أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على ثلاثة من أبناء أخوات زوجة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وعلى ست ناقلات وبواخر نفط ترفع العلم الفنزويلي ومرتبطة بها، في سياق تصاعد التوتر السياسي بين واشنطن وكاراكاس.
جاء هذا التحرك من إدارة دونالد الرئس ترامب يوم الخميس، بعد يوم واحد فقط من استيلاء قوات أمريكية على ناقلة نفط أخرى تدعى “سكيبر” قبالة سواحل فنزويلا.
كما شملت العقوبات رجل الأعمال البنمي رامون كارريتر ومَن يُعرفون بـ«أبناء الأخوة المتورطين في تجارة المخدرات» — فرانكي فلوريس، كارلوس فلوريس وإفراين كامبو.
منذ سبتمبر/أيلول، شنت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 21 غارة أدت إلى مقتل أكثر من 80 شخصاً على قوارب يُزعم أنها مهربة للمخدرات في بحر الكاريبي. والبيت الأبيض برر هذه العمليات بكونها ضرورية لوقف تدفق المخدرات غير القانونية إلى الولايات المتحدة، بينما يرى مراقبون سياسيون أن الهدف الأوسع هو دفع مادورو من السلطة، لا سيما وأن فنزويلا ليست مصدراً رئيسياً للمخدرات، ولم تقدم الإدارة الأمريكية أدلة تثبت حمل تلك القوارب للمخدرات.
صورة: مروحية عسكرية أمريكية تحلّق قرب ناقلة نفط خلال عملية استيلاء نفذتها الولايات المتحدة قبالة ساحل فنزويلا، 10 ديسمبر 2025 (لقطة ثابتة من فيديو) [المستند: المدعي العام الأمريكي/صور معدّة للتداول عبر رويترز]
ما هي العقوبات الجديدة المفروضة على عائلة مادورو وناقلات النفط؟
ابتداءً من تصعيد الضغط الاقتصادي على فنزويلا، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية سلسلة عقوبات جديدة استهدفت أفراداً من عائلة مادورو والشبكة البحرية التي تسهّل صادرات النفط الفنزويلية.
وقال وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، لدى الإعلان عن الإجراءات إنها تمثل انقلاباً عن الاستراتيجية الدبلوماسية لإدارة بايدن وتهدف إلى قطع تمويل ما تسميه واشنطن «نظاماً فاسداً إرهابياً مرتبطاً بالمخدرات».
ركزت التسميات الجديدة على أبناء أخت سيلية فلوريس زوجة مادورو. وأدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) هؤلاء الـ«أبناء الأخوة» على قوائمه، علماً أن اثنين منهم دانا بتهم تتعلق بتجارة المخدرات في الولايات المتحدة عام 2016 لكن الرئيس بايدن منحهما عفواً في 2022 ضمن تبادل للأسرى.
كما أعيدت إضافة كارلوس إريك مالبيكا فلوريس، الذي شغل منصب أمين الخزانة الوطني ومديراً تنفيذياً في شركة النفط المملوكة للدولةPDVSA، إلى لائحة العقوبات.
وسمّت السلطات أيضاً رجل الأعمال البنمي رامون كارريتيرو نابوليتانو وست شركات شحن متهمة بـ«ممارسات خادعة» لنقل النفط سراً إلى أسواق آسيوية.
وقد حُدّدت ست سفن على أنها «أملاك محجوزة»: White Crane وKiara M وH Constance وLattafa وTamia وMonique.
وقالت الخزانة إنّ هذه العقوبات طُبّقت بالإضافة إلى القيود القائمة على مادورو وزوجته سيلية فلوريس، وابنه نيكولاس مادورو غويرا، وثلاثة من أبناء فلوريس: والتر غافيديا فلوريس ويوسر غافيديا فلوريس ويوسفـال غافيديا فلوريس.
