تعريفات ترامب تصيب ماخانا الهندية — «الغذاء الفائق» يبحث عن أسواق جديدة | حرب تجارية

كاتيهار، الهند — رافجيت سينغ، تاجر ملابس جلدية يقيم في دنڤر بولاية كولورادو، بدأ يشعر بأثر الرسوم الجمركية البالغة 50 بالمئة التي فرضها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب على البضائع الهندية في الأشهر الأخيرة. قال الرجل الخمسيني، القادم أصلاً من كالكوتا في شرق الهند، لـ”الجزيرة” إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية ألقى ميزانية أسرته في حالة من الفوضى، لا سيما ما يتعلق بطعام الأسرة المفضّل ــ المكّانا أو ما يعرف محلياً بـ”ماخانا” (حبوب لوتس المنفوخة).

ان الميزانية الشهرية ارتفعت من نحو 500 دولار قبل الجائحة إلى حوالى 900 دولار الآن، والرسوم الجمركية زادت الطين بلّة، بحسب قوله. سعر عبوة من المكّانا تزن حوالى 25 غراماً كانت تباع سابقاً بما يقرب من دولارين، لكنها تضاعفت أخيراً إلى أربعة دولارات، إلى جانب زيادات في أسعار سلع منزلية أساسية أخرى مثل العدس والأرز البسمتي.

المكّانا هي نويات زهرة الأكوا لنبتة الزنبق المائية تُفَتَح على شكل حبات منفوشة؛ وتنمو في المناطق المدارية وشبه المدارية في جنوب وشرق آسيا، وتنتشر بكثافة في الهند والصين ونيبال واليابان. وهي غنية بالبروتين والكالسيوم ومضادات الأكسدة والفيتامينات، واكتسبت سمعة سريعة كغذاء معزّز للمناعة.

غير أن هذا المنتج لم يسلم من أثر الرسوم: فقد فرض الرئيس الأميركي في البداية رسماً نسبته 25 بالمئة على الصادرات الهندية ثم ضاعفه إلى 50 بالمئة مبرراً ذلك باستيراد الهند للنفط الروسي الذي، من وجهة نظره، يساهم في تمويل الحرب الروسية ضد أوكرانيا. طالت الضريبة قطاعات عدّة تعتمد على السوق الأميركية كمصدر أساسي للصادرات، بينها روادون في تصدير الروبيان، والألماس، والمنسوجات.

شهد مصدّرو المكّانا تراجعاً في المبيعات إلى الولايات المتحدة بنسب تصل إلى 40 بالمئة. ومع ذلك، وفي خضم الأزمة، يرى بعض المنتجين بصيص أمل: فالحبوب الهندية تجد أسواقاً بديلة جديدة ويتصاعد الطلب محلياً على هذا “السوبرفوود”.

يقرأ  كنوز مسروقة — تاج سقط أثناء فرار اللصوص

في الهند تُزرع المكّانا في الأراضي المنخفضة، خصوصاً في ولاية بيهار الشرقية، وتشكل مصدراً للدخل لنحو 150,000 المزارعين. تهيمن الهند على نحو 90 بالمئة من الإنتاج العالمي. وتنتج الولاية حوالي 120,000 طن متري من البذور و40,000 طن من المكّانا المنفوخة سنوياً على مساحة تقارب 40,000 هكتار.

تُزرع النبتة في حقول ضحلة بعمق يتراوح بين 1.3 و1.8 متر، ولا تتطلب زراعته تكاليف باهظة لأن النباتات الجديدة تنبت بسهولة من البذور القديمة. يبدأ موسم الحصاد من منتصف يوليو ويستمر حتى نهاية نوفمبر، وفيه يجوب العمال مسطح الماء المجمّع في الحقول من أجل جمع البذور باستخدام أدوات تقليدية مثل قصب الخيزران المشقوق ذي الشكل القرني والشبكات بحسب حجم البذور.

تُجفف البذور أولاً تحت الشمس، ثم تُسخّن في قدر من الطين أو الحديد لجعل القشرة الخارجية هشة، ثم تُطرق لإخراج “الفوف” البيضاء الصالحة للأكل التي تُحمّص لاحقاً للحصول على المقرمشة النهائية.

في العامَين الماليين 2024–2025 صدرَت الهند نحو 800 طن متري من المكّانا إلى دول مثل ألمانيا والصين والولايات المتحدة والشرق الأوسط. لكن السوق الأميركية تُمثّل نحو نصف صادرات الهند من هذا المنتج، وفق ستياتجيت سينغ، مالك شركة Shakti Sudha Agro Ventures التي تتحكّم بنصف صادرات الهند من هذا الغذاء الصحي. ويبلغ حجم الدوران التجاري للصناعة، بما في ذلك السوق المحلية، نحو 3.6 مليار روبية (حوالي 40 مليون دولار).

