رغم سياسات التعريفات الجمركية والهجرة التي أطلقها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب والتي أزعجت الكثير من الأنشطة التجارية، يبقى الاقتصاد الأميركي في حالة نسبية من الاستقرار. ويعزو خبراء هذا الاستقرار إلى قطاع الذكاء الاصطناعي الذي يضخ نشاطاً استثنائياً في السوق.
«الآلات الذكية — وبمعنى الكلمة حرفياً — تبدو وكأنها تنقذ الاقتصاد الأميركي الآن»، كتب جورج سرافيلوس من دويتشه بنك إلى عملائه في أواخر سبتمبر. «لولا الإنفاق المتعلق بالتكنولوجيا، لكانت الولايات المتحدة على شفا الركود هذا العام أو فيها بالفعل».
حتى الاقتصادي الحائز على نوبل بول كروجمان أشار إلى ملاحظات مماثلة في نشرته على سابستاك. شركات الذكاء الاصطناعي تستثمر مئات المليارات في البنية التحتية والتطوير، وشركات أميركية أخرى تنفق مليارات على منتجات قائمة على الذكاء الاصطناعي.
شهر مضى فقط حتى بدأ تشغيل مركز بيانات في ابيلين بولاية تكساس، الموقع الرئيس لبرنامج ستارغيت بقيمة 500 مليار دولار، المشروع المشترك بين أوريكل وأوبن إيه آي واليابانية سوفتبانك لتطوير بنية تحتية للذكاء الاصطناعي داخل الولايات المتحدة.
في ذات الفترة تقريباً، أعلن مصنع الرقاقات نفيديا عن استثمار قد يصل إلى 100 مليار دولار في أوبن إيه آي وتزويدها برقائق مخصصة لمراكز البيانات، كما أصبح أول شركة أميركية تبلغ قيمتها السوقية 4 تريليونات دولار. وتلتها بسرعة مايكروسوفت التي شهدت ارتفاعاً حاداً في سعر سهمها، وكان للذكاء الاصطناعي دور بارز في دفع الطلب التجاري.
نفيديا ومايكروسوفت ليسا وحدهما؛ فقد زادت ألفابت، الشركة الأم لغوغل، وميتا بلاتفورمز، المالكة لفيسبوك وإنستغرام وواتسآب، من التزاماتهما واستثماراتهما في طموحات الذكاء الاصطناعي.
كل هذا الحماس حول الذكاء الاصطناعي يبدو أنه يدعم الاقتصاد الأميركي في الوقت الراهن، لكن هناك خشية من أن يكون ما يحصل فقاعة تشبه فقاعة الإنترنت في أواخر تسعينيات القرن العشرين.
«القلق بشأن فقاعة الذكاء الاصطناعي ينبع من أن سبع شركات تسحب أكثر من 400 شركة أخرى إلى الأمام»، قال كامبل هارفي، أستاذ التمويل بجامعة ديوك، لقناة الجزيرة.
النظر إلى مؤشر S&P 500 يبيّن أن سبع شركات تقنية مشاركة بقوة في الذكاء الاصطناعي هي محرك النمو الأكبر للأسواق.
يعترف هارفي بأنه لا يمكن الجزم بسهولة ما إذا كانت أسهم تلك الشركات مبالغاً في قيمتها، لأن تبني الذكاء الاصطناعي لا يزال في مراحله الأولى.
معدلات تبنّي الذكاء الاصطناعي بدأت تتباطأ
«رغم أن أسعار الأسهم تبدو مرتفعة إلى حد ما، هناك إيرادات حقيقية وراء الدفع الهائل لبناء مراكز البيانات»، قال كارل فري، أستاذ مشارك في الذكاء الاصطناعي والعمل بجامعة أوكسفورد. «قد تتشكل فقاعة، لكننا لسنا قريبين من حمى التوليب»، في إشارة إلى الارتفاع التاريخي في أسعار زهور التوليب في هولندا في القرن السابع عشر.