صورة: الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مع زوجته سيلية فلوريس خلال مراسم تنصيب منظمات مجتمعية جديدة في كاراكاس، 1 ديسمبر 2025 [ليوناردو فرنانديز فيلوريا/رويترز]
كيف تعمل هذه العقوبات؟
بشكل جوهري، تحظر العقوبات على الأشخاص المستهدفين الوصول إلى أي ممتلكات أو أصول مالية موجودة داخل الولايات المتحدة. لا يحق لهم الوصول إلى حسابات بنكية أمريكية، ولا بيع ممتلكاتهم عبر النظام المالي الأمريكي، ولا تحريك أموالهم إذا مرّت عبر مؤسسات أمريكية.
وأي شركة أميركية أو مواطن أمريكي يتعامل مع فرد أو كيان مُدرج ستعرض نفسه لعقوبات ومطالبات تنفيذية.
ويمتد نطاق العقوبات إلى أي كيان تملكه أو تسيطر عليه قائمة الأشخاص المحظورين بنسبة 50% أو أكثر، مباشرة أو غير مباشرة، حتى لو لم تُسَمَّ هذه الشركة صراحة في القرار.
لماذا تعاقب إدارة ترامب عائلة مادورو؟
تتهم إدارة ترامب أفراد العائلة بالوقوف وراء شبكات تهريب مخدرات وإدارة عمليات اتجار بالمخدرات في فنزويلا.
وزعمت وزارة الخزانة أن الأبناء المتهمين استأنفوا نشاطهم في الاتجار بالكوكايين منذ أن نالوا العفو في 2022.
للإجراءات بعد داخلي أيضاً؛ إذ يصوّب ترامب بهذه العقوبات نقداً مباشراً لاستراتيجية بايدن تجاه فنزويلا، زاعماً أن محاولة الإدارة السابقة لتخفيف العقوبات، بما في ذلك إزالة أسماء من قوائم الإرهاب، فشلت في تحقيق انتخابات ديمقراطية في البلاد.
تمثل العقوبات عودةً إلى استراتيجية «الضغط الأقصى» لترامب، وتهدف إلى تفكيك الشبكات المالية التي تدعم مادورو. فالضربة موجّهة إلى فنزويلا كدولة نفطية تعتمد في نحو 95% من عائدات صادراتها على الوقود، أي في المكان الذي يؤلم أكثر.
وقالت وزارة الخزانة في بيان: «يواصل مادورو إنكار القيم الديمقراطية في البلاد ورفضه الاعتراف بإرادة الشعب الفنزويلي، ولذلك من مصلحة السياسة الخارجية للولايات المتحدة أن تستمر في ممارسة الضغط على من يرتبطون بالنظام».
منحَت الحكومة الأمريكية ترخيصاً لمدة ستة أشهر لشركة شيفرون لزيادة الإنتاج النفطي في فنزويلا الخاضعة للعقوبات الأمريكية [أرشيف: غابي أورا/رويترز]
هل يعني ذلك أن شركات النفط الأمريكية لا تستطيع العمل في فنزويلا؟
لا، ليس تماماً. فشركة النفط العملاقة شيفرون لا تزال تعمل في فنزويلا.
تمتلك فنزويلا احتياطيات نفطية مثبتة تزيد على 300 مليار برميل، ما يجعلها الأكبر عالمياً من حيث الاحتياطي المثبت. مع ذلك، انخفضت الكميات المستغلة خلال العقود الماضية عقب سيطرة الرئيس السابق هوغو تشافيز ثم إدارة مادورو على شركة النفط الوطنية PDVSA.
حالياً، تظل شيفرون المنتج الأمريكي الوحيد النشط في فنزويلا. حصلت الشركة على ترخيص من إدارة بايدن في 2022 يسمح لها بالعمل خارج نطاق بعض العقوبات الأمريكية، وقد جدّدت إدارة ترامب الإعفاء هذا العام.
تتعاون شيفرون مع PDVSA وتمثل نحو خُمس الإنتاج النفطي الرسمي في البلاد.
