أريد أن أموت لكنّي أريد أن أتناول التوكبوكي

توكبوكي: طعام للروح

في كوريا الجنوبية، لا يُعدّ “توكبوكي” مجرد وجبة خفيفة؛ إنه طعام يلامس القلب. هذا الطبق الحلو الحار المصنوع من كعكات الأرز المطاطية جزء لا يتجزأ من ثقافة الطعام في الشوارع، ومحطّ عاطفة لدى الصغار والكبار على السواء. يلجأ إليه الطلاب بعد نهار دراسي طويل، ويصبح ملاذًا للبالغين بعد يوم عمل مرهق.

حين صدر في 2018 كتاب بعنوان «أريد أن أموت لكني أريد أن آكل تووكبوكي»، أثار عنوانه الصريح والمرِح في آنٍ واحد فضول القراء فورًا. تساءل كثيرون عن مدى الحب الذي يجعل المرء يكرّس كتابًا كاملًا لطعام ما، لكن سرعان ما انجذب الجمهور إلى صدق السرد وخامته العاطفية. تحوّل الكتاب إلى ظاهرة بيعت على أثرها آلاف النسخ وأصبح موضوع نقاش واسع في كوريا.

هذا الأسبوع، أعلنت الأخبار وفاة المؤلفة الكورية بايك سي-هي عن عمر يناهز الخامسة والثلاثين. لا تزال تفاصيل وفاتها غامضة، لكن تصريح وكالة التبرع بالأعضاء في كوريا بأن بايك أنقذت خمس حالات بتبرعها أعضائها سلط ضوءًا على رغبتها في مساعدة الآخرين وإضاءة حياة غيرها. أثارت وفاتها المبكرة حزنًا عميقًا لدى القراء الذين وجدوا في كلماتها عزاءً وفهمًا؛ تغنّت منصات التواصل والمدونات بتكريمها وبقصص شخصية لمن نجاتهم كتابها، وتصدّرت وسائل الإعلام العالمية النعي بخبرة واهتمام.

في جوهره، هو يوميات محادثات بايك مع طبيبها النفسي، وهي تتناول معاناتها مع الكآبة الخفيفة المزمنة (الدِستِيميا) واضطرابات القلق. من خلال تلك الجلسات تبوح بجمّ ما يكدر يومياتها: الإفراط في التفكير في نظرة الآخرين، الهوس بمظهرها، صراعها المستمر مع الشك بالذات. لا يهوى الكتاب الغوص في التشخيص السريري فحسب، بل يعكس أيضًا حالة الحزن الرقيق التي يمكن لكثيرين أن يتعاطفوا معها.

يقرأ  أولبرغ يسقط ريس بضربة قاضية في الجولة الأولى ويهيمن على ليلة قتال يو إف سي في بيرث

ما يمنح قصّتها قوة خاصة هو صراحتها. تلتقط تناقض الإنسان الدقيق: أن يعيش في حالة من الكآبة اليومية المنهكة، وفي الوقت نفسه يحمل رغبة رقيقة في الاستمرار. مثلما يدفئ طبق توكبوكي أيام المصاعب، فإن كلماتها تمنح دفءً وفهمًا، وتذكّر القارئ بأن الضعف ليس عيبًا بل جزء من القوة الإنسانية.

واحدة من قرّاء الكتاب، جو أون-بيت، طالبة في جامعة كوريا تبلغ من العمر 25 عامًا، قالت إن الكتاب ساعدها في مواجهة عدم اليقين حول مستقبلها. في مجتمع تميل فيه الأجيال لمقارنة نفسها بإنجازات الآخرين، أرسلت كلمات بايك رسالة مهدئة: لا ضرر في أن لا تعيش وفق معايير المجتمع. من المقتطفات البارزة في الكتاب قولها إن كل إنسان فريد من نوعه، وأن تلك الفرادة وحدها تجعل المرء متميزًا وتستحق الرعاية طوال الحياة. هذا التأمل الذاتي، بحسب جو أون-بيت، جلب لها عزاءً وشعورًا بوجوب الحنان تجاه الذات.

الضغط التنافسي من المدرسة إلى سوق العمل، مع توقعات العائلة والمجتمع، يترك كثيرًا من الشباب الكوريين محبطين. وفي مجتمع ما زالت القِيَم الكونفوشيوسية — من الواجب والطاعة واحترام النظام — تؤثر فيه بعمق، تظل قضايا الصحة النفسية مثقلة بالوصم، ويعاني الكثيرون من شعور بالخجل أو الحكم الاجتماعي. قلبت بايك تلك الفكرة القائلة بأن النجاح الاجتماعي هو مقياس الحياة الناجحة، وتحدثت بصراحة عن معاناة نفسية يواجهها كثيرون، مبيّنة أن الاعتراف بالمشاعر هو الخطوة الأولى نحو الشفاء.

أثّر الكتاب في عالم الواقع؛ فقد شجّع من كانوا يكافحون الاكتئاب على طلب المساعدة المهنية، وفتح فضاءً للحوار العام حول الصحة النفسية. حتى شخصيات عامة مثل RM من فرقة BTS شاركوا الكتاب وانتشر على نطاق واسع، مما وسع دائرة النقاش. بيعت أكثر من مليون نسخة من الكتاب منذ صدوره، تُرجم إلى 25 لغة، وتجاوزت مبيعاته في المملكة المتحدة مئة ألف نسخة خلال ستة أشهر فقط.

يقرأ  غزو جيش الدفاع الإسرائيلي لغزة: من غير المرجح أن يحقق أهداف الحرب أو يضمن عودة الرهائن

شهادات المعجبين والمعجبات عديدة: معلمة ابتدائية تقول إنها وجدت في الكتاب مرآة لعالم يُجحف بالنقد الذاتي نتيجة التعرض المستمر لحياة الآخرين عبر وسائل التواصل، ومعلمة ثانوية في لندن وجدت روابط إنسانية عميقة مع صفحات الكتاب وشعرت بأسى كبير عند سماع خبر وفاة بايك. مدير مركز الثقافة الكورية في المملكة المتحدة لاحظ أن صوتها وجد آذانًا صاغية في مكانٍ احتضن باكوريًا تحليليًا للعقل الإنساني، ما وسع طيف الأدب والثقافة الكوريين في الخارج.

تروي صفحات كتابها قصة تتجاوز الأجيال والحدود، رسالة هادئة ودافئة تصل إلى قرّاء بلا أسماء في أنحاء العالم. وفي نهاية المطاف، قد يكون العنوان المتناقض “أريد أن أموت لكني أريد أن آكل توكبوكي” بطريقة ما تعبيرًا آخر عن الرغبة في العيش: ففي لحظات اليأس العميق كثيرًا ما يجد الناس سببًا للتماسك في متع صغيرة. بالنسبة لها، كانت تلك المتعة توكبوكي، ودلالتها أن أبسط المسرات اليومية قادرة على أن تكون قوة مشجعة مستدامة.

قائمة من المنظمات التي تقدّم الدعم والمعلومات حول هذه القضايا متاحة لمن يحتاجون إليها، وفي حال كنت خارج المملكة المتحدة فهناك موارد دولية متاحة كذلك. الكتاب ترك أثرًا لا يمحى في القلوب، وتذكيرًا بأن الرفق بالذات والاعتراف بالمشاعر بداية علاج وجسرًا نحو أمل متجدِّد.

أضف تعليق