محمد رضيع يفارق الحياة متجمّداً — غزة تواجه برد الشتاء ونزوحاً متزايداً في خضم الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني

بوجه شاحب ودموع لا تكاد تفارقه، تجلس إمن أبو الخير داخل خيمتها وهي تمسك بكيس صغير يحوي ثياب مولودها. لقد توفي رضيعه من جرّاء انخفاض شديد في حرارة الجسم في اليوم السابق.

لا تزال الأم المكلومة، البالغة من العمر أربعة وثلاثين عاماً، ترفض تصديق أن ابنها محمد عاش فقط أربعة عشر يوماً. في ظل الدمار الهائل الذي خلّفته الحرب الإسرائيلية على غزة، لم تتمكن من إبقائه دافئاً بما يكفي.

«ما زلت أسمع صراخه الصغير في أذني»، تقول إمن لقناة الجزيرة، والحزن ظاهر على وجهها. «أنام وأستيقظ وأنا لا أصدق أن بكاءه واستيقاظه لي في الليل لن يحدثا مرة أخرى».

بدأت مأساة العائلة في وقت متأخر من ليل الثالث عشر من ديسيمبر في منطقة المواسي غرب خان يونس، حيث انتقلوا بعدما شردوا من منزلهم شرق المدينة. لقد نامت الأم رضيعها ثم استيقظت لاحقاً لتتفقده فوجدته في حالة مقلقة.

هبطت درجات الحرارة، ولم يوفر لهم الملجأ المؤقت أو الثياب المناسبة للمولود أي حماية لمحمد. «كان جسده بارداً كالجليد. أيديه وأرجلَه متجمدة، ووجهه صار شاحباً وأصفرّ، وكان يتنفس بصعوبة»، تستذكر الأم.

أيقظت زوجها فوراً ليأخذوه إلى المستشفى، لكنه لم يجد وسيلة نقل. كان الليل متأخراً والمطر الغزير لا يكف عن الهطول، فبات الوصول إلى المستشفى مستحيلاً حتى بالقدوم سيراً على الأقدام. لم يكن أمامهم بديل سوى الانتظار حتى الفجر.

«بمجرد أن بزغ الصباح، انطلقنا بعربة يجرها حيوان إلى المستشفى»، تقول إمن. «لكن للأسف وصلنا متأخرين. كانت حالته حرجة بالفعل».

صدم الطاقم الطبي في مستشفى الهلال الأحمر في خان يونس من الحالة المتدهورة للرضيع؛ كان وجهه أزرقاً تماماً ويعاني من تشنجات، فأدخل الأطباء إلى العناية المركزة للأطفال على جهاز تنفس اصطناعي. أمضى محمد يومين في العناية المكثفة قبل أن يفارق الحياة صباح الخامس عشر من ديسمبر.

يقرأ  إسرائيل تتسلّم تابوتًا تقول حماس إنه يضم جثة رهينة من غزة

«لم يكن لدى طفلي أي مشكلات طبية سابقة. فحوصاته لم تظهر أي مرض. ببساطة جسده الصغير لم يحتمل البرد القارس داخل الخيام»، تقول إمن ودموعها تحجب الكلمات.

أعلنت وزارة الصحة في غزة يوم الثلاثاء عن وفاة رضيع نتيجة انخفاض حاد في حرارة الجسم ناجم عن البرودة الشديدة وظروف المعيشة القاسية التي تسببت بها الأحوال الجوية الأخيرة. وأفادت الوزارة أن الرضيع محمد خليل أبو الخير، الذي لم يتجاوز عمره أسبوعين، توفي نتيجة هبوط حاد في حرارة الجسم. وأضافت أن الطفل وصل للمستشفى قبل يومين حيث نُقل إلى وحدة العناية المركزة وتوفي في اليوم التالي.

مع وفاة محمد، ارتفع عدد الأطفال الذين قضوا بسبب البرد هذا الشهر إلى أربعة، بعدما أعلنت الوزارة عن ثلاث حالات مماثلة خلال الأسبوع السابق.

