هل شعرت يوماً بقناعةٍ متجذِّرة إلى درجة أن تكون جاهزاً للموت دفاعاً عنها؟ بالنسبة لي، ككاتب، كانت معركتي القديمة مع كلمة واحدة: «literally» التي تُستعمل بمعنى «جداً» أو «للغاية». لعقودٍ ظننت أن استخدام هذا اللفظ بهذه الطريقة جريمة لغوية تستدعي الاستنكار، فكنت أحتفظ بدليل أسلوبي وكأنّه قلــمٌ مقدس، وأمضي مدافعاً عن القواعد كأنّها قانون طبيعي.
ثم اكتشفت شيئاً قلب العالم أمامي: لمْ تكن هذه الظاهرة حكراً على معلّقي المباريات أو مراهقي الشوارع المهملين. شيكسبير فعلها. تشارلز ديكنز فعلها. جاين أوستن فعلتها. لم أصدق ذلك حتى رأيته بعيني. في «نيكولاس نِكليبي» كتب ديكنز: «ربما تعلمين، يا الآنسة ترَوتوود، أنّه لا يُضاء في هذا البيت شمعة حتى تكاد العيون تسقط من رؤوسها حرفياً من جراء شدّها لقراءة الجريدة.» كانت صدمة؛ فكل أولئك الكتّاب الكبار استخدموا كلمة «literally» كمبالغة، كأداة تأكيد، ككل شيء سوى معناه الحرفي الضيق. فمن أنا لأعلن أنّهم مخطئون؟
لحظةُ هذا الإدراك لم تزلزل قناعاتي فحسب؛ بل بيّنت لي أن كثيراً من «الثوابت الإبداعية» التي اعتنقتها كانت مجرد بطانيات أمان تمنعني من المخاطرة. ما الذي بقي من هذه القناعة إذا انهارت واحدة منها؟ وكم من فروض لم أتحقق منها وكنت أسمّيها قواعد بينما كانت تحنّط عملي؟
استبداد القداسة الإبداعية
لا يقتصر الأمر على الكتابة فحسب. من الفن إلى التصميم، ومن التصوير إلى صناعة الأفلام، نعانى جميعاً شيوع حكمٍ يبدو كأنه إنجيل. نجمع القواعد كتعويذات: لا تخلط خطوطاً معيّنة، اترك مساحة بيضاء كي «يتنفّس» المحتوى، اتبع قاعدة الأثلاث دوماً، الصراع يحرك السرد، الرطانة الوردية قاتلة، لا تكبّر الشعار. هذه الشعارات تغرس في جيناتنا الإبداعية لدرجة أننا نتوقف عن التساؤل عمّا إذا كانت تخدمنا أم تُبقينا في منطقة المتوسّط الآمن والمأمون.
المشكلة ليست أن الإرشادات خاطئة بطبيعتها، بل أننا نرتقي بها إلى مرتبة قوانين طبيعية بينما هي في الحقيقة تفضيلات تاريخية نُسخت بصوتٍ أعلى فأصبحت مقدّسة.
خذ قاعدة الأثلاث في التصوير مثلاً: ضُربت كأنها نصٌ مقدس. لماذا؟ لأن بعض رسّامي عصر النهضة لاحظوا أنها جذابة بصرياً؟ وفي المقابل، وِس أندرسون بنى أسلوبه البصري على تماثل مركزي تام، ومع ذلك لم يلام أحد على جُرأته البصرية أو يوصف عمله بالملل.
لا أقول إنّ قاعدة الأثلاث «خاطئة». كإرشاد عام، فهي غالباً مفيدة. لكن أن تُعامل كعقيدة مُقدّسة؟ فذلك انتحار إبداعي.
راحة الامتثال الإبداعي
ثمة شيء جذّاب بطبيعة الحال في القواعد. إنها تمنحنا يقيناً في عالم غير مؤكد؛ خريطة طريق عندما يبدو المشهد الإبداعي أرضاً غير معلمة. عملياً، الالتزام بالإرشادات يوفّر الوقت والمال لأنه يتيح لنا التخلّي عن بعض قراراتنا لصالح من سبقونا — إنها طعام راحة إبداعي: مألوف ومطمئن، وإن كان في النهاية محدود الأفق.
خذ مثالاً من عملي السابق كمحرّر مجلة مطبوعة؛ أمضيت سنوات أعتقد أنّ التصميم الجيد يجب أن يكون غير مرئي، وأن أفضل الأعمال الإبداعية لا يجب أن تلفت الانتباه إلى ذاتها. تلك القناعة دفعتني لتكليف أعمال كانت محترفة وكفؤة، لكنها أحياناً قابلة للنسيان تماماً. ما غيّر رأيي كان رؤية تصميم صارخ ولا يعتذر عن لفت الأنظار — وفعّال. حينها أدركت أنني خلطت بين «تصميم جيد» و«تصميم آمن».
أحرَر لحظة في مسيرتي لم تكن تعلم تقنية جديدة ولا إتقان برنامج، بل اكتشاف منظورٍ جديد. سمحت لنفسي بكسر قاعدة كنت أتبعها كطقس ديني، ولم ينهار السقف.
نصيحة عملية للهرطقيين
الاعتراف بأن ما تعتقده قد يكون خطأ قد يبدو ساديّة فكرية. لكن صدقني، كنت هناك، وهي في الواقع تحرُّرٌ إبداعي. عندما تتوقف عن الدفاع عن الافتراضات — سواء كانت افتراضاتك أم غيرك — تبدأ في استكشاف احتمالات جديدة. عندما تتوقف عن التعامل مع الإرشادات كإنجيل، تبدأ في رؤيتها كنقطة انطلاق للتجريب.
إليك خطة بسيطة: ابدأ بخطوة صغيرة. اختر قاعدة إبداعية لم تشكك فيها قط، وانقض عليها لمدة أسبوع. إن كنت مصمماً يمتنع دائماً عن الظلال المسقطة، أضفها بكثافة. إن كنت كاتباً يرفض مقاطع الجمل الناقصة، تخلّ عنها بكثرة. إن كنت مصوراً يعتمد على الضوء الطبيعي، جرب الفلاش.
الهدف ليس برهنة أن القواعد خاطئة؛ قد تظل صحيحة لأسباب وجيهة. الهدف أن تفهم لماذا وُجدت وهل تخدم أهدافك الإبداعية أم تخدم قلقك الإبداعي.
المسألة ليست أن نصبح فوضويين يرفضون كل بنية، بل أن ننتقل من حالة «متّبعٍ للقواعد» إلى «فاهِمٍ لها». الفارق قد يبدو تقنياً، لكنه في الواقع جوهري. المتبعون محكومون بما يعرفونه؛ الفاهِمون مُتحرّرون بما يشكّون فيه.
ادركت.
ببساطه.
حرفيًا.