وزادت شيفرون شحناتها من 128 ألف برميل يومياً في أكتوبر الماضي إلى 150 ألف برميل يومياً الشهر الماضي، وتقول إنها تحتاج إلى استرداد مليار دولارً تَدين بها PDVSA من فواتير غير مدفوعة ومصادرات ممتلكات.
ما هي العقوبات الأخرى التي تفرضها الولايات المتحدة على فنزويلا؟
في جوهر برنامج العقوبات الأمريكي توجد إجراءات مالية مستهدفة ومتعلقة بحظر الأصول، تهدف إلى عزل الأفراد والكيانات مالياً ومنعهم من استخدام النظام المالي الدولي الذي تمر عبره المعاملات بالدولار الأمريكي. حظر التعامل والعقوبات
الولايات المتحدة تحظر على مواطنين وشركات أمريكية التعامل مع مجموعة من المسؤولين والفاعلين الاقتصاديين والكيانات الفنزويلية الذين جُمّدت ممتلكاتهم ومصالحة في الولايات المتحدة، ما لم يحصلوا على ترخيص صريح من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC). إلى جانب العقوبات الفردية، فرضت واشنطن قيوداً قطاعية واسعة على اقتصاد فنزويلا، لا سيما على شركة النفط الوطنية (PDVSA) وصادراتها النفطية المرتبطة بها. منذ 2017، مُنعَت الحكومة الفنزويلية من الوصول إلى الأسواق المالية الأميركية وحُظِر شراء الدين الفنزويلي.
في 2019، مدّدت العقوبات لتجميد أصول PDVSA داخل الولايات المتحدة، وقيّدت عمل الشركات الأميركية — باستثناء شركة شيفرون — مع الشركة النفطية، وأرادت ردع الشركاء الدوليين عن الانخراط في قطاع النفط الفنزويلي. كما تضمن النهج الأميركي قيوداً على التأشيرات وحظر سفر ضد مسؤولين فنزويليين وشبكاتهم المتهمة بتقويض الديمقراطية أو ارتكاب انتهاكات حقوقية.
كما استهدفت واشنطن عمليات بحرية وشحن مرتبطة بتجارة النفط الفنزويلية، من خلال إدراج سفن وشركات شحن تنقل النفط الخام الفنزويلي على قوائمها. ومع عودة ترامب إلى الرئاسة في وقت سابق من هذا العام، أضافت إدارة الولايات المتحدة تصنيفات مرتبطة بالإرهاب ضد مجموعات فنزويلية تُتهم بالوقوف وراء شبكات تهريب مخدرات أو شبكات إجرامية أوسع، وتحمل هذه التصنيفات قيوداً مالية وقانونية خاصة بها وغالِباً ما تتقاطع مع العقوبات الاقتصادية القائمة.
في نوفمبر، صنفت الحكومة الأميركية «كارتل ديلوس سوليس» منظمة إرهابية، وادعت أنّ المجموعة، المتهمة بعمليات تهريب مخدرات، تُدار بإشراف مادرو نفسه.
كيف أثّرت العقوبات على فنزويلا؟
أسهمت العقوبات الأميركية في تعميق واحدة من أشد الانهيارات الاقتصادية في التاريخ الحديث خارج مناطق النزاع. فقد كانت كاراكاس في أواخر تسعينيات القرن الماضي تنتج نحو 3.6 مليون برميل نفط يومياً، ما شكّل 95% من إيرادات التصدير. لكنّ العقوبات الأميركية وسنوات من سوء الإدارة خفضت الإنتاج إلى أقل من مليون برميل يومياً.
انخفضت عائدات الخزينة من النفط بشكل حادّ، وهو مصدر الدخل الأساس للحكومة. ومع طباعة المصرف المركزي المزيد من العملة لسد العجز المالي وارتفاع كلفة الواردات، بلغ معدل التضخم أكثر من مليون بالمئة في 2018. وأخلّت فنزويلا بالتزاماتها من حيث الدين التجاري في 2017؛ ومع الديون الصادرة عن PDVSA والمرفق العام للكهرباء (Elecar) تبلغ الحكومة مدينة بنحو 92 مليار دولار، بالإضافة إلى حوالي 57 مليار دولار مستحقة للصين وفي أحكام تحكيمية متنوعة.