كانت عائلة أبو الخير قد استقبلت مولد محمد في الأول من ديسمبر وسط فرح احتفالي بعد حمل شاق وصفته إمن بالمليء بالمصاعب بينما الحرب مستمرة. «حملتُ بعبء شديد، مررنا بجوع وظروف قاسية، وكنت منهكة»، تقول الأم. «لكن كل معاناتي تلاشت حين وُلِد محمد صحيحاً معافى. لم أتخيل أن نفقده بعد أسبوعين فحسب».

تحاول إمن جاهدة تدفئة مولودها بما تيسر من قطع الملابس والبطانيات، بينما كان والد الطفل، خليل، يحاول سد فتحات الخيمة وحمايتها من البرد. لكن كل محاولاتهما باءت بالفشل. «نعيش في خيام على الأرض كما ترى. ما الذي يمكن أن يفعله قماش أو نايلون؟»، تشير بيدها إلى خيمتهم. «البرد لا يوصف. نستيقظ كل صباح لنجد الماء يغمر فراشنا من الأسفل».

كان محمد الطفل الثاني لإمن وخليل بعد ابنتهما مونا ذات السنتين التي نشأت في زمن الحرب منذ أكتوبر 2023. «عندما عدنا من الدفن، جاءت الصغيرة مونا تسألني: ’أين الطفل؟‘ كل لحظة تسأل عن أخيها الصغير وسؤالها يقتلني»، تقول إمن وهي تحضن ابنتها وتبكي.

يقرأ  ٥ استنتاجات رئيسيةمن شهادة بام بوندي المتوترة والمنحازة سياسياً أمام مجلس الشيوخ

تتساءل الأم ماذا فعل طفلها أو أطفال في سِنّه حتى يستحقوا مصيراً تصفه بالقاسٍ: حياة بائسة داخل الخيام. «أطفالنا يموتون بكل السبل الممكنة: قصفاً، قناصة، جوعاً، برداً، واحداً تلو الآخر. طفلي ليس الأول ولن يكون الأخير».

حذر منير البرش، المدير العام لوزارة الصحة في غزة، من مزيد من الوفيات بين الأطفال وكبار السن والمرضى بسبب هبوط درجات الحرارة داخل الخيام المبللة بالمياه. وأشار إلى أن الرطوبة والمياه الراكدة داخل الخيام تخلق بيئة مناسبة لانتشار أمراض الجهاز التنفسي بين النازحين، بينما يعجز المرضى عن الوصول إلى أي رعاية صحية.

ورغم أن هدنة دخلت حيز التنفيذ في أكتوبر، لم تشهد غزة إعادة إعمار تُذكر، فغالبية المباني السكنية دُمّرت بقصف ممنهج وتفجير. واستمرت الهجمات على القطاع بوتيرة متقطعة، ما يشي بقلة رغبة في السماح ببدء إعادة إعمار حقيقية على المدى المنظور. هذا يعني أن ظروف القسوة التي أودت بحياة محمد قد تستمر.

وتحولت خسارة طفلها إلى هاجس دائم لدى إمن تخشى على حياة ابنتها الصغيرة. «أدفئها أكثر من اللازم، أغطيها بكل ما أملك، ولا أنام»، تقول وقد غلبها الخوف والاحتضار على كلماتها. «أراقبها باستمرار؛ أشعر بنار تتأجّج في قلبي»، تقول.

محاصرة بين محاولات مواساة ذاتها والتمسّك بالصبر، تتساءل ايمان: كم من الوقت ستستمر الأوضاع في غزة في الانحدار إلى هذا الحد؟

«هذه ليست حياة. للأسف، يبدو أن الواقع سيستمر هكذا لعشر سنوات أخرى»، تضيف.

«نريد لأطفالنا حياة كريمة، لا أكثر ولا أقل. أين الكرافانات؟ أين وحدات السكن؟ لماذا لا يتحرك أحد لانقاذنا؟»

أضف تعليق