هجوم إسرائيل في الدوحة يعد اختبارًا لعلاقات ترامب مع دول الخليج — الصراع الإسرائيلي الفلسطيني

في السابع من سبتمبر شنّت طائرة مسيّرة هجوماً في الدوحة،‫ قطر، بدا أنه استهدف تصفية قادة رفيعي المستوى في حركة حماس. لم يكن ذلك مجرد ضربة إضافية في منطقة طالما اعتُبرت فيها العدوانية الاسرائيلية أمراً مألوفاً؛ بل إن اختيار العاصمة التي يتولى حليف الولايات المتحدة الوسيط فيها مباحثات وقف النار منح العملية طابعاً استثنائياً. ومع ذلك، من حيث النية والتأثير، أعاد الهجوم ترديد نمط اسرائيل المألوف في لجوئها إلى الاغتيالات والضربات العسكرية لعرقلة التفاوض وقطع أي سبيل للتعايش السلمي.

منذ سنوات طويلة أظهرت اسرائيل تجاهلاً للقانون الدولي، واستهدفت أهدافاً عبر المنطقة، واغتالت قادة فلسطينيين وآخرين معارضين لسياساتها، وعطّلت مراراً اتفاقات وقف إطلاق النار والمفاوضات الساعية للسلام بذريعة حماية أمنها. في عام 1948 اغتال أعضاء جماعة ستيرن أول وسيط للأمم المتحدة، الكونت فولكه برنادوت. ومنذ ذلك الحين أقدمت اسرائيل على قتل عشرات القادة الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم ممن قاوموا احتلالها وسياساتها التمييزية وعدوانها العسكري — غير أن هذه الاغتيالات لم تضعف الخصوم كما ترجّح، بل زادت من قوة المقاومة وعمّقت الاستياء من حكمها وإجراءاتها.

يمثّل هجوم الدوحة استمرارية لتلك السلسلة التاريخية. على مدى اثنين وعشرين شهراً مضت، أجهضت اسرائيل كل نقاش جاد حول وقف النار، أحياناً بعد أن أمنت إفراجاً عن مواطنين محتجزين لدى حماس أو الجهاد الإسلامي، وفي الوقت نفسه واصلت تجويع سكان غزة وتفكيك نسيج مجتمعهم. بضرب قيادات حماس في الدولة نفسها التي تُجري التفاوض، أرادت اسرائيل أن تؤكد أنها لا تسعى إلى السلام بقدر ما تطالب باستسلام خصومها.

ثمة سؤال محوري يطرح نفسه: لماذا اختارت اسرائيل أن تنفذ مثل هذه العملية في قطر، البلد الذي لا يكتفي بدور الوسيط فحسب بل يحتضن أيضاً أكبر قاعدة للقيادة المركزية للوليات المتحدة في المنطقة؟

يقرأ  لماذا يجذب صراع روبرت كينيدي الابن مع الوكالة الصحية الأمريكية أنظار العالم؟

كيفية رد فعل قطر وشركائها في دول مجلس التعاون قد يعيد تشكيل العلاقات مع واشنطن لسنوات قادمة، لا سيما إذا تبين أن الولايات المتحدة كانت على علم بالهجوم أو سهلته — ربما عبر التظاهر بأن محادثات وقف النار جادة ما استدعى تجمع قيادة حماس، وبالتالي جعلها هدفاً سهلاً.

هذا السيناريو قد يذكّر بدور الولايات المتحدة في عملية مشتركة ضد إيران في وقت سابق من هذا العام، والتي جرت رغم تصريحات دونالد ترامب عن تقدم نحو اتفاق مع طهران بينما كانت الاستعدادات للهجوم جارية في الخفاء.

قد يكون الأثر الأهم للهجوم تأثيره على العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة وعلى موقع الأخيرة في المنطقة وخارجها.

لقد أدان العالم بأسره تقريباً الهجوم، ومن بين المدانين دول مجلس التعاون والجامعة العربية وإيران والأمم المتحدة والعديد من الأوروبيين وحتى البابا. وقد أدلى الرئيس دونالد ترامب بنقد خفيف في الوقت الذي ظلّ فيه داعماً لهدف اسرائيل القاضي بتدمير حماس. إلا أن اسرائيل تتجاهل بانتظام مثل هذه الإدانات لسياساتها العسكرية العدوانية في لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران، ما يجعلها إلى حد كبير بلا تأثير، مع استثناء واحد فقط.

لو خلصت واشنطن في نهاية المطاف إلى أن التصعيد العسكري الاسرائيلي أصبح عبئاً استراتيجياً أو عقبة انتخابية أمام الجمهوريين في السنوات المقبلة، فقد يجبر ترامب اسرائيل على إنهاء حربها في غزة والقبول بهدنة طويلة الأمد. فهو لا يزال الشخصية الوحيدة القادرة عملياً على فرض تغيير في السياسة الاسرائيلية، كما أظهر حين تولى الرئاسة في يناير ودفع باتجاه وقف النار الأولي وتبادل الأسرى مع حماس. ولكن حتى الآن ليس هناك ما يدلّ على رغبته في ممارسة ضغط يحدّ من عسكرتها الاسرائيلية لخدمة مصالحه أو مصالح الولايات المتحدة.

يقرأ  فنان من ميانمار يتّهم الصين بفرض رقابة على معرض فني في بانكوك

لهذا السبب يُعد رد فعل قطر ودول مجلس التعاون والدول العربية أمراً في غاية الأهمية ويتطلب مراقبة دقيقة؛ إذ إنه، نظرياً، قد يولّد ديناميكية جديدة في المنطقة. إذا استنتج القادة العرب أنهم لا يستطيعون الوثوق بالولايات المتحدة لحماية مصالحهم وأمنهم، فقد يتجهون إلى الانضمام إلى تحالف دولي أوسع للحدّ من العسكرة الاسرائيلية المدعومة أميركياً، وإعادة التأكيد على ضرورة تطبيق القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية لحماية الدول الأضعف من اعتداءات الأطراف الأقوى.

لا توجد دلائل على حدوث مثل هذا التحول حتى الآن، لكن مؤشراً على كيفية تطوّر السياسة الأميركية ظهر متأخراً يوم الثلاثاء، حين أمر ترامب وزير خارجيته بإتمام اتفاق التعاون الدفاعي مع قطر بعد أن «وعد» الأمير بأن اسرائيل لن تهاجم قطر مجدداً. إذا أرادت واشنطن تعميق علاقاتها الدفاعية وتوسيع مبيعات الأسلحة لشركائها العرب، فسيتعيّن عليها جعل وعود الحماية أكثر مصداقية.

قد يحدّد رد فعل قطر أيضاً ما إذا كانت «اتفاقيات أبراهام» بين اسرائيل وأربع دول عربية ستتوسع لتشمل آخرين. فقد حذّرت الإمارات الأسبوع الماضي اسرائيل من أنها، في حال ضمت أجزاء واسعة من الضفة الغربية، ستجمّد أو تنهي تطبيع العلاقات في إطار هذه الاتفاقيات. ومن ثم فإن كيفية تعامل واشنطن مع تكثيف الاعتداءات الاسرائيلية ضد دول عربية، بما في ذلك شركاء مقربون مثل قطر، قد تشكّل مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون، وهي علاقات كان ترامب قد أعلن مبكراً عن نيته توسيعها بشكل كبير.

الآراء الواردة أعلاه تعبّر عن رأي الكاتب وحده ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لــقناة الجزيرة.

أضف تعليق