اتفاق السلام بين تايلاند وكمبوديا: ماذا يتضمن وهل يمكن أن يصمد؟ أخبار نزاعات الحدود

افتتح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جولته الدبلوماسية الأسبوعية عالية المخاطر في آسيا من عاصمة ماليزيا كوالالمبور، بإدارته مراسم توقيع إعلان سلام بين تايلاند وكمبوديا. وصل ترامب إلى ماليزيا لحضور قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، حيث أبرم أيضاً اتفاقيات تجارية منفصلة مع كمبوديا وتايلاند وماليزيا واتفاقات تتعلق بالمعادن الحرجة مع بانكوك وكوالالمبور.

الحدث الأبرز كان إعلان السلام الذي وسّع اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة في يوليو، والتي أوقفت اشتباكات حدودية دامية. وقع الإعلان رئيسا وزراء البلدين الجارين، أنوتين تشارنفيراكول من تايلاند وهون مانيت من كمبوديا، وتحت إشراف رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم، التي تتولى حالياً رئاسة آسيان. ورغم أن القادة وصفوا وقف إطلاق النار بـ«التاريخي»، فإن الخلافات العميقة المتجذرة — سياسياً وتاريخياً وفي نزاعات حدودية ومعابد متنازع عليها — ما تزال قائمة.

ما الذي يتضمنه الاتفاق وهل يمكن أن يصمد؟

مضمون الاتفاق
– تعهد الجانبان في الإعلان المشترك بـ«التزام لا يتزعزع بالسلام والأمن» وإيقاف فوري للأعمال العدائية، مجدِّدين التزامهم السابق بعدم اللجوء إلى القوة واحترام سيادة وسلامة أراضي بعضهما البعض.
– أطلق ترامب على الإعلان اسم «اتفاقية سلام كوالالمبور»، ويعدّ أكثر محاولة تفصيلاً لوقف القتال على طول الحدود المتنازع عليها بين البلدين.
– الركيزة الأساسية هي خطة لتخفيف التصعيد العسكري تحت إشراف دول آسيان، تتضمن سحب الأسلحة الثقيلة من المناطق الحدودية وإعادتها إلى قواعدها النظامية مع رقابة فريق مراقبة جديد تابع لآسيان (AOT).
– تناول الاتفاق كذلك «حرب المعلومات» التي تفجّرت في الأشهر الماضية وأشعلت التوتر؛ وتعهدت بانكوك وبنوم بنه بالامتناع عن نشر ادعاءات كاذبة أو تحريضية عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية.
– التزمت الحكومتان باستئناف العلاقات الدبلوماسية الطبيعية وتنسيق حوارات على المستوى المحلي عبر آليات قائمة مثل لجنة الحدود العامة واللجنة المشتركة للحدود.
– تعهّدا أيضاً بتنسيق وتنفيذ أعمال نزع الألغام الإنسانية في المناطق الحدودية، وهو من أهم المحفزات للقتال الأخير.
– وبموجب بنود التنفيذ، تعهّدت تايلاند بإطلاق سراح 18 جندياً كمبودياً احتُجزوا خلال القتال هذا العام.

يقرأ  ستارمر يستقبل زيلينسكي تحضيرًا للقمة المصيرية بين ترامب وبوتين — أخبار حرب روسيا وأوكرانيا

ردود الفعل
– قال أنوتين إن بانكوك تدعم السلام، وإن «هذا الإعلان، إذا نُفِّذ بالكامل، سيشكل لبنات أساس لسلام دائم».
– وصف هون مانيت توقيع الإعلان بأنه «يوم تاريخي».
– أضاف أنوتين أن «المدنيين الأبرياء تكبدوا خسائر فادحة».
– اعتبر أنور أن المصالحة «ليست تنازلاً بل عمل شجاع».
– تحدث ترامب طويلاً، مستشهداً بسرعة التوصل إلى الاتفاق ومذكّراً بأن إدارته سارعت لمنع تصاعد الصراع. روى أنه علم بالاشتباكات أثناء وجوده في ملعب غولف تيرن بيري في اسكتلندا، قائلاً إن الأمر «أهم بكثير من جولة غولف». وامتدح إنجازاته قائلاً إنه أنهى ثمانية حروب خلال ثمانية أشهر، واصفاً ذلك بمهارة يمارسها ويستمتع بها.

