أنا راعية غَنم الرنّة من شعب سامي في أقصى شمال النرويج. عائلتي تمارس تربية الرنّة منذ أجيال، وهي ليست وسيلة رزق فحسب، بل جزء جوهري من هويتنا وثقافتنا — نمط حياة مبني على احترام الطبيعة والتواصل الاجتماعي واستمرار العادات. نعيش من الأرض ونفخر بمن نكون وبما نعمل.
اليوم، هذا النمط من الحياة مهدَّد بشكل خطير.
الحكومة النرويجية تخطط لبناء مئات توربينات الرياح في أراضينا الرعوية. هذه المشاريع ستقطع ممرات هجرة الرنّة، وتؤذي نظمًا بيئية هشة، وتقوّض أساس رعي الرنّة عند الساميين. أتحدث بصراحة لأن هذا قد يسرق منا أكثر من دخل؛ قد يمحو ثقافتنا. لهذا السبب انضممت هذا العام إلى حملة “اكتب من أجل الحقوق” التي تقودها منظمة العفو الدولية.
نشأت في بلدة صغيرة تُدعى تانا، حيث كان صف المدرسة يتألف من اثني عشر تلميذًا فقط. من بيننا كان خمسة ساميين، اثنان منهم من عائلات مربي الرنّة. في ذلك الوقت ظننت أن الباقين نرويجيون، ثم اكتشفت لاحقًا أن الجميع كانوا ساميين، لكن أهاليهم اضطُرّوا ليخفيوا هويتهم.
في مدرستنا أرادت الدولة أن تُعرف كلُّ الساميين ببساطة كـ “نرويجيين”. أجبرونا على التحدّث باللغة القومية بدل لغتنا الأم. لم يُسمح لنا بأن نتكلم السامي في المدرسة أو نغنّي أغانينا التقليدية. حتى طبولنا الطقسية — المستخدمة للتواصل مع روح الطبيعة — نُهِيَ عنها من قبل الكنيسة في وقتٍ ما. كانت هذه السياسات تهدف إلى طمس هويتنا وتركت جراحًا عميقة ما تزال قائمة.
لحسن الحظ، سمح لي والداي بالتحدث بالسامي في البيت، رغم أن اللغة كانت تُعتبر محرَّمة. لطالما كنت فخورة بجذوري، لكن كثيرين حُرِموا من تلك الفرصة. كافحنا عقودًا لاستعادة حقوقٍ لم يكن ينبغي أن تُنتزع منا أبداً.
قررت منذ صغري أن أكون راعية رنّة. بدا القرار طبيعيًا وجذورَه في الحياة التي تربَّيت عليها. تزوجت شابًا من مجتمعنا وقررنا معًا أن نتبع خطى أسلافنا. لوقت طويل عشنا بسلام على يقين أننا سنستمر كما فعلت الأجيال قبلنا.
لكن هذا السلام لم يدم.
الآن الحكومة تقتلع أرضنا لصالح مشاريع صناعية. هذا سيؤثر بشدَّة على دخلنا وعلى الحيوانات نفسها. من الشتاء للربيع ترعى الرنّة في مناطق محددة ثم تهاجر صيفًا إلى مناطق أخرى. هي تهجر ذاتها وتلد في الأماكن نفسها كل سنة؛ دورنا نحن الرعاة أن نرافقها، لا أن نتحكم بها. حين تُقطع ممرات الهجرة ينهار النظام بأكمله.
في عام 2023 عُرضت فجأة مئات التوربينات مباشرةً على مناطق رعي الصيف في كورغاس. هذه المخططات تهدّد بتدمير المراعِي، وقطع طرق الهجرة، وتقويض التقاليد الرعوية القديمة. وعلى الرغم من المقاومة الشديدة من مجتمعات سامي، تسارع الجهات الرسمية بمنح الموافقات.
