلك — ما يثير تساؤلات حول أولويات إنفاق المال العام في وقت تشتد فيه الحاجة إلى تحفيز النمو وخلق فرص عمل.

يقرأ  هل يُعتبر قادة الغرب متواطئين قانونياً في الإبادة الجماعية بغزة؟

مع ذلك، لا تندرج القرارات المتعلقة بالأسماء ضمن حسابات اقتصادية فقط؛ فهناك ضغط قوي لمعالجة ما خلفته الممارسات التاريخية من تمييز وعدم مساواة. وتغييرات سابقة صيغت على هذا الأساس، من إزالة أسماء شخصيات مثل هيندريك فيرخوورد، أحد مهندسي سياسات الأبارتايد، إلى استبدال اسم مدينة بورت إليزابيث بـ«غكويبرها» (Gqeberha) عام 2021، وهو اسم بلغة الخوسا للنهر الذي يعبر المدينة.

يبقى السؤال مفتوحًا: كيف نوازن بين الاعتراف بالظلم التاريخي وإحقاق الضمائر من جهة، والحفاظ على مكتسبات اقتصادية وإدارية ثقيلة من جهة أخرى؟ الجدل حول اسم كروجر الوطني يضع جنوب أفريقيا أمام اختبار لصياغة سياسات توفيقية تأخذ بعين الاعتبار العدالة التاريخية والاستقرار الاقتصادي معًا. كانت مدينة كينغ ويليامز — المسماة تيمنًا بالملك ويليام الرابع — قد أُعيدت تسميتها وتُعرف الان باسم قونس، وهو أيضاً اسم نهر يمر هناك.

أما مطار جوهانسبرغ الدولي، الذي كان يُعرف سابقًا باسم جان سموتس تكريمًا لرئيس وزراء سابق، فصار يُطلق عليه اسم أور تامبو، تيمّنًا بزعيم مناهض للفصل العنصري ورئيس سابق للمؤتمر الوطني الأفريقي.

بقيت بعض المدن، مثل العاصمة بريتوريا، محتفظة بأسمائها، لكن المناطق الإدارية المحلية التابعة لها شهدت إعادة تسمية.

طُرحت أفكار كثيرة أخرى للتسمية، من بينها تغيير اسم بلدة بورت ألفريد الساحلية في إقليم الكيب الشرقي، التي تخلد اسم الابن الثاني للملكة فيكتوريا. وحتى أنه تم اقتراح تغيير اسم البلاد إلى آزانيا.

قسّمت كثير من هذه المقترحات الرأي العام، ولتجنب اتخاذ قرارات ارتجالية ثمة مسار قانوني موسع يجب استكماله.

تديره لجنة تُعرف بالمجلس الجنوب أفريقي للأسماء الجغرافية (SAGNC)، ويبدأ المسار بتقديم طلب من أفراد أو مجتمعات أو مؤسسات إلى الفرع الإقليمي للهيئة.

يناقش الاقتراح وقد يؤدي ذلك إلى مشاورات عامة، وبعد اختتامها تُحال خطة تغيير الاسم إلى المكتب الوطني.

يقرأ  فلسطينيونمقتل ٥٠ شخصًا في غارات إسرائيلية استهدفت مدينة غزة

إذا اعتُقد أنها استوفت «جميع المتطلبات»، تُرفع توصية إلى وزير الرياضة والفنون والثقافة لاتخاذ القرار النهائي، وفق ما قال رئيس المجلس د. نكاديمينغ ماهوسي لهيئة الإذاعة البريطانية.

«ما يحدث هنا [في برلمان مبومالانغا] لا يسير وفق ما ينص عليه القانون الوطني… هو مجرد تسجيل نقاط سياسية»، أضاف د. ماهوسي.

ونظرًا إلى أن كروجر يُعد معلمًا وطنيًا، وأن جهات حكومية مختلفة ستحتاج إلى الإدلاء برأيها، فإن قضية كروجر فريدة من نوعها، بحسب قوله.

هناك إذًا عقبات بيروقراطية عدة يجب تجاوزها قبل أن يختفي اسم كروجر من كُتيبات السياحة.

غير أن الجدل كشف الحساسيات المستمرة بشأن كيفية التعامل مع ماضي البلاد وإرث الذين تولّوا حكمها سابقًا.

المزيد عن جنوب افريقيا من بي بي سي:
صور: Getty Images/بي بي سي

أضف تعليق