بالمحصلة، تُقدّر نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في فنزويلا بنحو 148%. خففت واشنطن بعض العقوبات مؤقتاً خلال رئاسة بايدن بموجب اتفاق باربادوس 2023، خصوصاً على النفط والدين، مقابل ضمانات سياسية مثل إجراء انتخابات نزيهة وإطلاق سراح مواطنين أميركيين محتجزين. أتاح الاتفاق لفنزويلا تحقيق إيرادات نفطية إضافية بقيمة حوالي 740 مليون دولار. لكن حين منعّ مادرو مرشّحته الأساسية المعارضة ماريا كورينا ماتشادو — التي تُوِّجت هذا العام بجائزة نوبل للسلام وكانت مختبِئة — من الترشّح، أعادت إدارة بايدن فرض عقوبات في أبريل 2024.
غير أنّ خبراء يشيرون إلى أن العقوبات ساعدت، إلى حدّ ما، في بقاء مادرو في السلطة. تحوّلت السلطات الفنزويلية إلى اقتصاد موازٍ و”سوق سوداء” تستخدم أساطيل ظلّاً لنقل النفط، ما قوّى شبكة من العسكريين ورجال الأعمال الموالين الذين يستفيدون من تهرّب العقوبات ويعيدون جزءاً من تلك المكاسب لدعم النظام.
أساليب التملّص والتهريب
اتبعت فنزويلا تحت حكم مادرو أساليب متعدّدة للتحايل على العقوبات. تنسيقاً مع دول خاضعة لعقوبات أخرى مثل إيران، استُخدمت «أساطيل ظل» تتألف من ناقلات نفط قديمة وخفيفة التنظيم لنقل الخام إلى مشترين مثل المكرِّرين الصينيين. كثير من هذه السفن تطفئ أجهزة التعرّف الآلي (AIS)، تُزوِّر بيانات التتبُّع، تغيّر أسماؤها أو أعلامها، أو تعمل عبر هياكل ملكية غامضة في ولايات قضائية لا تُطبِّق العقوبات بصرامة.
الهدف هو إخفاء أصل النفط ووجهته الحقيقية وإحباط جهود فرض العقوبات. السفينة «سكِبّر» التي صادرتها الولايات المتحدة مؤخراً قبالة سواحل فنزويلا تُعتَقَد أنها كانت جزءاً من شبكة نقل النفط لدول تواجه عقوبات شديدة، بما في ذلك فنزويلا وروسيا وإيران. كما أفيد أن شحنات منفّذة إلى الصين وُسِمَت في بعض الحالات على أنها نفط برازيلي في شهادات المنشأ، ما مكّن الناقلين والمشترين من تجنّب وسم الحمولة كمُعرَّضة للعقوبات الأميركية.
تُشكّل عمليات النقل المتبادل في عرض البحر أو في موانئ وسيطة، حيث تُنقل الحمولة من سفينة إلى أخرى غير مُدرجة في قوائم العقوبات، طريقة أخرى للتحايل. كما يلجأ بعض الكيانات المدرَجة إلى شركات واجهة أو وسطاء في ملاذات ضريبية لإخفاء الملكية الحقيقية، مما يصعّب على الجهات الرقابية تتبُّع المعاملات. وفي السنوات الأخيرة، لجأ مسؤولون فنزويليون أيضاً إلى استخدام العملات المشفّرة لتسهيل معاملات والوصول إلى عملات أجنبية — وهو حل لا يُعوِّض مباشرة عن عائدات التصدير النفطية الكبيرة لكنه يعكس محاولات أوسع للوصول إلى قيمة خارج البُنى المالية الرسمية الخاضعة لرقابة أميركية. لم تُقدّم أي محتوى للترجمة أو لإعادة الصياغة.
يرجى إرسال النصّ الذي ترغب أن أعيد صياغته وأترجمه إلى العربية، وسأباشر ذللك فور استلامه.