أونامانت، هايتي — في عصر يوم اثنين بمدرسة «الإيمان والفرح» في المنطقة الريفية بشمال شرق هايتي، يكسو باحة المدرسة بحر من الزيّ الخاكي والأزرق، حيث يركض مئات الأطفال بعد انتهاء وقت الغداء.
أمام مكتب المدير، يقف تحت ظل شجرة مانجو رجل طويل القامة يرتدي قبعة بيسبول.
انتوان نيلسون، 43 عاماً، أب لخمسة أطفال يدرسون في المدرسة. وهو أيضاً من صغار المزارعين الذين يزرعون الفاصولياء والموز الأخضر والبامية والبابايا ومحاصيل أخرى تُقدَّم في وجبة الغداء هنا، وقد جاء لمساعدة في إيصال الطعام.
«أنا أبيع ما تقدمه المدرسة»، يشرح نيلسون. «هذا ميزة لي كأحد أولياء الأمور».
نيلسون واحد من أكثر من 32 ألف مزارع في أنحاء هايتي تُورِّد محاصيلها لبرنامج الأغذية العالمي، الوكالة التابعة للأمم المتحدة، ليتم توزيعها على المدارس المحلية.
تكفّل هؤلاء المزارعون بإطعام ما يُقدَّر بنحو 600000 تلميذ يومياً.
وتندرج جهودهم ضمن تحول في طريقة عمل برنامج الأغذية العالمي في هايتي، أفقر دول نصف الكرة الغربي.
فبدلاً من الاكتفاء باستيراد الغذاء إلى مناطق منكوبة بالأزمة، راح البرنامج يوسّع شراكاته مع المزارعين المحليين حول العالم.
لكن في هايتي كان هذا التحوّل أسرع من غيره. خلال العقد الأخير، انتقل برنامج الأغذية العالمي من الاعتماد على مصادر خارجية لوجبات المدارس إلى الحصول على نحو 72 في المئة من تلك الوجبات محلياً. ويهدف للوصول إلى 100 في المئة بحلول عام 2030.
كما ارتفعت مشتريات المنظمة المحلية من المساعدات الغذائية الطارئة بصورة ملحوظة خلال الفترة نفسها.
إلا أن هذا العام جلب معه عقبات جديدة. ففي الأشهر الأولى من فترة رئاسة دونالد ترامب الثانية، قلّصت الولايات المتحدة تمويلها لبرنامج الأغذية العالمي.
وأعلنت الوكالة في أكتوبر أنها تواجه عجزاً مالياً بقيمة 44 مليون دولار في هايتي وحدها خلال الأشهر الستة المقبلة.
ولا تزال الحاجة إلى المساعدة تتزايد: العنف العصابي أغلق الخدمات العامة، وعطّل الطرق، وشرّد أكثر من مليون شخص.
وبحلول أكتوبر، كان 5.7 مليون هايتي يواجهون «مستويات حادة من الجوع» — أكثر مما يستطيع برنامج الأغذية العالمي الوصول إليه.
«تتجاوز الاحتياجات الموارد باستمرار»، قالت وانجا كاريا، مديرة البرنامج في هايتي، في بيان حديث. «ببساطة، ليس لدينا الموارد لتلبية كل الحاجات المتنامية».
لكن بالنسبة لنيلسون، كانت مبادرات مثل برنامج غداء المدرسة شريان حياة.
قبل مشاركته، يتذكر أياماً لم يكن يستطيع فيها تأمين فطور لأولاده أو أن يعطيهم مصروف الغداء المدرسي.
«لم يكن الأطفال يستوعبون ما يقوله المعلم لأنهم جياع»، قال. «لكن الآن، عندما تقدّم المدرسة طعاماً، يحفظون ما يقوله المعلم. هذا يساعد الأطفال على التقدّم في المدرسة».
يحذر الخبراء الآن من أن بعض برامج المساعدة الغذائية قد تتلاشى إذا استمر تآكل التمويل — وهو ما قد يعيد عقارب الساعة إلى الوراء في مساعي تمكين المزارعين الهايتيين.