شبكة صفقات معقّدة تُغذّي مخاوف فقاعة الذكاء الاصطناعي في وادي السيليكون

هالة قلقٍ متصاعدة حول فقاعة الذكاء الاصطناعي

في مؤتمر OpenAI التقني الأخير، تجاوب سام ألتمان — الذي قلما يجيب رؤساء شركات التكنولوجيا الأميركيون على الصحفيين هذه الأيام — مع أسئلة الإعلام بوضوح نادر. اعترف بأن بعض أوجه صناعة الذكاء الاصطناعي تبدو “مليئة بالهواء” وأن الإغراء لكتابة قصة فقاعة موجود، لكنه شدد أيضاً على أن هناك ما هو حقيقي وجوهري يحدث داخل شركته.

في وادي السيليكون اتسعت دائرة النقاش حول احتمال تضخُّم قيمة شركات الذكاء الاصطناعي، وأصبحت أصوات المشككين لا تكتفي بالهمس بل بدأت تظهر علناً. يتهم بعضهم ارتفاع تقييمات الشركات جزئياً بـ”الهندسة المالية” وترتيبات تمويلية معقّدة قد تصنع طلباً مصطنعاً؛ وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى استدامة هذه القيم.

مراقبون مرموقون مثل بنك إنجلترا وصندوق النقد الدولي، وحتى جيمي ديمون من جيه بي مورغان، نبّهوا إلى مستوى كبير من عدم اليقين. محلياً، روّاد قدامى مثل جيري كابلان — الذي عاصر أربع فقاعات سابقة — يحذّرون من أن الانهيار المحتمل لن يؤذي قطاع الذكاء الاصطناعي فحسب، بل قد يُسحب بقية الاقتصاد إلى الأسفل نظراً لحجم الأموال المتراكم على الطاولة مقارنة بعصر الدوت كوم.

من جهة أكاديمية، تُذكّرنا بروفيسورة أنات آدماتي من كلية ستانفورد للأعمال بصعوبة توقيت فقاعات السوق؛ لا يمكنك الجزم بأنك تعيش فقاعة إلا بعد انفجارها. وعلى الرغم من ذلك، تُثير المعطيات قلق كثيرين: شركات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي ساهمت بنسبة تقارب 80% من مكاسب سوق الأسهم الأميركي هذا العام، وتقديرات مثل غارتنر تشير إلى أن الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي قد يصل إلى 1.5 تريليون دولار قبل نهاية العام.

في قلب هذه الشبكة المعقّدة، تقف OpenAI بصفتها محوراً للصفقات والشراكات. اتفاقات ضخمة أُعلن عنها، مثل صفقة تُقدَّر بمئة مليار دولار مع شركة نفيديا، وتوسعات استثمارية أخرى، إضافة إلى خطط لشراء معدات بمليارات الدولارات من منافسة نفيديا، AMD، التي قد تجعلها أحد أكبر مساهميها. كل هذا يحدث لشركة خاصة مُقيمة مؤخراً بحوالي نصف تريليون دولار، ومع ذلك لم تحقق أرباحاً حتى الآن.

يقرأ  المحكمة الدستورية في جنوب أفريقيا تقرّ حق الرجل في اعتماد لقب زوجته

الصفقات لا تقتصر على ذلك: مايكروسوفت مستثمرة بقوة، وأوراكل دخلت في صفقة تقترب من 300 مليار دولار، وهناك مشروع “ستارجيت” في تكساس المموّل بمشاركة أوراكل وكونغلوميرات يابانية، والذي نما بسرعة منذ الإعلان عنه في مناسبات رفيعة. كذلك تلعب شركات مثل CoreWeave دور مورد بنية تحتية حيوي لـOpenAI.

قابل هذا التعقيد اتهامات تتحدث عن “تمويلّ دائري” أو “تمويل من البائع” حيث يقوم البائع بتمويل زبائنه ليواصلوا شراء منتجاته، مما يربك مؤشر الطلب الحقيقي. ألتمان نفسه وصف قروض الاستثمارات بأنها غير مسبوقة، لكنه أشار أيضاً إلى أن نمو الإيرادات الذي تشهده شركات عدة أمر لم يسبق له مثيل؛ مع ذلك يبقى الواقع أن إيرادات OpenAI تتصاعد بسرعة رغم غياب الربحية.

