حوالي ثلاثين دقيقة داخل فيلم وثائقي جديد يتضمن شهادات لجنود إسرائيليين عن نشرهم في غزة، يتأمل أحد الجنود حال القطاع بعد أشهر من حرب إسرائيل المستمرة عليه: «حر رهيب. رمال. روائح كريهة. وقطط وكلاب تتجول في عصابات. تأكل الجثث … إنه مرعب … كأنها نهاية العالم من الزومبي. لا أشجار. لا شجيرات. لا طرق. لا شيء».
الفيلم الوثائقي «انشقاق الصفوف: داخل حرب إسرائيل» الذي عُرض على شبكة ITV البريطانية قدم عددًا من الجنود الإسرائيليين، بعضهم تحدث عن شعور بالخزي لمشاركتهم فيما يعترفون بأنه إبادة جماعية، وآخرون سردوا بلا تردد تفاصيل هذه الحرب وطبيعتها.
يتضمن العمل وصفًا لسياسة إطلاق نار تكاد تتجاهل السبب أو الدوافع، وتوثيقًا للتدمير الشامل للممتلكات والمنازل، والاستخدام المنهجي للدروع البشرية، والحرب بالطائرات المسيرة، والقتل العشوائي المرتبط بنظام تحويل المساعدات إلى سلاح.
«الناس لا يفكرون في الأمر»، يقول مشارك عُرف باسم إيلي أمام الكاميرا. «لأنه لو فكرت في الأمر، سترغب في قتل نفسك». ثم يضيف وهو يحاول السيطرة على صوته: «عندما تأخذ لحظة للتفكير، تريد أن تصرخ»، ووجهه مُغطّى لطمس هويته.
إطلاق نار بلا قيود
خلال عاميها من الحرب التي وُصفت بالإبادة على غزة، قتلت إسرائيل أكثر من ٦٩٠٠٠ شخص وأصابت مئات الآلاف. تقول وكالات دولية إن الأمر سيستغرق عقودًا قبل أن يتعافى القطاع، إن تعافى أصلاً. وتشير أجهزة استخبارات إسرائيلية إلى أن ٨٣ في المئة ممن قُتلوا في غزة كانوا من المدنيين.
«لا يوجد مدنيين في غزة»، تسمع هذه العبارة طوال الوقت، قالها دانيال، قائد في وحدة دبابات إسرائيلية. ومساهمة أخرى، النقيب نِيتا كاسبين، وصفت محادثة مع حاخام لواءها: «جلس بجانبي وقضى نصف ساعة يشرح لماذا يجب أن نكون مثلهم [حماس] في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣. يجب أن ننتقم من الجميع، حتى المدنيين … هذا هو الطريق الوحيد».
قاد الجناح المسلّح لحماس هجومًا على إسرائيل في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، خلاله قُتل ١٬١٣٩ شخصًا وأُخذ نحو ٢٥٠ رهينة.
وصف نقيب في فيلق المدرعات، يوتام فيلك، تعليق كل قواعد إطلاق النار على المدنيين — القاعدة التقليدية بوجوب توافر الوسيلة والنية والقدرة لتمثيل تهديد لجنود العدو لم تعد معترفًا بها. «لا وجود لمفهوم الوسيلة والنية والقدرة في غزة»، شرح فيلك. «الأمر مجرد ‘اشتبه في سير شخص حيث لا يُسمح له’»، في إشارة إلى الازدحام والفوضى داخل القطاع، حيث كانت حدود الحركة الدقيقة معروفة في الغالب للقوات الإسرائيلية فقط.
«أي شخص يتجاوز الخط يُتهم فورًا ويمكن أن يُعدم»، أضاف فيلك.
بروتوكول «البعوض»
طوال الحرب، أنفقت إسرائيل على إنكار تزايد الاتهامات بجرائم حرب من جهات متعددة، مدعية أنها تحقّق في أي ادعاءات موثوقة. ومع ذلك، بيّن تقرير لمنظمة بريطانية مراقبة العنف المسلح (AOAV) أن القليل من التحقيقات المحدودة التي أُجريت أدت إلى إجراءات فعلية.
