استكشاف مسارات جديدة في فن المناظر الطبيعية

عند سفري إلى ألاسكا في 2021 كان هدفي، جزئياً، مواجهة بعض الأساطير الشخصية التي نسجتها حول ذلك المكان. رغم أنّي ولدت هناك وغادرت قبل أن أتم عامين، فقد احتلّت الولاية مكانة محورية في خرائط هويتي المكتوبة بخيالي؛ صممت لها ألف معنى بلا معرفة حقيقية. في معرضٍ بمتحف أنكوراج، حيث تُعرض لوحات درامية لجبال وسواحل قاسية، أكدت لوحة نصية أن كثيراً من الفنانين الزائرين نظروا إلى المكان بعينٍ رومانسية، يصوّرونه «بريةً غير مأهولة وبعيدة عن اللمس»، مكرّسين اهتمامهم بالجمال والمهيب. في المقابل، كانت رسوم ونقوش الفنانين الأصليين مبنية ليس على مجرد النظر إلى الأرض، بل على العيش معها؛ حياة تتجدد عبر تكيف مستمر.

تلك التحولات في المنظور عادت إليّ وأنا أدخل معرضَ Romance, Regret, and Regeneration in Landscape في غاليري ذا إيث فلور. المعرض، الذي نسّقته أنجولي ناندا دايمون وجرج بولستر، يقدم قراءة دقيقة لدور الفن المرتبط بالمناظر الطبيعية في عالم يتغير بسرعة. أعمال مثل «بحيرة أثاباسكا» لعليكسيس روكمان (2024) برسامته الكثيفة، أو صور ريتشارد موس المحوّلة طيفياً «مزرعة علف مكثّف للماشية، روندونيا» (2020)، تُوظّف حالة تشبّع بصري مبالغ فيها لتجسيد دمارٍ بيئي يرتبط بأنشطة الإنسان. ومع التقدّم بين الأعمال تزايدت الطبقات المفاهيمية التي يقدّمها المعرض.

مثال بارز على ذلك فيلم الفيديو «عندما تحرّك الإيمان الجبال (كواليس التنفيذ)» (2002) لفرانسيس أليس بتعاون مع رافائيل أورتيغا وكواتيموك مدينا، حيث يجسّد مئات المتطوّعين الذين جُندوا لتحريك كثيب رملي بعرض 1500 قدم مسافةً قليلة من السِّمك. للوهلة الأولى يذكّر العمل بفيلم الوثائقي Burden of Dreams عن فيتسكارالدوايزر لفيرنر هيرتسوج؛ كلاهما يوثّق مشروعات تبدو أحادية الطموح أحياناً. لكن تركيز تثبيتات أليس ينحى صوب تجربة المشاركين المحليين: من تصورهم الأول للمشروع على أنّه «سخيف»، إلى حديثهم عن التنظيم الجماعي المطلوب—ملحوظ خصوصاً وأن الفيلم صُوّر في زمن ديكتاتورية فوجيموري—وعلاقاتهم التي تشكّلت مع العمل النهائي. بدلاً من احتفاء الشخصية الفنية الخلّاقة منفردة، يمنح الفيديو من شاركوا في تحقيق الرؤية مساحة للتفكير في دلالاتها.

يقرأ  من مانشستر إلى برشلونة: نبض الإبداعإم سي آر بي سي إن تُحضر روح مانشستر الإبداعية إلى برشلونة

تحول المنظور يتكرر في عمل الفيديو «تاريخ الحجر، الأصل والأسطورة» (2016) لميغس مورلي وتوم فلاناغان. بينما تُستخرج كتل حجرية ضخمة في إيرلندا يتحدّث الراوي عن «عمل التاريخ»؛ الشروخ والطبقات تكشف رؤية جيولوجية للزمن، سجل محفور في الأرض. ربط الفيلم بين استخراج الموارد، وصناعة النُصب الاستعمارية من تلك الحجارة ما قبل التاريخ، ومحاولة النُصب المتآكلة تثبيت نسخة محدودة من التاريخ في مادة قديمة، وهو تذكير بمقياس زمني يسبقنا ويستمر بعدنا.

مجموعة من الأعمال والقطع الأرشيفية لشعب تشاغوسين، بينها لوحات لكليمنت سيا طوس وعلب عرض مليئة بمواد من مبادرة بحوث الشاغوس، تطلب منا إعادة تأطير الزمان والتاريخ. على عكس كثير من شعوب السكان الأصليين، يمتد تاريخ التشاغوسيين إلى أواخر القرن الثامن عشر فقط، حين أحضر المستعمرون الفرنسيون أفواجاً من الأفارقة المستعبدين وأشخاصاً من ماليزيا والهند إلى الأرخبيل للعمل في المزارع. تشكيل ثقافة مدمجة ومميزة ومحاولات الحفاظ عليها رغم طرد البريطانيين للسكان من الجزر في سبعينيات القرن الماضي تثير أسئلة أوسع عن نشوء الثقافات الهجينة وعلاقات الناس بأماكنهم نتيجة حركات الشعوب عبر الجغرافيا—مسألة ملحّة اليوم في ظل تزايد النزوح العالمي. لوحات سياطوس الحيّة عن الحياة اليومية في دييغو غارسيا تفند مباشرة الادعاءات البريطانية بأن الأرخبيل لم يملك سكاناً أصليين.

التوترات الناتجة عن تداخل وجهات النظر المختلفة تجاه الأرض المشتركة تجعل من المعرض تجربة غنية. تمثيلات المشاهد، سواء كانت حميمة أو مهيبة، تُذكّرنا بضرورة التساؤل عن مناظير العرض: من يظهر ومَنْ يغيب؟ ولأي غرض تُعرض هذه الرؤى؟

يستمر معرض Romance, Regret, and Regeneration in Landscape في غاليري ذا إيث فلور في منهاتن حتى الثالث عشر من ديسمبر. نسّقته أنجولي ناندا دايمون وجرج بولستر.

أضف تعليق