نحو إرساء ثقافة القراءة داخل الفصل الدراسي

تخيّل صفًّا مليئًا بالأطفال: قد يكونون أطفال الروضة بوجوههم الممتلئة الظريفة، أو طلاب ثانويّين واثقين من أنفسهم، أو أي مرحلة تقع في المنتصف. هل تراهم؟

تخيّل الآن هذا الصف غارقًا في القراءة.

كيف يبدو الغرق في القراءة؟ ماذا يسمع المرء في غرفة كهذه؟ ما الدلائل التي تُثبت أن قراءةً حقيقية ومشاركة ذهنية جارية؟

أرى في مخيلتي صفًّا من طلاب السنة الأولى في المدرسة الثانوية: خمسة أو ستّة مترهقين على أريكة منطقة القراءة، مستلقون على وسائد على الأرض. عشرات آخرون على مكاتبهم، أنوفهم محشوة بين الصفحات، وأقلام التظليل والملاحظات اللاصقة متناثرة على الطاولات. مجموعة من البنات جلست متقاطعات الأرجل قرب الباب، كل واحدة تحمل رواية شبابيّة مثيرة للنقاش، تهمسن عن ما حدث وما قد يحدث لاحقًا.

على طرفي الصفّ، بجانب مآخذ الكهرباء، يجلس طلاب منعزلون بسماعات أذنهم يستمعون إلى كتبٍ مسموعة. أحدهم مستلقٍ على ظهره يحدّق في السقف، وآخر يتابع النص في نسخة ورقيّة ويتوقّف أحيانًا ليُعيد المقطع مسموعًا بعناية وهو يتتبّع الحروف بإصبعه.

وأنا هناك — أراهن جالسًا على كرسيّ، وقد وضعت قدمي على كرسي آخر، أقرأ عملاً غير قصصيٍّ معاصرًا، وأنظر بغضبٍ إلى أي طالب يجرؤ على مقاطعة تركيزي أو تركيز زميلٍ معي. متى كانت آخر مرّة رأيت فيها صفًا على هذه الهيئة، ليس فقط في مخيّلتك، إنما فعلًا؟

خلال عملي الاستشاري في السنوات الخمس الماضية، رأيت صفوفًا تُظهر انخراطًا حقيقيًا في القراءة نادرًا جدًا. أتذكّرها بوضوح لأنّها استثناءات.

أتذكّر صفّ صفٍّ أوّلٍ انتثر في محطات مختلفة، يتنقّل كلّ 15–20 دقيقة: مجموعة عند طاولة مع معلم مساعد، ومجموعة على الأرض مع كتب، ومجموعة مع أجهزة لوحيّة، وأخرى تقوم بنشاط عملي له صلة بالقراءة. تحدث البالغون مع الأطفال عن قراءتهم — لم يكونوا يردّدون الأحداث فقط، بل كانوا مشاركين فعلاً، يتكلّمون عن الشخصيّات والأحداث والانعكاسات؛ إنهم مستثمرون في النص.

يقرأ  منطقة مدارس ويتنال في ولاية ويسكونسن تعتمد حلول تكنولوجيا التعليم التفاعلية والقابلة للتكيُّف لدعم الرياضيات والعلوم ومهارات القراءة

وأتذكّر صفًّا في المدرسة المتوسّطة حيث بدأ المعلم الحصة بجلوس الجميع في دائرة على الأرض. طرحت عليهم سؤالًا حقيقيًا لا جواب صحيحًا واحدًا له حول الكتاب الذي يقرؤونه معًا. تجاوب الطلاب بحماس، ردّوا على المعلمة وعلى بعضهم البعض، وطرحوا أسئلة جديدة؛ كان النقاش مشحونًا بالطاقة. وبعد عشر دقائق، اندفع الطلاب إلى مكاتبهم ليفتحوا كتبهم ويستمروا في القراءة مستلهمين.

لكنّ المشهد الأشيع هو صف تُفرَض عليه القراءة: طلاب جالسون ملتزمون بالشكل لانتظار ورقة عمل أو سؤال استرجاعي سطحي. من يستمتعون بـ«لعبة المدرسة» يجيبون بصوت عالٍ وبسرعة، وأحيانًا يحثّون جيرانهم على المشاركة. من لا يستمتعون يضعون رؤوسهم على الطاولة أو يتشبّثون بهواتفهم. ومن يرفضون اللعبة يتصرّفون بعنفٍ أو يجوبون الفصل أو يطلقون تعليقات خارجة أو يطلبون الذهاب إلى الحمام مرارًا حتى يُبعدهم المعلم عن الغرفة.