ردًا على إنكار الجيش استخدامه للدروع البشرية، كان قائد دبابات يُدعى دانيال واضحًا: «الجيش يكذب». وشرح ممارسات روتينية تُعرف بـ«بروتوكول البعوض» — احتجاز مدنيين فلسطينيين وربط هاتف آيفون بجسدهم لاستخدامهم كمستكشفين عن بعد ضد مواقع مشتبه فيها. «كل كتيبة لها ‘بعوضتها’»، قال، في إشارة إلى الأسرى الفلسطينيين كأنهم حشرات: «ثلاثة فلسطينيين لكل كتيبة، تسعة إلى اثني عشر لكل لواء، ثم العشرات وربما المئات لكل فرقة».
استعاد بعض جنوده ضمائرهم وقرروا إطلاق سراح درعين بشريين مراهقين اعتقلوهم لمخاوف من خرق القانون الدولي، وفقًا لدانيال، الذي أضاف أن ضابطًا رفيعًا قال آنذاك: «لا يحتاج الجنود إلى معرفة القانون الدولي، فقط ‘روح الجيش الإسرائيلي’».
التدمير
خلال عامي الحرب، دمرت إسرائيل أو ألحقت أضرارًا بنسبة ٩٢٪ من المخزون السكني في غزة وشردت ما لا يقل عن ١٫٩ مليون شخص، وفقًا للأمم المتحدة، وكثيرون منهم تكرر تشردهم مرات عدة. استُهدفت كل المؤسسات — من الجامعات إلى المستشفيات — التي تشكّل نسيج المجتمع. أظهرت فيديوهات على وسائل التواصل نشرها جنود إسرائيليون مشاهدنه من النهب والسخرية من المنازل والممتلكات الفلسطينية.
«تحسّ أن كل يوم قد يكون يومك الأخير وأن بإمكانك فعل أي شيء»، قال مجند عرّف نفسه باسم يعقوب. «ليس بدافع الانتقام، بل لأنك قادر على ذلك». وروى مشاركون آخرون حرائق منازل فلسطينية روتينية أو احتفاءً بتسويتها بالبلدوزرات.
من قلب مستوطنة بيت إيل، تفاخر قاضي حاخامي يُدعى أفراهام زاربيف — والموضوع ضده شكوى بجرائم حرب أمام المحكمة الجنائية الدولية — بقيادته بلدوزر لتدمير منازل وممتلكات خلال وجوده في غزة. «أنشر الكثير من الفيديوهات»، يقول قبل أن يُقطع المشهد إلى لقطات له يقود بلدوزرًا وهدم منازل، بما يخالف بوضوح القانون الدولي. «حتى النهاية، حتى النصر، حتى الاستيطان. لن نتوقف حتى تُمحى هذه القرية»، يقول في الفيديو، ويصف كيف ترفع فيديوهاته «معنويات الجنود».
واستطرد زاربيف متباهياً بأنه من رائد تكتيك هدم البيوت بأكملها الذي أصبح شائعًا الآن: «غيّرنا سلوك جيش بأكمله»، تبجّح. «رفح مُسحت. جباليا مُسحت. بيت حانون مُسحت. شجاعية مُسحت». أما خان يونس فباتت أرضها مستطحة.
العار
تحت تشجيع إعلامي وجمهور وصفه أحد المشاركين في الفيلم، رقيب السرية يعقوب، بأنه لا يعرف — ولا يريد أن يعرف — ما يجري في غزة، روى جندي آخر تجربته وهو يجلس في قبو نصف عارٍ ويقتل فلسطينيين عن بعد عبر طائرة مُسَيَّرة.
أي حياة ليست اسرائيليّة لم تكن تكتسب أهمية تُذكر، قال إيلي، بينما شرح يعقوب أن الجنود في البرنامج الخاص الأميركي–الاسرائيلي للمساعدات، مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، كانوا «يفتحون النار حتى لو لم يروا تهديدًا ملموسًا».
اعترف بعض المشاركين بأنهم شاركوا في إبادة جماعية؛ بينما اكتفى آخرون بتقبّل الألم الذي تسببوا به.
قال يعقوب للكاميرا: «كل المساجد، تقريبًا كل المستشفيات، تقريبًا كل الجامعات، وكل مؤسسة ثقافية — دُمّرت».
«لقد دمرتم مجتمعًا. ليست هناك حاجة لقتل الناس واحدًا تلو الآخر حتى تمحو كل أثر للمجتمع الذي كان قائمًا هناك».
«آمل أن أجد وسيلة أعيش بها دون أن يلاحقني الشعور بالعار مع كل خطوة أخطوها.»