شهدت باكستان فيضاناتٍ كارثية ناجمة عن أمطارٍ غزيرة متواصلة منذ منتصف أغسطس، أسفرت عن سقوط مئات القتلى وتشريد أعداد كبيرة من السكان.
أين كانت المناطق الأكثر تضرراً؟
– أقسى الأضرار كانت في منطقة بونر بمقاطعة خيبر بختونخوا شمال‑غرب البلاد، حيث تجاوز عدد القتلى مئتي شخص، وتضررت مساكن وبنى تحتية عامة بصورة واسعة منذ 14 أغسطس.
– تضررت أيضاً مناطق جبال الهيمالايا في غلغت‑بلتستان والأجزاء الخاضعة لإدارة باكستان في كشمير.
– في الجنوب، غمرت مياه الأمطار مدينة كراتشي (حوالي 20 مليون نسمة) بعد هطول غزير يوم الثلاثاء، فشوهدت سيارات ودراجات نارية مغمورة بالمياه في مقاطع متداولة على وسائل التواصل.
حجم الخسائر البشرية والممتلكات
– أدت الفيضانات والانهيارات الأرضية منذ بداية موسم الرياح الموسمية في يونيو إلى مقتل ما يقرب من 759 شخصاً بينهم 186 طفلاً، وإصابة 993 آخرين.
– تضررت أكثر من 4,000 منزل خلال تلك الفترة.
– فقط خلال يومي الأربعاء والخميس سجّلت السلطات عشرات الوفيات والإصابات في محافظات متعددة، بحسب هيئة إدارة الكوارث الوطنية (NDMA).
عمليات الإنقاذ والإغاثة
– أعلنت NDMA أن أكثر من 25,000 شخص نُقلوا من مناطق الخطر، وفتحت مخيمات طبية نشطة عالجت نحو 2,300 مريض في خيبر بختونخوا. كما شارك الجيش والقوات الجوية في عمليات الإنقاذ وتوزيع مواد الإغاثة.
– تُبذل جهود لتأمين المأوى وإيصال الإمدادات الأساسية للمتضررين، لكن البنية التحتية المتضررة تعقّد عمليات الوصول لبعض المناطق الجبلية.
ما الذي يسبب هذه الفيضانات الشديدة؟
هناك عوامل متداخلة تفسّر شدة الفيضانات:
1) التغير المناخي
– ارتفاع درجات الحرارة يزيد من قدرة الغلاف الجوي على احتجاز بخار الماء، ما يؤدي إلى هطولات أقوى وأكثر كثافة خلال فترات قصيرة. كما يسرّع ارتفاع الحرارة ذوبان الأنهار الجليدية شمال البلاد، مسبباً انفجارات بحيرات جليدية (GLOFs) كما حدث في منطقة هونزا مع إبّان تضرّر أراضٍ وبُنى تحتية.
– رغم أن باكستان تسهم بأقل من 1% من انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً، إلا أنها من أكثر الدول تكبداً لتأثيرات الكوارث المناخية.
2) هطول شديد ومكثف خلال فترات قصيرة
– بلغت معدلات المطر مكثفات جداً في بعض المناطق؛ في بونر مثلاً سُجّلت أكثر من 150 ملم خلال ساعة واحدة، مما أدى إلى جريان سطحي هائل وانهيارات طينية.
3) ضعف قدرة التربة والغطاء النباتي على الامتصاص
– في المناطق الريفية الجبلية، يتسبب هطول المطر السريع في جريان سطحي لأن التربة لا تملك وقتاً كافياً لامتصاص المياه، فتحدث سيول وانزلاقات أرضية تدمّر المنازل حتى على المنحدرات.
4) مشكلات شبكات التصريف في المدن
– تعتمد كراتشي إلى حد بعيد على مصارف طبيعية (نلاح/قنوات مائية) لتصريف مياه الأمطار، لكن تراكم النفايات الصلبة (أكثر من 20,000 طن يومياً) يؤدي إلى انسدادها. كما أن تنظيفها مرة قبل الموسم وحده لا يكفي، لأن الأمطار قد تهطل في أي وقت من السنة.
