يحذّر خبراء من أن ضربات الزوارق الأمريكية تشكّل عمليات قتل غير قانونية — فهل يمكن وقفها؟

منذ مطلع سبتمبر، شنت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 22 ضربة عسكرية معلنة استهدفت زوارق يُزعم أنها تنقل مخدّرات قبالة سواحل دول أميركا اللاتينية، وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل 86 شخصاً على الأقل. خبراء قانونيون ومسؤولون دوليون يصفون هذه العمليات بأنها خروقات واضحة للقانون وتشكل أعمال قتل خارج إطار القضاء.

تؤكد الأصوات النقدية أن الحملة المميتة لإدارة ترامب لا تُظهر بوادر تراجُع، وأن ثمة تحوّلاً مقلقاً نحو توظيف القوة العسكرية لمكافحة أنشطة إجرامية تقليدياً. بن سول، المقرر الخاص للأمم المتحدة لشؤون مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان، قال إن ما حدث أثار دهشته واصفاً إياه بأنه دليل على افتقاد الإدارة الحالية لأي احترام للقانون الدولي لقواعد استخدام القوة.

يمثّل الوضع مؤشراً على تصاعد الإفلات من العقاب لدى الدول القوية. ومع وجود إجماع واسع لدى الأكاديميين على خرق ترامب للقانون الدولي، تبقى الآليات القانونية والسياسية القادرة على إيقاف حملة القصف هذه غير واضحة. كما قال سول: ضبط نفوذ قوة عظمى مثل الولايات المتحدة أمر بالغ الصعوبة، والضغط يجب أن يأتي من الداخل الأميركي أولاً.

آليات رقابية محتملة
على الصعيد الداخلي، يمتلك الكونغرس سلطة تشريع قيود تمنع مثل هذه الضربات أو قطع التمويل عنها، كما أن أفراد القوات المسلحة المشاركين قد يرفضون تنفيذ أوامر يعتبرونها غير قانونية. يمكن أيضاً للدول الشريكة أن تحدّ أو توقف تبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن.

إلا أن المحاولات العملية لاحتواء الإدارة كانت محدودة. فقد صوت مجلس الشيوخ الأميركي مرتين ضد تشريعات كانت تتطلب الحصول على تفويضٍ من الكونغرس قبل استمرار حملات القصف، الأولى بأغلبية 51 مقابل 48 والثانية 51 مقابل 49. ترددت أنباء عن مفاوضات بريطانية وكولومبية لوقف مشاركة معلومات من منطقة الكاريبي، لكن مسؤولين من البلدين قللوا من شأن هذه التقارير—ووصف وزير الداخلية الكولومبي أرماندو بينيديتي الموقف بأنه «سوء فهم».

يقرأ  تزايد الدعوات لإطلاق سراح الدكتور حسام أبو سفيّة من غزةبعد إبرام اتفاق وقف إطلاق النار

ضغوط على آليات الفحص القانوني
واجهت آليات التدقيق القانوني السياسي ضغوطاً أيضاً؛ فقد نقلت وسائل إعلام بأن محامين عسكريين (محامو القضاة العسكريون JAG) الذين شككوا في شرعية الحملة الهجومية تمّ تهميشهم أو فصلهم. وزير الدفاع بيت هيغسِث صرّح سابقاً بأنه لا يريد محامين عسكريين أن يكونوا «عقبات» أمام سياسات البيت الأبيض. من جانبها، سارة هاريسون، المحللة في مجموعة الأزمات الدولية والتي سبق أن شغلت منصب مستشارة عامة مساعدة بوزارة الدفاع، اعتبرت أن الإدارة عملت عن قصد على إضعاف الأعراف المؤسسية والضوابط القانونية التي تحول دون إساءة استخدام القوة العسكرية. باختصار، الحواجز الرقابية داخل المؤسسة تآكلت.

الإطار القانوني الدولي
توجد نصوص قانونية واضحة تحظر مثل هذه عمليات القتل خارج نطاق القضاء. تنص المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة بصورة أساسية على منع استخدام القوة بين الدول إلا في حالات الدفاع المشروع. كما تحظر اتفاقيات جنيف العنف العسكري ضد «أشخاص لا يشاركون بنشاط في الأعمال العدائية». ممارسات «الضربات المزدوجة» التي تتبعها الإدارة—أي تنفيذ هجوم ثانٍ لقتل ناجين من الأول— تثير مخاوف إضافية، فيما يحظر قانون لاهاي سياسات «لا رحمة تُمنح» التي تأمر الجنود بإعدام من كان يمكن أن يُؤسر.