أين اختفت القراءة الحقيقية من المدرسة؟مصطلحا «القراءة المتعمقة» و«النصوص المعقّدة» استُخدما كثيرًا لدرجة أنني أرتجف حين أسمعهما من معلّم. هل أردنا يومًا أن يقرأ الطلاب سطحياً؟ بالطبع لا. هل أردنا أن يكون هدف الدرس أن يكون النص بسيطًا؟ لا. لكن هل هذه المصطلحات — أو طريقتنا في تطبيقها — قضت على القراءة المنخرطة في صفوفنا؟

كيف ينبغي أن تبدو ثقافة القراءة المنخرطة؟ كيف تبدو صوتًا، وماذا تحقق للقارئ؟

أعود إلى شعار نانسي أتويل لورشة القراءة والكتابة: يجب أن نعطي الطلاب وقتًا وامتلاكًا واستجابة. هل نحن كمعلمين للغة نمنح الطلاب وقتًا للقراءة داخل الحصص؟ أم نكلفهم بالقراءة ونتوقّع إنجازها في مكان آخر؟ أليست الحصّة المدرسيّة المكان الأنسب كي نساعدهم؟ هل يقوى القارئ دون أن يرى قدوة تقرأ إلى جواره، أو بدون مدرّب وزملاء يقرأون معه؟ أقول لا أعتقد ذلك.

يقرأ  بيرسي تاو يخوض تجربة آسيوية جديدة فصل جديد بعد انتهاء مشواره الطويل في أفريقيا!

وماذا عن الامتلاك؟ قراء الاختيار الذاتي كادوا يختفون في عصر المعايير الوطنية. يركض المعلمون ليغطّوا نصًا بعد نص، ويقضون ساعات في تكييف أنشطة لتناسب مهارات قراءة ضعيفة أو مقاومة واضحة من الطلاب. هذا ليس الحل الصحيح. الحلّ الصحيح هو أن نمنح وقتًا أكبر للمواد التي يختارها الطلاب بأنفسهم لنبني المهارات اللازمة، مثل القدرة على الاستمرار في القراءة، حتى يتمكنوا لاحقًا من مواجهة النصوص الموكلة إليهم — وغالبًا ما تكون مملة.

في ظلّ شروط مناسبة، سيواجه الطلاب نصوصًا معقّدة بمفردهم. أحيانًا يساعدهم الأقران، وأحيانًا يرافقهم معلّمُ مهتم. أتذكّر طالبًا قال لي في أوّل أسبوع دراسي إنه لم يقرأ كتابًا كاملاً قط — كان عمره خمسة عشر عامًا ويعمل مع والده على قارِب صيد تجاري. ما أول كتاب وضعته بين يديه؟ «الشيخ والبحر». بقيت إلى جانبه وهو يتقدم بصعوبة. وماذا قرأ لاحقًا في نفس العام؟ «نداء البراري». هذا مثال صغير على ما يمكن أن يفعله معلم يقدّر القراءة حقًا.

هذا الطالب ارتقى بفضل مثلث الوقت والامتلاك والاستجابة. استجبت له كقارىء يشاركني الشغف، لا كمعلّم يؤشر أهدافًا ويضع علامات في سجلّات. حين يكون المعلم والزملاء قرّاء منخرطين، يصعب ألا تصبح جزءًا من المجتمع القرائي.

فلنوقف أوراق العمل التي لا تنتهي. لننهي مجموعات التعاون الشكلية التي تتصفّح النصوص فقط لتكتشف إجابات لأسئلة مملة. فلنهيئ مكانًا داخل المنهج لثقافة قراءة منخرطة حيث يجلس القرّاء ويقرؤون مع قرّاء آخرين لأنّ الأمر مهمّ بما يكفي ليحدث معًا، في الصفّ، في مجتمع. حيث يتحدث القرّاء مع بعضهم عن قراءاتهم لأنهم يريدون ذلك، لا لأنّهم مُجبَرون. وحيث يواجهون الكلاسيكيات والنصوص الصعبة بثقة لأنّ لديهم تراكم تجارب قراءة حقيقيّة تدعمهم.

يقرأ  قوة الإبداع صنع الفن داخل الزنزانة

كما قالت بيرنيل ريب: «في سعيِنا لصناعة قرّاء مدى الحياة، يبدو أننا نفتقد حقائق أساسية عمّا يصنع القارئ.» علينا أن نعيد للوقت والامتلاك والاستجابة مكانتها الحقيقية في التدريس قبل أن نصنع جيلاً بأكمله من غير القرّاء. جدداً، لنبدأ من هناك.

أضف تعليق