5) التحضر السريع وغير المخطط والهجرات الريفية‑الحضرية
– التوسع العمراني السريع يقلل المساحات الطبيعية القابلة للامتصاص ويزيد جريان السطح، بينما تتوطّن الأسر الفقيرة في مستوطنات عشوائية قرب مجاري المياه أو داخلها، ما يعرضها للخطر.
6) إزالة الغابات وإدارة الأنهار الضعيفة
– فقدان الغطاء النباتي في المناطق العليا يخفض قدرة الأراضي على احتجاز المياه، ويزيد كمية الجريان نحو الأنهار، كما أن غياب أحزمة حماية ومجالس تحكم في ضفاف الأنهار يفاقم الفيضانات النهرية.
7) قيود في أنظمة الإنذار المبكر
– النماذج المتاحة أحياناً لا تلتقط الفروق الإقليمية والمحلية بدقة، ما يحدّ من فعالية التنبؤ بالهطولات الشديدة على نطاقات صغيرة، ويجعل المدن الصغيرة مُهمّلة في الدراسات والتخطيط.
ما الإجراءات الممكن اتخاذها للتخفيف من الفيضانات؟
– نهج متعدد الأوجه يجمع بين تدابير بنيوية وغير بنيوية: بناء وصيانة شبكات تصريف ومخازن مائية، استعادة المجاري الطبيعية، تنفيذ بنى خضراء حضرية (أرصفة نافذة، حدائق مطرية، أراضٍ مصفّحة) للحد من الجريان.
– منع البناء في المناطق المعرضة للفيضانات وتخطيط حضري منظم يحدّ من التوسع العشوائي.
– تحسين أنظمة الإنذار المبكر بدقة إقليمية أكبر، وتعزيز تنسيق إدارة الكوارث وتدريب المجتمع المحلي على الاستجابة، وتضمين الخبراء والعلماء في صنع السياسات.
– تبنّي تخطيط متكامل بين وزارات المياه والزراعة والتنمية والصناعة والمناخ، إذ لا يمكن مواجهة المشكلة كل على حدة.
الحالة الراهنة وتوقّعات الطقس
– أزالت السلطات تجمعات المياه في بعض مناطق الشمال الغربي لكن الشيء المؤكد أن البنى التحتية تضررت. في كراتشي أعلنت إدارة المعلومات في إقليم السند إزالة مياه الأمطار من عدة أحياء مثل نورث ناظم آباد، صفورة، كليفتون، ولياقت أباد، مع استمرار تقارير عن تجمعات في شوارع رئيسية. (هناك منشورات تحذر من تراكمات قرب شارع تشندريغار الرئيسي).
– هيئة إدارة الكوارث أصدرت تنبيهاً بحدوث أمطار غزيرة جديدة خلال 12–24 ساعة المقبلة في مدن السند بما في ذلك كراتشي وحيدر آباد وتاتّا وبادين وميربور خاس وسكّر والمناطق المجاورة، مع تقدير لهطول قد يتجاوز 50‑100 ملم في فترات قصيرة، مما يزيد احتمال فيضانات حضرية. كما نبهت إلى مخاطر ارتفاع منسوب نهر السند وفروعه، وتأثر الطرق السريعة وشبكات النقل والكهرباء والاتصالات.
توصيات للسكان في المناطق المعرضة
– نقل الماشية والأمتعة الثمينة إلى أماكن مرتفعة ومأمونة، تجهيز مؤن الطوارئ، توخي الحذر عند استخدام الأجهزة الكهربائية، وتجنّب عبور الطرق المغمورة أو الاقتراب من أعمدة الكهرباء.
خلاصة
باكستان تواجه تجمعاً من العوامل المناخية والبيئية والبنائية التي تجعلها عرضة لفيضانات متزايدة الشدة. الحل يحتاج إلى إجراءات فورية لإنقاذ المتضرّرين، وخططٍ طويلة الأمد للتكيّف والحدّ من المخاطر عبر تخطيط متكامل، بنى تحتية مرنة، وحماية الغطاء النباتي في المنابع. الاقليم بحاجة إلى تعاون محلي ودولي لمعالجة هذه الأزمات المتكررة.