عن أسباب القتال
– العلاقات بين تايلاند وكمبوديا بلغت أسوأ مراحلها منذ عقود. الحدود التي تمتد نحو 800 كيلومتر كانت وما تزال مصدر نزاع طويل الأمد، إذ تعود كثير من الخلافات إلى ترسيمات أُجريت في 1907 خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية.
– تنتشر على طول الحدود معابد يعود بعضها لقرون، بعضها تطالب به الدولتان. كما تضم المناطق المجاورة مجتمعات على جانبي الحدود تشترك في نسب وتراث واحد.
– تجددت التوترات في فبراير بعد خلاف على معبد براسات تا موان ثون، عندما ذكرت تقارير أن شرطة تايلاند منعت سياحاً كمبوديين من أداء نشيدهم الوطني في الموقع المتنازع عليه.
– تصاعدت الأوضاع بعد مقتل جندي كمبودي في مواجهة حدودية في مايو، ما أدّى إلى حشد قوات من الطرفين وأزمة دبلوماسية. ثم احتدمت المعارك أواخر يوليو وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى خلال خمسة أيام قبل التوصل إلى وقف إطلاق النار، وتسببت في نزوح نحو 300 ألف شخص على الجانبين.
– اتصل ترامب بكلا الزعيمين، مُشيراً إلى أنه لن يبرم صفقات تجارية معهما إذا استمر القتال؛ فالولايات المتحدة تشكل أكبر سوق تصديري لكلا البلدين. ومع ذلك عادت التوترات للظهور في أغسطس، عندما أصيب جنود تايلانديون بألغام أثناء دورية في منطقة عازلة بين البلدين.

يقرأ  ماذا قضت محكمة أميركية بشأن ترحيل أعضاء «ترين دي أراغوا»؟ | أخبار المخدرات

في العموم، يقدّم إعلان كوالالمبور إطاراً متعدد الأبعاد لإدارة النزاع والحدّ من التصعيد، لكنه يواجه اختبار التطبيق على الأرض في بيئة تاريخية معقّدة وثقة متقلبة بين الجانبين — ومع ذلك، يشكّل خطوة ملموسة نحو تهدئة قد تتطلب وقتاً طويلاً ومتابعة مستمرة من آسيان والشركاء الدوليين. انذاك اعتمدت كثير من العوامل المحلية والإقليمية على نجاح التنفيذ. اتهمت تايلاند كمبوديا بزرع ألغام جديدة مخالفة لوقف إطلاق النار، وهو ما نفته فنوم بنه بشدة. واتسع نطاق اتفاق السلام ليشمل إزالة الألغام على طول الحدود وسحب الأسلحة الثقيلة.

ما هو الوضع الحالي على الأرض؟
الهدنة صامدة في الوقت الراهن، لكن هشاشتها واضحة بسبب نزاعات محلية ومواقف سياسية متوترة داخل كلا البلدين. في مراسم أقيمت يوم الأحد، شكر رئيسا وزراء البلدين دونالد ترامب على وساطتهما؛ وذكَّر هون مانات ترامب بأن حكومته رشحت الرئيس الأمريكي لجائزة نوبل للسلام، وهي مبادرة دعم لها صدى دولي لكنه لم يحالفه الحظ بالفوز هذا العام.

