الفنانون الفلسطينيون: حمل روح «رؤى جديدة» للصمود — الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

في هدوء مرسمه في رامالله، يعمل الفنان الفلسطيني نبيل عناني بتركيز على أعمال فنية متجذّرة في حركة شارك في تأسيسها خلال الاضطرابات السياسية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي.

في عام 1987 أسّس عناني مع زملائه الفنانين سليمان منصور وفيرا تماري وتيسير بركات حركة «الرؤى الجديدة»، التي قامت على مبدأ استخدام المواد المحلية الطبيعية وامتناع عن الاعتماد على المستلزمات الإسرائيلية كوسيلة مقاومة ثقافية. أولت الحركة أولوية لاستقلالية الإنتاج في زمن غليان سياسي عميق في فلسطين المحتلة.

«[الرؤى الجديدة] ظهرت كردّ فعل على ظروف الانتفاضة»، يقول عناني، مضيفًا أن أفكار المقاطعة والاعتماد على الذات حفّزت تحولًا في ممارستنا الفنية آنذاك.

اختار كل من المؤسسين العمل بمواد محددة طوّروا من خلالها أساليب فنية جديدة تتناسب وروح ذلك الزمن. انتشرت الفكرة فأعقبتها معارض محلية وإقليمية ودولية عديدة.

بعد ما يقرب من أربعة عقود، تستمر مبادئ «الرؤى الجديدة» — الاستقلالية، والمقاومة، والخلق في ظلّ الشح — في تشكيل جيل جديد من الفنانين الفلسطينيين الذين صار الفن بالنسبة إليهم تعبيرًا وسبيلًا للبقاء في آن واحد. عناني، الذي بلغ الثانية والثمانين الآن، ومعه زملاؤه المؤسسون، يواصلون إحياء إرث الحركة.

لماذا «الرؤى الجديدة»؟
سمّيناها «الرؤى الجديدة» لأن الحركة، في جوهرها، احتوت روح التجريب، لا سيما من خلال الاستفادة من المواد المحلية، يوضّح عناني، مشيرًا إلى اكتشافه لغنى جلود الغنم وملمسها وتدرجات ألوانها وكيف بدأ يدمجها في أعماله بطرق استدعائية.

في عام 2002، شرعت تماري، التي تجاوزت الآن الثمانين، في زراعة أشجار زيتون خزفية تحلّ محل كل شجرة حقيقية أضرم مستوطن إسرائيلي النار فيها، ضمن تركيب نَحْتي حمل عنوان «حكاية شجره». لاحقًا غلّفت قطع الخزف بالألوان المائية — وسائل لا تختلط عادة — متحدّية حدود كل مادة، ودمجت في أعمالها صورًا عائلية ومناظر محلية وعناصر سياسية.

أمّا بركات، البالغ من العمر ستة وستين عامًا، فقد صنع أصباغه الخاصة ثم شرع في إحراق أشكال على الخشب، محوّلًا التلف السطحي إلى لغة بصرية.

يقرأ  نيجيريا تستبدل كبار المسؤولين الأمنيين بعد أيام من نفي محاولة انقلاب

يقول منصور، الذي يبلغ ثمانية وسبعين عاماً، إن فنانين آخرين تبنّوا الأرض والجلد والأصباغ الطبيعية بل حتى تكسر المواد كجزء من السرد. ويضيف أنه شخصيًا كان قد بلغ نوعًا من «النهاية المسدودة» في عمله قبل ظهور حركة الرؤى الجديدة، إذ أمضى سنوات في إنتاج أعمال تركز على الرموز الوطنية والهوية التي بدأت تبدو متكررة. «كان هذا مختلفًا. أذكر أنني شعرت بالقلق في البداية من الشقوق في الطين الذي كنت أستخدمه،» يقول، «لكن مع الوقت رأيت في تلك الشقوق دلالة صادقة وقوية.»

في 2006، ساهمت المجموعة في إنشاء الأكاديمية الدولية للفن فلسطين في رامالله، التي ظلت مفتوحة لعشر سنوات قبل أن تندمج ضمن جامعة بيرزيت لتصبح كلية الفن والموسيقى والتصميم. كان الهدف الأساسي للأكاديمية مساعدة الفنانين على الانتقال من طرائق تفكير قديمة إلى مناهج أكثر عصرية، وبالأخص عبر توظيف مواد محلية ومتنوّعة.

«خرج من ذلك جيل جديد نشأ على هذه الأفكار، وشارك في معارض عديدة محليًا ودوليًا، كلها تأثرت بحركة الرؤى الجديدة»، يقول عناني.

إرث محفوظ لكنه مُعرَّض للاختبار
يتردّد صدى مبادئ الحركة في عمل لارا سلّوص، المصممة والفنانة الفلسطينية البالغة من العمر ست وثلاثين عامًا والمقيمة في رامالله. «أستلهم من الرسالة الجماعية للحركة. إصراري على استخدام المواد المحلية ينبع من اعتقادي بضرورة تحرير اقتصادنا ونزع استعماره»، تقول.

«علينا الاعتماد على مواردنا الطبيعية وإنتاجنا، والعودة إلى الأرض، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية ودعم صناعاتنا المحلية»، تضيف سلّوص.

من خلال مشروعها الاجتماعي «وول ووِمان»، تعمل سلّوص مع مواد محلية وشبكة من الرعاة والناملات والحرفيين لصناعة أثاث معاصر — مثل كراسي من الصوف والنول — مستلهمة تقنيات بدوية قديمة.