وردت الإدارة الأميركية بأن ضحايا تلك الزوارق كانوا يحملون كميات قاتلة من المخدرات، وأن مهربي المخدرات يندرجون في فئة «مقاتلين غير شرعيين» وأن نقلهم للمخدرات يشكل هجوماً على الولايات المتحدة. المتحدث باسم البنتاغون شون بارنيل قال إن العمليات الجارية في منطقة الكاريبي «قانونية بموجب القوانين الأميركية والدولية، وأن المحامين على مختلف المستويات شاركوا في مراجعة هذه العمليات قبل تنفيذها».

نقاش أكاديمي وقانوني محتدم
غير أن علماء القانون يعتبرون حجج الإدارة واهية. ريبيكا إنجبير، أستاذة بكلية ييل للحقوق والتي عملت مستشارة لوزارة الخارجية سابقاً، ترى أن الإدارة حاولت طمس الفاصل بين نشاط إجرامي وبين هجوم مسلّح يبرر ردّاً عسكرياً. شبيّهة كلامهم بمزج وثائق وتحليلات عن استخدام القوة على مدار ربع قرن، وإلقائها في «جروك» لإخراج مسوغات قانونية جاهزة؛ ثم استخدام مصطلحات مثل «نزاع مسلح» و«إرهابي» لمنح نفسها سلطة غير محدودة.

يقرأ  المحكمة العليا الأمريكية تسمح لترامب بإقالة مفوض لجنة التجارة الفيدرالية مؤقتًا — أخبار المحاكم

الكونغرس الميّال
لم تكن هذه هي المرَّة الأولى التي تثير فيها رئاسة مخاوف حول التوسّع في استعمال القوة؛ إذ اعتمد رؤساء سابقون بعد 11 سبتمبر 2001 على تفويضات استخدام القوة (AUMFs) لصالح ضربات في العراق وأفغانستان والصومال واليمن في إطار «الحرب على الإرهاب»، وقد توسّع تطبيق هذه التفويضات تدريجياً على مجموعات وصراعات جديدة. ينتقد المراقبون هذا التمدّد بوصفه إخلالاً بتوازن السلطات وإضعافاً للرقابة والشفافية.

على الرغم من أن دستورية إعلان الحرب وصلاحية تفويض العمليات العسكرية لا تزال من صلاحيات الكونغرس، فإن كثيرين من النواب المحافظين ترددوا في تحدّي ترامب، الذي يمسك بنفوذ داخل الحزب الجمهوري، بينما قبل آخرون رواية الإدارة التي تصف الضربات كجهود لمكافحة المخدّرات. نائبان جمهوريان فقط، راند بول وليزا موركوفسكي، انضما إلى الديمقراطيين في التصويت لمحاولة وقف قصف القوارب.

الرأي العام والمخاطر
أمل بعض الخبراء أن الجمهور سيختار ممثلين أكثر تصميماً على تقييد العمليات العسكرية، لكن حتى الآن لا تبدو غالبية الناخبين منزعجة بشدة: استطلعت شبكة سي بي إس الشهر الماضي رأي الجمهور فكان 53٪ يؤيّدون الضربات مقابل 47٪ معارضين. إنجبير لاحظت أن عقود الحرب على الإرهاب قد جرت تطبيع استخدام القوة خارجياً لدى الجمهور—كأن الضفدع قد سُلق تدريجياً حتى اعتاد الناس على الفكرة.

الفرق الخطير الآن، بحسب الخبراء القانونيين، هو تحويل سلطات زمن الحرب إلى مواجهة أنشطة إجرامية. آنّي شيل، مديرة مكتب الولايات المتحدة في مركز المدنيين في النزاع (CIVIC)، حذّرت بأن الرئيس يطالب الآن بسلطة «قتل أي شخص يتّهِمُه بجريمة دون مساءلة»، وأن غياب مبدأ التقييد يجعل المخاطر هائلة بالنسبة للناس داخل الولايات المتحدة وخارجها.

الخلاصة واضحة: المواجهة بين حجج الإدارة وقيود القانون الدولي والدستوري لا تزال محتدمة، والآليات التي يمكن أن توقف أو تحدّ من هذه الحملة العسكرية لا تزال محدودة ومرهونة بإرادة داخلية وخارجية غالباً ما تكون ضعيفة أو مترددة. ومع تآكل الضوابط، تبقى النتيجة إمكان توسّعٍ خطير في استخدام القوة باسم مكافحة الجريمة.

يقرأ  الهيئة التجارية الهندية: جدول سداد رسوم تأشيرة إتش ١ بي المفروض من الولايات المتحدة يثير القلق

أضف تعليق