«القلق الآن أن المتبنين الأوائل للذكاء الاصطناعي بدأوا يعيدون النظر. الشركات الكبرى التي اندفعت بسرعة تقلّص المشاريع لتلك القادرة بوضوح على خفض التكاليف أو رفع الإيرادات، وتُجمّد الباقي»، أضاف فري.
على سبيل المثال، شركات كبيرة مثل آي بي إم وكلارنا ألغت آلاف الوظائف في مراكز الخدمة واستبدلتها بتقنيات ذكاء اصطناعي — ثم بدأت في وقت لاحق تتراجع عن بعض تلك الخطوات بعدما تبين أن التكنولوجيا لا تغطي كل ما كانوا يتوقعونه مقارنةً بالعامل البشري.
إذا قررت الشركات الكبرى التي أنفقت مبالغ طائلة على أدوات الذكاء الاصطناعي أن هذه الأدوات ليست مفيدة كما ظنّت، فسيكون لذلك أثر بالغ على شركات الذكاء الاصطناعي، وقد يتقلص عدد زبائنها وتنهار أسعار أسهمها مع تراجع الأرباح المتوقعة.
تقرير أصدره معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في أغسطس وجد أن 95 بالمئة من الشركات التي تبنت الذكاء الاصطناعي لم تحقق تسارُعاً ملحوظاً في الإيرادات. وبيانات مكتب الإحصاء الأميركي تشير إلى أن تبني الشركات الكبرى للذكاء الاصطناعي بدأ يتباطأ مؤخراً.
يبدو أن الناس بدأوا يتساءلون عن جدوى هذه الأدوات، التي تُستخدم كثيراً لاستبدال البشر في وظائف مثل خدمة العملاء والهندسة البرمجية والعديد من الوظائف المبتدئة.
«هناك شعور متزايد أن الكثير من الشركات هرعت لإضافة الذكاء الاصطناعي إلى عملياتها العام الماضي بفعل الضجيج حول قوته وخوفاً من التخلف»، قال كال نيوبورت، أستاذ علوم الحاسوب بجامعة جورجتاون. «وتبيّن أن دمج نماذج التوليد بشكل مفيد داخل سير العمل القائم أكثر صعوبة مما كان يتوقعه الكثيرون».
يرى نيوبورت أن النماذج الأساسية في هذه البرامج «غير موثوقة إلى حدّ كبير» فيما يتعلق بالأتمتة الناجحة للوظائف، ويضيف أن الفكرة القائلة بأن الذكاء الاصطناعي سيأخذ الوظائف بسرعة الآن «لم تتحقق ببساطة».
دراسة حديثة من ستانفورد وجدت أن الوظائف المبتدئة في خدمة العملاء والمحاسبة وتطوير البرمجيات انخفضت بنسبة 13 بالمئة منذ 2022 نتيجة تبني أدوات الذكاء الاصطناعي في الشركات الكبرى.
لا يزال من المبكر القول إن الذكاء الاصطناعي وصل إلى «منطقة الفقاعة»، لكنه قد يصل، وإذا انفجرت تلك الفقاعة فسيكون الأضرار كبيرة على الاقتصاد الأميركي.
يذكر فري أن فقاعة الإنترنت كلفت المستثمرين كثيراً، لكنها «خلّفت تقنيات وبنى تحتية رفعت الإنتاجية في نهاية المطاف». والسؤال الآن: هل سينتهي وضع الذكاء الاصطناعي بنفس الطريقة؟
«ما لم تؤدّ هبطة في سوق الذكاء الاصطناعي إلى إسقاط مقرض رئيسي وإطلاق أزمة مالية شاملة، فالخطر الأكبر اليوم مختلف»، قال فري. «الذكاء الاصطناعي لم يحقق بعد دفعة إنتاجية واضحة وعامة — وهي بالضبط ما تحتاجه اقتصاداتنا المتعثرة.»