منذ زمن طويل قبل انتشار الهواتف الذكية والساعات الرقمية، اعتمد الناس على اختراع غريب لمعرفة التوقيت بدقة: خدمة الساعة الناطقة.
كانت هذه الخدمة تُتاح عبر الهاتف، فربطت المتصلين بصوت مباشر أو مسجل يُعلن عن اللحظة الزمنية بالضبط. وظهرت أول نسخة من هذا النوع في فرنسا في 14 فبراير 1933، عندما أطلق مرصد باريس نظامًا استعمل أقراصًا زجاجية متزامنة مع ساعة رئيسية. وبات من خلال طلب رقم قصير أن يستمع سكان باريس إلى صوت أنثوي هادئ يخبرهم بالوقت بدقة متناهية.
تبعت بريطانيا تلك الخطوة بعد سنوات قليلة، فأطلقت ساعتها الناطقة في 24 يوليو 1936. وأدارتها مصلحة البريد العامة، وكان على المتصلين طلب “TIM” ليستمعوا إلى العبارة الشهيرة: «عند الضربة الثالثة، سيكون…» وكانت أول من تحدثت هي جين كاين، عاملة في مراكز الهاتف بلندن اختيرت من بين آلاف المتقدّمات لصوتها الصافي والمطمئن. تقنيًا، اعتمد النظام على تسجيلات فيلمية ضوئية ومؤقتات كهروميكانيكية للحفاظ على التزامن بين الكلمات والضربات.
وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، أطلقت الولايات المتحدة أول خدمة زمنية آلية في أتلانتا عام 1934، لكنها لم تكن مشروعًا حكوميًا بل حملة ترويجية لشراب غِنْجَر أيل يُدعى Tick Tock. قام رائد الأعمال جون فرانكلين بتكييف تقنيات Western Electric لصنع جهاز الأودكرون الذي انتشر سريعًا وأصبح العمود الفقري لساعات النطق الأمريكية.
حققت أستراليا الحركة نفسها عام 1953 عبر إدارة رئيس البريد، حيث كان المتصلون يطلبون في البداية “B074” ثم استبدل ذلك لاحقًا بالرقم الشهير 1194. وبفضل أنظمة التوجيه الخاصة بشركة تلسترا، كان الصوت يردّ بتوقيت محلي للمتصل سواء من خط أرضي أو هاتف عمومي أو هاتف محمول.
تطورت التكنولوجيا الكامنة وراء هذه الخدمات بسرعة: استخدمت الأنظمة الأولى أقراصًا دوارة، أو حلقات فيلم، أو أسطوانات زجاجية لتجميع الكلمات والأرقام في إعلانات متصلة. ثم جاءت أشرطة مغناطيسية وإلكترونيات صلبة لتحسن الاعتمادية، ولاحقًا وفرت الأنظمة الرقمية، المتزامنة مع الساعات الذرية، دقة وصلت إلى الملّي ثانية تقريبًا — رغم أن هناك من يذكر أنها حققت حتى دقة أعلى بفضل التزانم مع مصادر قياسية.
على مدى عقود كانت الساعة الناطقة جزءًا من الحياة اليومية؛ اتصل الناس بها لضبط ساعات المعصم أو توقيت خبزهم أو حتى للتأكّد من صلاحية خط الهاتف. كانت حضورًا خفيفًا لكنه دائم في المنازل والشركات، صوتًا اكتسب ثقة العامة.
لم تعد الحاجة إلى هذه الخدمة حتمية مع نشوء الهواتف المحمولة والإنترنت وإشارات الزمن عبر الراديو والتلفاز، فقررت كثير من الدول إيقاف خدماتها وحفظها كذكريات حنين إلى عصر أكثر تناظرًا.
ومع ذلك لم تختفِ كل الساعات الناطقة؛ ففي المملكة المتحدة لا تزال الخدمة متاحة إلى اليوم — اطلب الرقم 123 لتسمع التوقيت متزامنًا مع ساعة المختبر الوطني الفيزيائي الذرية، محافظةً على دقتها كما كانت دائمًا.
قد لا تكون الساعة الناطقة ضرورية في حياتنا اليومية الآن، لكنها تبقى تذكارًا ممتعًا لكيفية ربط التقنية بين العلم واليوم الاعتيادي، مقدمًة للناس شيئًا بسيطًا وحيويًا: الوقت الدقيق بلمسة زر.