إلّا أن تحديات متنامية مثل كثرة الحواجز وتزايد العنف الاستيطاني ضد مجتمعات البدو الفلسطينيين، التي تعتمد على رعي الغنم كمصدر دخل أساسي، جعلت من العمل والعيش كفنان في الضفة الغربية أمراً أكثر صعوبة.

يقرأ  عشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين يتضورون جوعًا في مخيمات الخيام بقطاع غزة

«أتعاون مع رعاة ونساء ينسجن الصوف في العوجا ومسافر يطا»، تقول سلّوص، في إشارة إلى منطقتين ريفيتين في الضفة تتعرضان لضغط شديد من الاحتلال وتوسع المستوطنات. «تواجه هذه المجتمعات مواجهات يومية مع المستوطنين الذين يستهدفون قطيعهم، ويمنعون الرعي، ويقطعون مصادر المياه مثل عين العوجا، ويهدمون الآبار بل ويستولون على المواشي.»

في يوليو الماضي، أوردت وكالة رويترز حادثة في غور الأردن بالضفة حيث قتل مستوطنون 117 رأسًا من الغنم وسرقوا مئاتٍ أخرى في هجوم ليلي على إحدى تلك المجتمعات.

تجعل مثل هذه المخاطر النساء الفلسطينيات اللواتي تعتمد سبل عيشهنّ على «وول ووِمان» في وضع هش ومعرض للخطر. أصبحت عدة نسّاجات يَعمَلن مع سالوس ويُدعِمْن مشروعها المعيل الوحيد لأسرهن، لا سيما بعدما فقد أزواجهن وظائفهم بسب حظر تصاريح العمل الإسرائيلية عقب هجمات حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 واندلاع حرب غزة.

أصبح اقتحام المجتمعات التي يعيش فيها مورِّدو الصوف شبه مستحيل لسالوس، التي تخشى تعرضهن لهجمات من المستوطنين الإسرائيليين.

خروج نبيل عناني إلى النور — جلد ووسائط مختلطة على خشب (من أعمال نبيل عناني)

وفي الوقت نفسه، غالبًا ما يضطر شركاؤها إلى إعطاء الأولوية لسلامتهم وحماية قراهم، مما يعرقل قدرتهم على إنتاج الصوف الذي يعتمدون عليه في كسب معيشتهم.

وبناءً على ذلك، واجهت المصمِّمة تأخيرات ومشكلات في سلاسل التوريد، ما صعّب عليها استكمال وبيع أعمالها.

ويواجه نبيل عناني تحديات مماثلة في الحصول على الجلود. «حتى في مدن مثل رام الله أو بيت لحم، حيث قد يكون الوضع أكثر استقرارًا نسبيًا، ثمة صعوبات جسيمة، خصوصًا في الوصول إلى المواد والتنقّل»، قال. «أعمل بجلود الأغنام، لكن الحصول عليها من الخليل صعب للغاية بسبب الحواجز وقيود الحركة.»

يقرأ  إسرائيل تكثّف قصفها بينما تتوغل دباباتها عميقًا في مدينة غزة — أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

الإبداع أم البقاء؟

في غزه، يستلهم الفنان الشاب حسين الجرجاوي (18 عامًا) من إرث حركة “الرؤى الجديدة” ومعناها، مشيرًا إلى أن أسلوب منصور في التعبير عن ظروف الاحتلال ألهمه. ونظرًا إلى ندرة المواد مثل اللوحات القماشية وغلو ثمنها، أعاد الجرجاوي استخدام أكياس الدقيق التي توزّعها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كقماش لرسوماته، مستخدمًا طلاء الجدران أو الأقلام الرصاصية البسيطة لرسم بورتريهات عن العالم المحيط به.

في يوليو، أفاد الفنان أن أكياس الدقيق لم تعد متوفرة نتيجة الحصار المفروض على دخول الغذاء والمساعدات إلى قطاع غزة. حسين الجرجاوي يستخدم أكياس دقيق فارغة من الأونروا كسياقات لأعماله التي تجسّد الحياة اليومية في غزة (من أعمال حسين الجرجاوي)

«لا توجد أكياس دقيق في غزة، لكنني لا أزال أفكّر في شراء أكياس فارغة لإنهاء رسوماتي»، قال.

الفنان الغزّي المولود حازم حرب، المقيم الآن في دبي، يثني أيضًا على حركة “الرؤى الجديدة” باعتبارها مصدر إلهام دائم طوال مسيرته الفنية الممتدة لعقود. «تشجّع حركة الرؤى الجديدة الفنانين على دفع الحدود وتحدي الأشكال التقليدية، وأسعى لتجسيد هذا الروح في أعمالي»، قال، مشيرًا إلى صعوبة تأمين المواد من غزة التي يحتاجها في أعماله. «الاحتلال المستمر كثيرًا ما يعطّل سلاسل الإمداد، ما يجعل من الصعب الحصول على المواد اللازمة. كنت أعتمد غالبًا على الموارد المحلية والأشياء المعاد ابتكارها، معادًا توظيف المواد بشكل خلاق لنقل رسالتي.»

قال عناني إن الظروف في غزة تجعل الوصول إلى المواد المحلية شبه مستحيل، وأضاف أن العديد من الفنانين يكافحون لكنهم لا يزالون يصرّون على صنع الفن بما يتوفر لديهم. «أعتقد أن الفنانين في غزة يستخدمون أي شيء متاح — أشياء محترقة، رمل، مواد بسيطة من بيئتهم»، قال. «ومع ذلك، يواصلون الإبداع بطرق بسيطة تعكس قسوة هذه اللحظة.»

أضف تعليق