في ظل التوترات، أغلقت الدول المعابر البرية بينهما، ما زعزع التجارة الثنائية التي بلغت قيمتها نحو 10.45 مليار دولار العام الماضي. وفي وقت سابق من الشهر نفسه، تقدّم هون سين، الزعيم السابق الذي لا يزال يتمتع بنفوذ، بشكوى إلى الأمم المتحدة بشأن بث “أصوات حادة ومزعجة” عبر الحدود. وذكرت لجنة حقوق الإنسان الكمبودية أن تايلاند قامت بـ«حرب نفسية» عبر مكبرات صوت بثت أصوات أشباح، وعويل أطفال، ونباح كلاب، وزعق طائرات هليكوبتر ليلاً منذ 10 أكتوبر.

كشف تقرير صحفي أن ناشطًا تايلانديًا على منصات التواصل، كانّاوات بونغبايبولوتشي المعروف بـ «كان تشومبالانغ»، كان وراء هذه الإذاعات الليلية في قريتين بمحافظة سيساكيت، وحصل على إذن من الفوج العسكري المسؤول عن أمن المحافظة لتنفيذ الحملة، بحجة طرد مستوطنين كمبوديين كانوا يتعدون على الأراضي التايلاندية. وقال أنوتين لصحيفة The Nation إنه لا يرى في هذه الوسيلة انتهاكًا لحقوق الإنسان: «لقد فعلنا ذلك لحماية سياادتنا.»

يقرأ  إرثه السياسي: جدل محتدم بين المعجبين الشباب والنقاد

مظاهر مدنية، من بينها مسيرة رهبان بوذيين من أجل السلام في فنوم بنه في 10 أغسطس 2025، عكست رفضًا شعبيًا لتصاعد العنف على الحدود.

هل ستصمد الهدنة؟
وصف تشيانغ فاناريث، محلل سياسي ورئيس مجلس استشاري الجمعية الوطنية الكمبودية، الإعلان المشترك بأنه «خطوة إيجابية ومهمة نحو استعادة السلام والطبيعة الطبيعية للأوضاع» في المنطقة. ورأى أن الهدنة ستبقى إلى حد ما، لكن المجتمع الدولي ملزم بمتابعة التنفيذ عن كثب، مشيرًا إلى الدور الحاسم الذي لعبه ترامب في التوصل إلى الاتفاق: «له وزن كبير في هذا الملف.»

مع ذلك، حذر فاناريث من أن الاستغلال السياسي الداخلي للتوترات في بانكوك «قد يبدل الديناميكيات». وفي قراءة مماثلة، قال ثيتينان بونجسودهيراك، أستاذ وباحث كبير في معهد الأمن والدراسات الدولية بجامعة تشولالونغكورن في بانكوك، إن حلف الآسيان سيواجه آثارًا مستمرة للصراع التايلاندي-الكمبودي في السنوات المقبلة، قد تمتد إلى تسلم الفلبين رئاسة التكتل العام المقبل وربما سنغافورة في 2027 بمناسبة الستين عاماً على تأسيس الآسيان.

رغم إحراز تقدم في مفاوضات خفض التصعيد وإعادة فتح محادثات الحدود، يرى ثيتينان أن حكومتي تايلاند وكمبوديا تبدوان محفزتين على تأجيج مشاعر القومية لأهداف داخلية وانتخابية. وفي تايلاند، من المرجح أن يحاول أنوتين استثمار مشاعر العداء تجاه كمبوديا لكسب نفوذ انتخابي قبل الانتخابات المتوقعة في الربع الثاني من العام المقبل. أما في كمبوديا، فقد يستغل هون مانات التذمر الشعبي ضد تايلاند لصيانة قبضته السياسية وتحويل الأنظار عن اتهامات تتعلق بمراكز احتيال وجريمة عابرة للحدود تستهدف البلاد.

الخلاصة أن الصراع التايلاندي-الكمبودي بات عبئًا ثقيلاً على الآسيان يتطلب استراتيجية مركزة للحد من آثاره وحلّه عبر آليات ثنائية وآليات التكتل، مع ضرورة أن تتخطى هذه الجهود أجندات واشنطن وبكين.

أضف تعليق