تدقيق تصريحات روبرت ف. كينيدي أمام مجلس الشيوخ بشأن كوفيد واللقاحات

خلافات حادة خلال جلسة استماع بلجنة الشؤون المالية في الكونغرس

تصاعدت حدة التراشق بين روبرت إف. كينيدي الابن، وزير الصحة والخدمات الإنسانية في الولايات المتحدة، وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ حول إدارته للوكالات الصحية وتصريحاته السابقة المتعلقة بلقاحات كوفيد-19 ومضادات الاكتئاب. ورفضَ كينيدي مراراً ما وصفها بأنه تحريف لسجله أو اختلاق للمعلومات من قبل بعض السيناتورات خلال جلسة استمرت لساعات.

اتهامات متبادلة وصيحات “كذب”

عندما اتهمته السيناتورة الديمقراطية تينا سميث بأنه أرجع حادث إطلاق نار في مدرسة بولاية مينيسوتا إلى مضادات الاكتئاب، رد عليها قائلاً: «أنتم الآن غير صادقين». وفي مواجهة مع السيناتور الجمهوري بيل كاسيدي حول اتهامات بأن الحكومة كانت تحرم الناس فعلياً من اللقاحات، قال كينيدي: «أنت مخطئ». وأضاف في مواجهة مع السيناتورة ماغي حسن أن ادعاءاتها «اختلاق لتخويف الناس وكذبة».

كم عدد الأمريكيين الذين ماتوا بكوفيد؟

سأل السيناتور مارك وورنر كينيدي إن كان يقبل أن «مليون أمريكي ماتوا بكوفيد». أجاب كينيدي: «لا أعرف كم مات»، مبرراً ذلك بـ«فوضى البيانات الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)». وتؤكد تقديرات إحصائية متعددة أن أكثر من مليون أمريكي توفوا بسبب كوفيد-19، مع وجود حالات مصاحبة شائعة مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والسكري، ما يصعّب إقناعياً تحديد علاقة سببية واضحة بين هذه الأمراض ومآلات الإصابة بكوفيد.

تغيير لهجة كينيدي بشأن مبادرة 2020 للقاح كوفيد

أثنى كينيدي على عملية «Operation Warp Speed» التي أدت إلى تطوير لقاحات كوفيد-19 بسرعة، واصفاً إياها بـ«العبقرية» لأنها أمنت لقاحاً ملائماً للفيروس في وقت كانت الحاجة ماسة. لكن هذا الموقف المفاجئ أثار استغراب السيناتور كاسيدي، لا سيما أن كينيدي سبق وأن قطع تمويلاً لأبحاث لقاحات الـmRNA وفي 2021 وصف لقاح كوفيد بأنه «اللقاح الأكثر فتكاً» بطريقة خاطئة ومضللة.

يقرأ  هل سيُحدث قرار خبراء الإبادة الجماعية بشأن غزة تأثيرًا؟أخبار الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني

من يستطيع الحصول على لقاح كوفيد-19 الآن؟

دافعت السيناتور ماغي حسن عن أن كينيدي يقيد الوصول إلى اللقاحات، مشيرة إلى أن الناس الذين يريدون اختيارهم الحر يُحرمون من ذلك بسبب استشهاد كينيدي ببيانات لا ينوي الإفصاح عنها. رد كينيدي بالقول: «الجميع يستطيع الحصول على اللقاح»، وكرر اتهاماته بأن الطرف المقابل يروّج «لخوف كاذب».

في الواقع، أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية توجيهات تقرن الوصول لأحدث لقاحات كوفيد-19 بفئات محددة: الأشخاص بعمر 65 عاماً فأكثر، وأي شخص من عمر ستة أشهر فما فوق لديه حالة صحية أساسية تزيد خطر الإصابة الشديدة بكوفيد؛ غير أن غير المنتمين لتلك الفئات ليسوا محظورين قانونياً من الحصول على اللقاح، لكن قد يتطلب الأمر وصفة طبية «خارج التعليمات» (off-label) مما يصعّب العملية ويزيد تكلفتها.

الربط بين مضادات الاكتئاب والعنف — ادعاءات بلا دليل قاطع

اتهمت السيناتورة تينا سميث كينيدي بأنه حمّل مضادات الاكتئاب مسؤولية إطلاق نار وقع في مدرسة كاثوليكية بمينيابوليس أودى بحياة طفلين وأصاب العشرات؛ ونفى كينيدي قوله ذلك أمامها. إلا أن تصريحات سابقة لكينيدي تضمنت مبادرات لإطلاق «دراسات» حول مساهمة بعض مضادات الاكتئاب، وخصوصاً مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، في السلوكيات العنيف. يذكر أن خبراء الطب النفسي وعدداً من مؤسسات التحقق من الوقائع أشاروا إلى عدم وجود علاقة سببية مثبتة بين استخدام مضادات الاكتئاب وحدوث حوادث إطلاق النار بالعينة السكانية العامة؛ فحوالي 11% من البالغين في الولايات المتحدة يتناولون مضادات اكتئاب، ولو كانت هناك علاقة قوية لكان من المتوقع أن نرى معدلات عنف أعلى بكثير.

