تقرير إنساني: كارثة غذائية وصحية تُخنق العاصمة
أظهر تقييم حديث أن 97٪ من الأسر في الخرطوم تعاني من ندرة حادة في الغذاء، بينما يعمّ شبه انهيار منظومة الرعاية الصحية في أرجاء المدينة، كاشفاً عن حجم الكارثة الإنسانية التي أصابت البلاد المُمزقة بالحرب. الوزارة الأُسِّسِيّة لهذه المعطيات أُنجزت على يد المنظمتين الإنسانيّتين «ميديكال تيمز إنترناشونال» و«المعونة النرويجية للكنيسة».
التقييم، الذي شمل أكثر من 1,250 أسرة و70 مرفقاً صحياً بين شهري أغسطس وسبتمبر، وجد أن ثلاثة أرباع العائلات يستهلكون أقل من 1,800 سعرة حرارية يومياً، وأن 97٪ من الأسر تعاني عجزاً في الإمدادات الغذائية. وحذّر ديرك هانيكوم، مدير البرنامج القطري للمعونة النرويجية في السودان، من أن الوضع في المناطق النائية ذات الصراعات قد يكون أكثر سوءاً بكثير إذا كانت العاصمة بهذه الحدة.
على صعيد الصحة، تبين أن 43٪ فقط من المرافق الصحية في الخرطوم ما تزال تعمل، فيما لا تتمكن سوى 14٪ من النساء من الولوج إلى خدمات الوضع الآمن. تعاني الغالبية العظمى من المنشآت نقصاً حادّاً في الأدوية الأساسية؛ فقد أفادت 70٪ منها بعدم توفر مضادات حيوية. وقال بيرهانُو واكا، المدير القطري لـ«ميديكال تيمز إنترناشونال»، إن هذه البيانات يجب أن تُوجّه جهوداً عاجلة لإصلاح النظام الصحي وسط «معاناة لا تُطاق».
الخلفية العسكرية: استعاد الجيش السيطرة على الخرطوم من قوات الدعم السريع في مارس، وأعيد فتح مطار العاصمة للرحلات الداخلية في أكتوبر. مع ذلك، تواصل قوات الدعم السريع السيطرة على مساحات واسعة من غرب السودان بما فيها دارفور، بعد استيلائها على مدينة الفاشر أواخر أكتوبر.
تدهور أمني إنساني في جبنودفان (ببنوسة) والخطر المتصاعد
في مدينة بننوسة المتنازع عليها بولاية غرب كردفان، حيث اندلع قتال عنيف هذا الأسبوع وأعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها عليها، تبدو الأوضاع أكثر قتامة. أفاد «شبكة الأطباء السودانيين» بأن قوات الدعم السريع احتجزت أكثر من مائة أسرة من بينهم أطفال ونساء حوامل في ظروف خطرة، وتعرض بعض المعتقلين للضرب.
وأصدرت الأمم المتحدة تحذيراً عاجلاً ينذر بأن كردفان قد تواجه موجة جديدة من الفظائع الجماعية؛ وقال مفوض حقوق الإنسان الأممي فولكر تورك إن التاريخ «يعيد نفسه» في المنطقة بعد سقوط الفاشر الشهر الماضي، حيث أُهمِلَت تحذيرات مبكرة. وذكرت تقارير إعلامية، نقلاً عن إحاطات لمشرعين بريطانيين، أن ما لا يقل عن 60,000 شخص قُتلوا في الفاشر خلال ثلاثة أسابيع بعد سقوط المدينة، بينما لا يزال نحو 150,000 من سكانها غير معروف مصيرهم. وتظهر صور الأقمار الصناعية التي نشرها مختبر البحوث الإنسانية بجامعة ييل أن المدينة تبدو كبلدة أشباح.
حصيلة بشرية ومأساة ممتدة
لا يزال العدد الإجمالي لضحايا الحرب في السودان غير مؤكد، لكن التقديرات تشير إلى أنه يتجاوز مئة ألف قتيل، مع نزوح يقارب 12 مليون شخص وفق إحصاءات الأمم المتحدة، وأكثر من 24 مليون سوداني يواجهون الآن جوعاً حاداً. وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن إدارته ستقود الجهود لإنهاء الصراع، فيما وصفه وزير الخارجية ماركو روبيو بأنه «الزعيم الوحيد القادر على حل أزمة السودان».
مع ذلك، تَعثّرت مفاوضات السلام، واستمرت هجمات قوات الدعم السريع في مناطق متفرقة من البلاد رغم إعلانها وقفاً أحادياً للأعمال القتالية، في وقت تطالب فيه القوات المسلحة الجيشَ بإنسحاب الميليشيا من الأراضي التي استولت عليها.
الخلاصة: الأرقام والحقائق المعروضة تؤكد أن الأزمة في السودان بلغت مدًى كارثياً يتطلب استجابة إنسانية دولية عاجلة ومخططاً مُنسّقاً لإعادة تشغيل الخدمات الأساسية وحماية المدنيين من المزيد من الانتهاكات. الان تواجه البلاد اختباراً حاسماً لإمكانية تجنُّب مزيد من الكوارث الإنسانية.