كوريا الشمالية تُخبر بي بي سي أن مواطنيها يُرسَلون إلى روسيا للعمل «كعبيد»

جُون ماكنزي — مراسلة سيئول

تقارير متواترة تفيد بأن أكثر من 50 ألفَ عاملٍ من كوريا الشمالية سيُرسَلون في نهاية المطاف للعمل في روسيا، في إطار تلبية حاجة موسكو الماسّة لقوّات عاملة تضررت بشدّة جراء الحرب على أوكرانيا. مصادر استخباراتية كورية جنوبية ومقاتِلون فارّون من مواقع البناء أبلغوا عن ظروف عمل تشبه الرق، وعن تشديد الرقابة من قِبل السلطات الشمالية لمنع هروب العمال.

شهادات الفارّين
أجرينا مقابلات مع ستة عمال شماليين فرّوا من روسيا منذ اندلاع الحرب، إلى جانب مسؤولين حكوميين جنوب كوريا وباحثين ومنظّمات تساعد على إنقاذ هؤلاء. اتّفق الجميع على وصف أيام العمل بأنها قاسية إلى حدّ أبْهِت: الاستيقاظ عند السادسة صباحاً والعمل المتواصل أحياناً حتى الثانية صباحاً في اليوم التالي، مع يومين فقط عطلة في السنة. اياما تتكرّر فيها نفس الدورة من التعب والإرهاق.

أحد الفارين، الذي غيّرنا اسمه إلى “جين”، قال إنّه لدى وصوله إلى أقصى شرق روسيا رافقه عنصر أمني من كوريا الشمالية من المطار مباشرة إلى موقع البناء، وأمَرَه بألا يتحدّث إلى أحد أو ينظر حوله. “الخارج هو العدوّ” — كانت هذه التعليمات. وضع جين فوراً في موقع بناء شقّات شاهقة يعمل لأكثر من ثمانية عشر ساعة يومياً.

آخر، اسمه المستعار “تاي”، وصف الرّهبة من الاستيقاظ وإدراك أنه يجب تكرار نفس اليوم مرة أخرى. أشار إلى أن أيّ عامل ينام أثناء النهار يُعنف أو يُضرب من المشرفين. “كنا نموت حرفيّاً”، قال عامل ثالث باسم “تشان”. كثيرون ناموا في حاويات شحن متسخة ومكتظة بالحشرات، أو على أرضية مبانٍ غير مكتملة مع لِحافاتٍ تُجرَد فوق الأطر في محاولة لدرء البرد.

حوادث وإهمال طبي
سقوط من ارتفاع أربعة أمتار ترك عامل باسم “نام” مصاباً بتشوهات في الوجه وعاجزاً عن العمل، لكن المشرفين رفضوا منحه إذناً لمغادرة الموقع أو الذهاب إلى المستشفى. ظروف العمل الليلية كذلك شديدة الخطر: فيالليل تُطفأ الأضواء ويُجبرون على المواصلة بقليل من معدات الحماية أو من دونها، بحسب باحثين زاروا مواقع العمل في روسيا.

يقرأ  كوريا الشمالية تنفي إزالة مكبرات الصوت الدعائية عند حدودها

سياسة التوظيف والقيود الدولية
حتى قبل الحرب، عمل عشرات الآلاف من الكوريين الشماليين في روسيا، وكانت عائداتهم مصدر دخلٍ كبير للنخبة الحاكمة في بيونغ يانغ. في 2019، فرضت الأمم المتحدة حظراً على استخدام عمالٍ شماليين في الخارج كجزء من جهود تقويض تمويل برامج الأسلحة الشمالية، فأعيد معظمهم إلى الوطن. إلا أن العام الماضي شهد إرسالَ أكثر من 10 آلاف عامل، وفق مسؤولٍ استخباراتي جنوب كوري، ويتوقّع أن ترسل بيونغ يانغ في المجموع أكثر من 50 ألف عامل.

أرقام رسمية روسية أظهرت دخول أكثر من 13 ألف كوري شمالي إلى البلاد في 2024 — زيادةٌ قدرها اثني عشر ضعفاً عن العام السابق؛ وقد دخل معظمهم بتأشيرات دراسية، وهي طريقة يُستخدمها لتجاوز الحظر الدولي. وفي يونيو، اعترف مسؤول روسي رفيع بأن نحو 5 آلاف عامل شمالي سيُرسَلون لإعادة إعمار منطقة كورسك، كما أنّه من المرجّح جداً أن يُستخدم بعضهم في مشاريع إعادة الإعمار في الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها روسيا ثم تراجعت عنها جزئياً.

استغلال وإخضاع أيديولوجي
الوظائف في الخارج مرغوبة بشدّة داخل كوريا الشمالية لأن الأجور أفضل بكثير من الداخل، ويأمل العمال توفير ما يسمح ببناء منزل أو فتح مشروع بعد العودة. لكن الجزء الأكبر من دخلهم يُحوّل مباشرة إلى الدولة كـ”رسوم ولاء”، ويُمنح العامل فقط مبلغاً زهيداً شهرياً أو يُسجَّل على دفاتر تُدفع عند العودة، وهو أسلوب جديد لردع الهروب. عندما اكتشف “تاي” أن العمال من آسيا الوسطى يتقاضون خمسة أضعاف ما يدفعون له، شعر بالمهانة وقرّر الفرار.

ولمنع الهروب، كثفت السلطات الشمالية الرقابة: تدريبات أيديولوجية وأمسيات “نقد ذاتي” أكثر تواتراً يضطر فيها العمال لإظهار الولاء لكيم جونغ أون والإقرار بأخطائهم؛ كما قُلِصت فرص الخروج من المواقع، وزادت مراقبة الرحلات والنزولات الجماعية — حيث لم تعد تُسمَح التنقلات الثنائيّة، وُوضِعت قواعد بالسفر في مجموعات من خمسة أفراد تحت مراقبة مشدّدة.

يقرأ  معلّم من المنطقة الخامسة ينضم إلى الشبكة الوطنية للتعلّم الصيفي — نيو إيرمو نيوز

محاولات هروب وإنقاذ
بعض العمال نجحوا في الهروب باستخدام هواتف ذكية محظورة اشترِيت بمدخراتهم الصغيرة. قصص الهروب تتضمن تكتيكات بسيطة: التظاهر بالنوم ثم الفرار في منتصف الليل وعبور مسافات طويلة بالتاكسي بحثاً عن محامين أو وسطاء يساعدون في الوصول إلى كوريا الجنوبية. ومع تشديد القيود، انخفض عدد الفارين إلى سيئول: من نحو 20 شخصاً سنوياً قبل 2022 إلى نحو 10 فقط في السنوات الأخيرة.

تداعيات واستنتاجات
خبراء في علاقات روسيا وكوريا الشمالية يرون أن العمال سيشكّلون إرثاً مستداماً للصداقة الحربية بين كيم وبوتين؛ وستستمر تدفّقات العمال حتى بعد انتهاء الأعمال القتالية وعودة الجنود والأسلحة. في ظلّ نقصٍ حادّ في اليد العاملة في روسيا وحاجة لإعادة إعمار مناطق متضررة، يجد قادة موسكو في العمالة الشمالية حلاً عملياً: رخيصة ومطيعة وقليلة الشكوى — وهو ما يفتح باب استغلالٍ واسع وخرقٍ مستمر لعقوبات دولية ويضع آلاف البشر تحت ضغوط بشرية وأخلاقية جسيمة.

تقرير إضافي من جيك كوان وهوسو لي.