مرة أخرى يتردد اسم شركة نورثل كمثال تاريخي على مخاطر الاقتراض المفرط لدعم الطلب المصطنع. وعلى شاشة التلفزيون دافع جنسن هوانغ، مؤسس نفيديا، عن استثماراته قائلاً إن الأموال لا تُجبَر على شراء تكنولوجيا شركته حصرياً— “يمكنهم استخدامها لأي غرض يشاؤون” — وهو رد يهدف لخفض مخاوف وجود شروط حصرية تقوّض الشفافية.

النقطة المحورية هنا أن مزج رأس المال الكبير، صفقات التبادل المعقّدة، وتطلعات النمو السريع، يخلق بيئة صعبة التقييم. قد يكون هناك ما هو حقيقي فعلاً من تقدم تقني يُبرّر جزءاً من هذه القيمة، لكن الغموض حول آليات التمويل وتركيبة الصفقات يزيد احتمال حدوث تصحيح عنيف للأسعار، بأثر قد يمتد إلى ما هو أبعد من حدود قطاع التكنولوجيا. هدفنا الأساسي هو دعمهم ومساندتهم في النمو، وفي الوقت نفسه توسيع النظام البيئي المرتبط بهذا المجال.

علامات تنذر بالمخاطر

يقول السيد كابلان إنه يرى بعض المؤشرات الدالة على أن قطاع الذكاء الاصطناعي — ومن ثم الاقتصاد الأوسع — قد يكون مهدداً. في فترات الفورة يعلن كثير من الشركات عن مبادرات وخطط منتجات ضخمة ليست لديها موارد مالية كافية لتنفيذها بعد. وفي الوقت نفسه تتدافع فئات المستثمرين الأفراد للدخول في مغامرات الشركات الناشئة.

يقرأ  الصين وكوريا الشمالية تتفقان على التصدي لـ«الهيمنة» — حسب وزارة الخارجية

ارتفاع سهم إيه إم دي هذا الأسبوع قد يعكس محاولة المستثمرين الحصول على حصة من ماكينة ثروة ChatGPT، وبينما تجري هذه الأمور تُبنى بنى تحتية مادية فعلية لتلبية الجوع المتزايد لتطوير الذكاء الاصطناعي. يحذر كابلان: “نحن نخلق كارثة بيئية من صنع الإنسان — مراكز بيانات هائلة في أماكن نائية كالصحارى، ستصدأ وتتسرب منها ملوثات إلى البيئة، ولن يبقى من يُحاسَب لأن البنائين والمستثمرين سيكونون قد رحلوا منذ زمن طويل.”

تسعى شركة OpenAI لتأمين 500 مليار دولار لبناء مجمّع بقدرة عشرة غيغاواط قيد الإنشاء في تكساس قبل نهاية العام.

ومع ذلك، حتى لو كنا في فقاعة، فإن الأمل في وادي السيليكون أن الاستثمارات الجارية الآن لن تضيع بالضرورة سدى. كما يقول جيف بودييه، المطوّر في مجتمع Hugging Face: ما يطمئنني أن الانترنت بُنيت على ركام الإفراط في الاستثمار في بنية الاتصالات التحتية سابقاً. وإذا كان هناك إفراط في الاستثمار في البنى التحتية لعمليات الذكاء الاصطناعي فقد تنشأ مخاطر مالية مرتبطة بذلك، لكنه سيتيح أيضاً نشوء منتجات وتجارب رائعة جديدة، بعضها لا نتخيلها اليوم.

لا يزال هناك كثيرون يعتقدون بإمكانات الذكاء الاصطناعي في تحويل المجتمع. والسؤال هو ما إذا كانت الأموال اللازمة لتمويل طموحات الشركات الرائدة في القطاع على وشك النفاد. كما يقول ريهارد يارك، مؤسس نشرة UncoverAlpha: “تبدو إنفيديا كأنها المقرض أو المستثمر الأخير. من غيرها يمتلك القدرة الآن على ضخ مئة مليار دولار في شركة أخرى؟”

أضف تعليق