نعرف أثر التوربينات على الرنّة: تبتعد الحيوانات عن تلك المناطق تمامًا. إن نُفّذت المشاريع ستصبح الأرض غير صالحة للرعي. الدولة النرويجية تدّعي ملكية الأرض، بينما الساميون مُنحوا حق الاستعمال منذ مئات السنين. الآن يتم تهميش هذا الحق لصالح تنمية صناعية. أطفالنا قد يرثون لا شيء.
رعي الرنّة يُغذّينا على مستويات عدة؛ توفر الرنّة اللحوم والمواد للحرف التقليدية. عائلتي تدير أيضًا مشروعًا صغيرًا يعرّف الزوار بمعرفة وثقافة الساميين. كل عام يأتي نحو أربعة آلاف زائر من أنحاء العالم ليتعرّفوا على أسلوب حياتنا. إذا أُقيمت مزارع الرياح سنخسر كل ما بنيناه معًا.
ما يزيد الوضع مرارة هو تبريرهم: يُقال إن الأمر لصالح الطاقة الخضراء والمستقبل. لكن بأي ثمن ولمن؟ النرويج تملك كهرباء وفيرة بالفعل. لماذا لا تُقدَّر الطبيعة إلا عندما تكون قابلة للاستغلال؟ نحن نعيش تبعات التغيّر المناخي. عندما كنت صغيرة كانت درجات الحرارة شتاءً تصل إلى ناقص أربعين درجة. الآن أصبحت الشتاءات أكثر دفئًا، وأحيانًا تمطر بدل أن تتساقط الثلوج فيتكوّن جِلْدٌ يمنع الرنّة من الوصول إلى طعامها. نحتاج الأرض لنواجه مناخًا متغيرًا، لا لنضحّي بها.
أصارع منذ أكثر من عام للدفاع عن أرضنا ومجتمعنا. أحضر اجتماعات مع شركات الطاقة لأوضح كيف ستضر التوربينات معيشتنا والحيوانات. أحاول إيصال قضيتنا للمسؤولين، لكن أشعر أن لا أحد يستمع.
هناك الآن سبعة مشاريع لمزارع الرياح مخطّط لها، بمئات التوربينات. كرّرت مرارًا ما سيعنيه هذا لنا، ومع ذلك تبدو القرارات متّخذة سلفًا. أشعر أنني أخسر حياتي في هذه المعركة لمجرّد حمايـة ما لم يكن يجب أن يُهدد.
لدي ثلاثة أولاد وثمانية أحفاد؛ يقلقني مستقبلهم بشدّة. لا ينبغي للشباب أن يكبروا وهم يقاتلون من أجل حقهم في الوجود.
هذا الصراع أثر علىصحتي النفسية. بعض الأيام أحاول فقط أن أفهم كيف أستمر وأصمد. مجتمعي يدعمني قدر الإمكان؛ يقولون لي إنني قوية، ودعمهم يمنحني القوة. لست أدافع فقط عن عائلتي، بل عن مجتمع بأسره.
لن أتوقف. أشارك في احتجاجات أمام مبانٍ حكومية مع أصدقاء. نذهب معًا لأن التضامن مهم. لا أستطيع الجلوس ومشاهدة أرضنا تُؤخذ. ما دمت أمتلك القدرة على المقاومة، سأقاوم.
كنت ناشطة منذ صغري؛ وعندما كنت في السادسة طالبْت أن تكون اللغة السامية لغتنا الأولى في المدرسة، ولم أكُن أخشى أن أقول ذلك. تلك المعركة لم تنتهِ فعلاً.
أنا ممتنة لأن منظمة العفو الدولية تقف معنا اليوم. تضامنهم يذكرني أننا لسنا مرئيين فقط في عيونهم، حتى لو تعاملت حكومتنا معنا وكأننا غير موجودين. هذه حياتنا؛ لا أعرف طريقة أخرى للعيش. يجب أن نحمي أرضنا لكي تظل الأجيال القادمة تعيش كساميين.
وجهات النظر المعبر عنها في هذا النص خاصة بالمؤلفة ولا تعكس بالضرورة موقف الشبكة الإخبارية التي نُشر به.