عند إعلان الهدنة في غزة اجتاحتني موجة من المشاعر المتضاربة: فرح لأن القنابل توقفت أخيراً، وخوف من أن تستأنف في أي لحظة؛ تفاؤل بإمكان العودة إلى حياة شبه طبيعية، وقلق من أن يكون هذا التفاؤل قصيراً وزائلاً. احسست بارتياحٍ وجزعٍ في آن واحد.
بصفتي معلمة للغة الإنجليزية، أمنيتي أن تعود العملية التعليمية بأسرع ما يمكن. التعليم هو السبيل لإحياء الأمل ومساعدة الأطفال على البدء في تجاوز صدمة سنتين من الإبادات. يوفر التعليم درجة من الطمأنينة والإيقاع اليومي والهدف، ولذلك يجب أن يكون من أولويات غزة القصوى.
قبل اندلاع الإبادة، كنت أدرّس اللغة الإنجليزية لتلاميذ المرحلة الابتدائية والإعدادية في مركز تعليمي ومدرسة حكومية للبنات في مدينة غزة. تدمرت المدرسة في الأسابيع الأولى من الحرب، وتعرَّض المركز التعليمي لأضرار جسيمة.
اضطررنا، أنا وأسرتي، إلى ترك منزلنا قسراً. وبعد أشهر قليلة بدأتُ أدرّس داخل خيمة ضمن مبادرة محلية يقودها متطوّعون. لم تكن هناك مكاتب؛ كان طلابي الذين تراوحت أعمارهم بين ست وست عشرة سنة يجلسون على الأرض. كانت ظروف التدريس قاسية، لكنني بقيت مصرّة على أن أساعد الأطفال على مواصلة تعلمهم.
بحلول أواخر ديسمبر 2024 اختفت الأقلام والكتب والدفاتر تدريجياً من المحال والأسواق. أصبح سعر الدفتر الواحد يتراوح بين عشرين إلى ثلاثين شيكلاً، إن وُجد أساساً، وهو مبلغ خارج قدرة معظم العائلات.
عندما أصبح نقص الورق والكتب والأقلام أمراً ملموساً، بدأ بعض تلاميذي يحضرون إلى الصف دون أي وسيلة للكتابة؛ البعض كان يجمع قصاصات ورق من أنقاض المنازل ويحضرها إلى الحصة؛ وآخرون كانوا يكتبون بحروف صغيرة على ظهر أوراق قديمة احتفظت بها عائلاتهم. وبسبب ندرة الأقلام، كان كثير من الأطفال يضطرون لمشاركة قلم واحد بينهم.
وبما أن القراءة والكتابة، الركيزتان الأساسيتان للتعليم، أصبحتا صعبتيْن للغاية، اضطررنا نحن المعلمين إلى ابتكار استراتيجيات تدريس بديلة: ترديد جماعي، رواية شفوية، أغاني وأنشطة شفوية متنوعة.
رغم قلة المستلزمات، أظهر الأطفال إرادة رائعة في مواصلة التعلم. كان منظروهم وهم يكدّون على قصاصات ورق قديمة يملؤني بالإعجاب والحزن معاً؛ إن عزيمتهم على التعلم وسط هذه الظروف أثارت فيّ فخراً عميقاً وألهمتني بالمثابرة.
كان لدي دفتر خاص أهداها لي جدّي قبل سنوات، كنت أستخدمه كمدوّنة لأحلامي وأسراري. بعد الحرب ملأت صفحاته بقصص انفجارات القنابل، وعائلات بلا مأوى تضطر للنوم في الشوارع، وجوع لم يسبق لي أن عرفته، ومعاناة مع غياب أبسط الضروريات.
في يوم دراسي معين في أغسطس، عندما حضر معظم تلاميذي بلا أي ورق، أدركت أنه لا يمكنني الانتظار. أخذت دفتري وبدأت أمزق صفحاته صفحة صفحة وأعطيها لأطفالي.
بوجود هذا العدد الكبير، فرّت صفحات دفتري في يوم واحد فقط. واضطر طلابي بعد ذلك للعودة إلى قصاصات الورق أو الكرتون.
قد تكون الهدنة قد أوقفت القنابل، لكن تلاميذي ما زالوا بلا أوراق أو أقلام. دخلت المساعدات الإنسانية غزة من جديد؛ وصل الغذاء والدواء ومواد الإيواء، وكل ذلك مهم وضروري. لكن هناك حاجة ملحّة أيضاً إلى مستلزمات تعليمية ودعم لإعادة التعليم إلى مساره من أجل ٦٠٠٬٠٠٠ تلميذ وتلميذة في غزة.
الكتب والأقلام والورق ليست مجرد أدوات مدرسية؛ إنها شريان حياة يمكن أن يساعد أطفال غزة على النهوض من تبعات الحرب والدمار والخسائر الجسيمة. هي أدوات حيوية تُنقذ عزيمتهم وتدعم إرادتهم على العيش والتعلّم والحلم بمستقبل مشرق.
يمكن للأطفال التعافي من صدمة الحرب واستعادة شعور بالأمان عبر التعليم. يمنحهم التعلم هيكلية يومية، وثقة بالنفس، وأملاً بمستقبل أفضل—عناصر أساسية لشفاء المجتمع وإعادة التأهيل النفسي.
علينا أن نمنح الأطفال الذين فقدوا عامين من التعليم فرصة للكتابة والتعلم والحلم من جديد.
الآراء الواردة في هذا المقال تعود لكاتبه ولا تعكس بالضرورة موقف التحرير في قناة الجزيرة.