وسط تصاعد حدة التوتر التجاري بين أقوى اقتصادين في العالم، بدأت الصين والولايات المتحدة بفرض رسوم موانئ إضافية على السفن التجارية، بعد إجراءات بكين بشأن صادرات المعادن النادرة كرد فعل على قيود تجارية جديدة فرضتها إدارة ترامب.
دخلت الرسوم التنفيذية حيز التطبيق يوم الثلاثاء، ما أثار مخاوف المحللين الذين يعتبرون أن التجارة البحرية تحولت إلى جبهة مركزية بين البلدين.
خلفية موجزة
على الرغم من تهدئة مؤقتة في حرب الرسوم الجمركية، اندلعت التوترات مجدداً فيما يستعد الرئيس ترامب للقاء نظيره الصيني شي جينبينغ على هامش قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC) في كوريا الجنوبية أواخر الشهر.
اتهمت بكين واشنطن باتباع معايير مزدوجة بعد تهديد الأخير بفرض رسوم بنسبة مئة بالمئة على السلع الصينية، رداً على قيود الصين على صادرات المعادن النادرة.
ما هي الرسوم المعلنة؟
أصدرت البيت الأبيض أمراً تنفيذياً بعنوان «استعادة الهيمنة البحرية الأميركية»، وجه بموجبه ممثل الولايات المتحدة التجاري إلى تحصيل رسوم على ملاك ومشغلي السفن الصينية (المبنية أو المملوكة أو المشغلة من قبل جهات صينية) عند دخولها الموانئ الأميركية اعتباراً من 14 أكتوبر، على النحو التالي:
– على مشغلي السفن الصينية دفع 50 دولاراً لكل طن صافٍ عند الوصول إلى موانئ أميركية، ترتفع تدريجياً لتصل إلى 140 دولاراً بحلول أبريل 2028.
– على مشغلي السفن المبنية في الصين دفع 18 دولاراً لكل طن صافٍ أو 120 دولاراً عن كل حاوية، على أن ترتفع إلى 33 دولاراً و250 دولار للحاوية على التوالي بحلول 2028.
– تقتصر الرسوم على خمس رحلات كحد أقصى سنوياً لكل سفينة.
– أُعفي مستخدمو السفن الصينية على المدى الطويل الناقلة للإيثان والغاز النفطي المسال حتى 10 ديسمبر.
وردت الصين في 10 أكتوبر بفرض رسوم مقابلة على السفن المملوكة أو المشغلة أو المبنية أو المُعارَفة بحامل العلم الأميركي بدءاً من 14 أكتوبر كما يلي:
– دفع 400 يوان (نحو 56 دولاراً) عن كل طن صافٍ لكل رحلة عن السفن المملوكة أو المشغلة من قبل شركات أو أفراد أميركيين.
– السفن المبنية في الولايات المتحدة أو التي ترفع العلم الأميركي تدفع المبلغ نفسه.
– الحد الأقصى للرسوم محدد بخمس رحلات سنوياً، مع ارتفاع تدريجي يصل إلى 1,120 يوان (نحو 157 دولاراً) لكل طن صافٍ.
– تُعفى السفن الفارغة الداخلة إلى أحواض صيانة صينية، وكذلك السفن المبنية في الصين، من الرسوم.
وَصفت وزارة النقل الصينية هذه الإجراءات بأنها «مقابلات» ردّاً على ممارسات أميركية اعتبرتها «مخطئة وتمييزية».
خطوات متصلة وعقوبات
في تحرك منفصل ذي صلة، فرضت الصين يوم الثلاثاء عقوبات على خمس شركات تابعة لشركة بناء السفن الكورية الجنوبية «هانوا أوشن»، متهمة إياها بـ«مساعدة ودعم» التحقيقات الأميركية المتعلقة بالتجارة الصينية.
لماذا اتخذت واشنطن هذه الإجراءات؟
سعت الولايات المتحدة منذ أبريل إلى تقليص نفوذ بكين في الصناعة البحرية العالمية ودعم صناعة بناء السفن الأميركية، بعدما خلصت تحقيقات إلى سيطرة صينية واسعة على النقل البحري واللوجستيات وبناء السفن عبر سياسات دعم حكومي مكثف وتوجيهات مالية من الدولة.
مطالبات اتحادات عمالية أميركية قادت الضغط على الحكومة لاتخاذ تدابير حماية للمهن المحلية، وفي ظل عودة ترامب للرئاسة قررت إدارته المضي قدماً بإجراءات تنظيمية تهدف إلى «إحياء» صناعة بناء السفن الأميركية التجارية والعسكرية وإنشاء «مكتب لصناعة بناء السفن».
من هم اللاعبون الرئيسيون في التجارة البحرية العالمية؟
تتصدر الصين صناعة بناء السفن التجارية عالمياً، تليها كوريا الجنوبية واليابان. فقد بنت بكين نحو 53% من السفن التجارية في 2024، بينما لم تسهم الولايات المتحدة سوى بنسبة 0.1% من هذا الإنتاج. وتعد المؤسسة الصينية الحكومية لبناء السفن (CSSC) اللاعب الأكبر، وقد بنت خلال عام 2024 زناً إجمالياً من السفن التجارية يفوق ما بنتْه جميع شركات بناء السفن الأميركية منذ 1945.