توظيف ناقد لقاحات وملفات بحثية مثيرة للجدل

خاض كينيدي سجالاً مع السيناتور بن راي لوجان حول تعيين ديفيد غاير، الناقد المعروف للقاحات، في سياق عمله بالمؤسسة. صرّح كينيدي أن غاير يعمل كمقاول ولديه وصول إلى «قاعدة بيانات سلامة اللقاحات» (Vaccine Safety Datalink)، لكن لم يحدد كينيدي بوضوح المهام التي سيؤديها غاير بتلك البيانات. وسط ذلك، أطلق كينيدي تصريحات عن توقعات بـ«إعلانات» تشير إلى أن تدخلات معينة قد تكون مرتبطة بالتوحد—حيث يوضح الباحثون المختصون أن زيادة تشخيصات التوحد تعزى إلى توسيع تعريفه ومعاييره التشخيصية، وأنه لا يوجد سبب مفرد مؤكد للتوحد.

يقرأ  المهنيون الصحيون الأمريكيون يناشدون روبرت ف. كينيدي الابن: «كفّ عن نشر معلومات غير دقيقة» — أخبار الصحة

حوادث عنف استهدفت مراكز صحية وعلاقة معادية للقاحات

أثار السيناتور رافاييل وورنك واقعة إطلاق نار في مقرّ مراكز السيطرة على الأمراض في أتلانتا، وسأل كينيدي إن كان قد زار الحرم قبل الحادث؛ أجاب كينيدي بالنفي، وزار المكان بعد وقوع الحادث ولم يكن هناك موظفون حينها. التحقيقات وجدت أن مطلق النار، الذي أطلق مئات الطلقات وقتل ضابط شرطة، ترك وثائق تُشير إلى كراهيته للقاحات كوفيد واعتقاده بأنها جعلته مكتئباً وانتحارياً.

خلافات مصالح في لجان اللقاح وادعاءات نسب مبالغ فيها

انتقد كينيدي مستوى تضارب المصالح بين أعضاء لجنة الاستشارات المعنية بالتمنيع (ACIP)، مطلقاً رقم 97%، فصوّب السيناتور كاسيدي بأنه غير دقيق: النسبة الفعلية، كما ذكر، كانت حوالي 6.9% أو حتى أقل وفق دراسات تحليلية. تتطلب قواعد CDC من الأعضاء الإفصاح عن تضارب المصالح قبل كل اجتماع وقبل أي تصويت، ونشرت الوكالة سجلات الإفصاحات لما بين عامي 2000 و2024. بل أظهر بحث نُشر في مجلة الجمعية الطبية الأمريكية انخفاض نسب تضارب المصالح في اللجنة إلى حوالى 5% في 2024.

دور نقابة المعلمين في إرشادات إعادة فتح المدارس

ادّعى كينيدي أن CDC «سمح لنقابة المعلمين بكتابة أمر إغلاق المدارس» خلال الجائحة، وهو وصف مضلل. فعلى الرغم من أن الاتحاد الأمريكي للمعلمين استشار CDC حول إرشادات إعادة فتح المدارس في 2021، فإن الاتحاد لم يكتب بالأصل قرار الإغلاق. تحقيق لجنة فرعية في الكونغرس أشار إلى أن CDC شارك مسودة الإرشادات مع نحو 50 جهة مختلفة، وأن النقابة استلمت النسخة المسودة بعد مجموعات أخرى، ولم تكن الجهة الوحيدة المؤثرة في إعداد السياسة.

الفلورايد في مياه الشرب: أمان عند المستويات الموصى بها

تطرّق كينيدي إلى قرارات تتعلق بإضافة الفلورايد لمياه الشرب، مروّجاً لإجراءات لإيقاف التوصية بعد ربطه له بطريقة مضللة بالسرطان ومخاطر صحية أخرى. إلا أن مرافق الصحة العامة تعتبر إضافة الفلورايد إلى مياه الشرب عند المستوى الموصى به (0.7 ملغ/لتر في الولايات المتحدة) إنجازاً صحياً مهماً للقرن العشرين؛ فالأدلة العلمية تدعم أن هذا المستوى آمن ويسهم في الوقاية من تسوس الأسنان، وأن المخاطر الصحية المرتبطة بالفلورايد تظهر عند مستويات تعرض أعلى مما هو مسموح في مياه الشرب الأمريكية. هذا الصيف أصدرت ولاية فلوريدا قانوناً أزال الفلورايد من مياه الشرب المحلية، متجاوزة سياسات سابقة.

يقرأ  ناجي من جريمة قتل بفعل فطر سام يروي أمام المحكمة أثر وجبة الغداء

خلاصة

جلسة الاستماع سلطت الضوء على خلافات عميقة بين وزير الصحة الحالي وأعضاء الكونغرس حول إدارة الأجهزة الصحية، الشفافية في البيانات، الصلة بين أدوية نفسية وأعمال عنف، والتعامل مع سياسات متعلقة باللقاحات والوقاية العامة. تبقى الكثير من الادعاءات موضع تدقيق من قبل خبراء مستقلين والجهات المنظمة، وسط مطالبات بإيضاحات وبيانات موثقة.

أضف تعليق