تصف الجهات الفاعلة في القطاع الوضع بأنه ما يزال في مرحلة ناشئة دولياً ومحدوداً في الأسواق الخارجية بفاعلية الجالية الهندية، ومن ثم هناك حاجة لنشر الوعي عنه محلياً وخارجياً لفتح آفاق أكبر. ومن جهة أخرى، لوحظ طلب متزايد من أسواق جديدة مثل إسبانيا وجنوب أفريقيا، يقوده الشتات الهندي وارتفاع الوعي بفوائد المكّانا الصحية.

يقرأ  زيلينسكي يلتقي مبعوث ترامب في تركيا سعياً لتكثيف محادثات السلام

قال كيتان بنغاني (28 عاماً) من كولكاتا، وهو مصدّر للمكّانا، إن الطلب المحلي تضاعف كل عام منذ جائحة كوفيد-19 حينما انتبه الناس أكثر لفوائد الحبوب الصحية. صادراته إلى الولايات المتحدة التي كانت تبلغ نحو 46 طناً تراجعت بنحو 40 بالمئة بسبب الرسوم، لكنه لا يبدو قلقاً ويتوقع تعويض ذلك بزيادة الطلب داخل الهند.

جذب الطلب المتصاعد روّاد أعمال جدد. من بينهم محمد جولفرز، 27 عاماً، منتج ومصدر من قرية شارخي في مقاطعة بورنيا ببيهار، الذي قال إن مبيعات شركته قفزت من 5.4 مليون روبية في 2019 إلى 45 مليون روبية في السنة المالية المنتهية في مارس 2025 بفضل الطلب المحلي المتنامي.

قوت سوق داخلي قوي
كانت الماكانا حضورية تقليدياً في المطابخ الهندية لكنها تراجعت بفعل الحملات التسويقية والأذواق الغربية والوجبات الخفيفة الحديثة. غير أن الجائحة أدت إلى عودة هذا المنتج إلى الواجهة باعتباره مقوّياً للمناعة. اليوم تملأ عبوات الماكانا رفوف السوبرماركت الهندية بنكهات متنوّعة تتراوح بين البيري-بيري والطماطم الحامضة والجبن والبصل والكريمة.

حتى الحكومة الهندية رأت إمكانية تجارية في هذا المنتج وأعلنت عن إنشاء هيئة للمكّانا لدعم نمو القطاع. سوچاي فيرما، مهندس برمجيات يبلغ 43 عاماً من كولكاتا ونشأ في بيهار، قال إنه يقدّم طبقاً من الماكانا لابنتيه كل صباح: “كنا نهوى الأطعمة المعبأة المكلفة التي كانت تثقّب جيبي. لكن الماكانا ليست فقط رخيصة، بل أيضاً مفيدة للصحة”.

في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، أعلنت الحكومة عن تأسيس مجلسٍ للماخانا بموازنةٍ أوليةٍ قدرها مليار روبية (نحو 11 مليون دولار)، بهدف تنظيم سلسلة القيمة وتقديم التدريب والدعم الفني وضبط معايير الجودة وتسهيل صادرات الشركات.

الدفع الحكومي جاء من القمة: قال رئيس الوزراء ناريندرا مودي في تجمعٍ انتخابيٍ في وقتٍ سابق هذا العام إنه يتناول حبات الماخانا معظم الأيام، وأنه آن الأوان أن تصدر الهند هذه الغذاء الفائق إلى العالم.

يقرأ  مأزق سياسي بين الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة— أخبار دونالد ترامب

الفلاحون والعمّال يتحوّلون أيضاً إلى إنتاج الماخانا بدلاً من محاصيلٍ أخرى بسبب العوائد الأعلى.

قال أنيل كومار، أستاذ مساعد في كلية بهولا باسووان شاستري الزراعية في بورنيا بولاية بيهار، لقناة الجزيرة إن العمال الذين يجمعون البذور يكسبون نحو 2,000 روبية (حوالي 22 دولارًا) يومياً مقابل كل 50 كيلوجراماً (110 أرطال) يجمعونها. وهذا أكثر من ضعف المبالغ التي تُدفع عادةً للعمّال غير الماهرين في الهند، والبالغة بين 700 و900 روبية (8–10 دولارات).

كانت زراعة الماخانا مقتصرةً على 5,000 هكتار (12,000 فدان) عام 2010، وكان الفلاحون يتقاضون نحو 81 روبية (0.90 دولار) للكيلوغرام الواحد، بحسب قوله. الآن تُزرع الماخانا على نحو 40 ألف هكـتار (99,000 فدان)، بينما يحصل الفلاحون على 450 روبية (5 دولارات) للكيلوغرام.

قال ساتياجيت من شركة Shakti Sudha Agro Ventures: «الرسوم لن تضرنا، لأن الطلب يتزايد عالمياً».

أضف تعليق