وتشارك المؤسسة أيضاً في تصنيع السفن الحربية، ما يرسخ جيشها البحري كالأكبر بعدد الوحدات حسب تقارير سابقة لوزارة الدفاع الأميركية—مع نحو 355 سفينة حتى 2020 مقابل 293 سفينة أميركية آنذاك. ومع أن المحلّلين يؤكدون تفوق البحرية الأميركية من حيث قوة النيران، فقد أثارت هيمنة الصين على بناء السفن مخاوف أمنية في واشنطن لسنوات.
الخلاصة
تُظهر هذه الخطوات أن التجارة البحرية أصبحت ساحة تنازع استراتيجية بين البلدين، وأن أي تصعيد أو تفاوض لاحق سيحمل آثاراً اقتصادية وجيوسياسية واسعة على سلاسل التوريد العالمية والأسواق البحرية. ان المفاوضات المقبلة واللقاءات الرئاسية قد تحدد ما إذا كانت المواجهة ستتفاقم أم أن سبل الحوار ستفتح طريقاً للحل. اليوين “من خلال الاستخدام الكامل للطاقة الإنتاجية الموجودة في أحواض السفن المحلية، يمكن لقاعدة صناعة أحواض السفن تلبية الاحتياجات المتنامية للدفاع الوطني، واستعادة المنافسةالأمريكية، وخلق آلاف الوظائف الماهرة في مجتمعات شتى عبر البلاد”، هكذا صرّح.
كيف ستؤثر الرسوم على التجارة العالمية؟
المحلّلون يرون أن الإجراءات على الجانبين تعطل عمليات التجارة العالمية بالفعل. ويتوقع أن تتحمّل شركة النقل الصينية للحاويات COSCO العبء الأكبر من رسوم الولايات المتحدة، بما يقدّر بنحو 3.2 مليار دولار لصناعة الشحن، بينما أوردت مؤسسة أبحاث الشحن كلاركسونز في تقرير أن رسوم الموانئ الصينية الجديدة قد تؤثر بشكل ملحوظ على ناقلات النفط، التي تمثل نحو 15 بالمئة من الطاقة العالمية، بحسب وكالة رويترز.
وأفادت تقارير بأن روابط الشحن الكبرى، بما في ذلك شركة ميرسك الدنماركية، وهاپاغ-لويد الألمانية، وCMA CGM الفرنسية، أعادت توجيه سفن مرتبطة بالصين من خطوطها البحرية إلى الولايات المتحدة. وقال إد فينلي-ريتشاردسون، محلّل مستقل في شحن البضائع الجافة، لرويترز إننا في “مرحلة اضطراب مكثفة حيث يحاول الجميع بهدوء ابتكار حلول بديلة بدرجات نجاح متفاوتة”.
وأضاف المحلل أن هناك تقارير تفيد بأن مالكي سفن أمريكيين يشغّلون سفناً ليست صينية يحاولون بيع حمولاتها لبلدان أخرى أثناء توجهها إلى الصين كي تتمكن السفن من الانحراف عن مساراتها. ولم تتمكن رويترز من تأكيد ذلك على الفور.
وفي الوقت ذاته، تواجه شركة بناء السفن الكورية الجنوبية «هانواه أوشن» عقوبات صينية طالت خمساً من شركاتها الفرعية المرتبطة بالولايات المتحدة. وتعد هانواه من أكبر مصنعي السفن في العالم، وتملك حوض السفن التجاري فيلي-شيب يارد في ولاية فيلادلفيا الأميركية. وسجلت أسهم هانواه أوشن تراجعاً بنحو 6 بالمئة بعد الإعلان، حسب رويترز.
ما هي القيود التجارية الأخرى، وهل سيؤدي ذلك إلى حرب تجارية شاملة؟
قامت الصين، التي تهيمن على إمدادات معادن الأرض النادرة الحرجة لصناعة الإلكترونيات، بتشديد ضوابط التصدير على خمسة عناصر منها في 9 أكتوبر بموجب “الإعلان رقم 61 لعام 2025″، وتشمل الهولميوم، والإربيوم، والثوليوم، والإيوروبوم، والإيتربيوم، وذلك بالإضافة إلى قيود على سبعة معادن أعلنت عنها في أبريل الماضي.
وفي رد فعل تصعيدي، هدد الرئيس ترامب برفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 100 بالمئة اعتباراً من الأول من نوفمبر. وكانت الولايات المتحدة قد فرضت رسوماً باهظة على الصادرات الصينية في وقت سابق من رئاسة ترامب في محاولة لمعالجة ما تعتبره واشنطن علاقات تجارية غير متوازنة، قبل أن تُخفف تلك الرسوم لاحقاً بعد اتفاق توصل إليه البلدان في سبتمبر يقضي بوقف مؤقت مدته 90 يوماً تنتهي حوالى 9 نوفمبر.
إلا أن التوترات عادت إلى الارتفاع عقب تعريفات الأرض النادرة الصينية والرسوم المينائية التي أعلنتها كلتا الدولتين. وحذّر محلّلون سابقاً من أن حرباً تجارية شاملة بين الولايات المتحدة والصين قد تضر بالأسواق العالمية وتدفع بالاقتصاد نحو الركود.