العلاقة التبادُلية بين التعلّم والذاكرة والانتباه
كلما تعمّق الفرد في موضوع ما، أصبح من الأسهل له أن يبني عليه ويطوّر معرفته، لذلك توجد علاقة مُتبادلة ووثيقة بين التعلّم والذاكرة والانتباه، كما يوضِّح واتسون. دور المعلم في هذا السياق ليس نقلاً للمعلومات فقط، بل دعم تراكم الذكريات لدى الطلاب عبر تخطيط التقييمات ومراجعاتها؛ لأن توقع أن يَتعلم الطلاب ويُراقِبوا مستوى انتباههم بأنفسهم بدون إرشاد هو توقع غير واقعي.
المعلم يدعم الذاكرة بالمَمارسات المُنظَّمة
من السهل إلقاء اللوم على الطلاب عند فشلهم في الانتباه أو التذكر، لكن الواقع أن التعلّم عملية شاقة وتستهلك قدراً هائلاً من الموارد المعرفية المتاحة للطالب. فمثلاً، عندما يتعلّم طلابه كيفية صياغة جمل موضوعية، ينبغي أن ينصرف تفكيرهم إلى أداء هذه المهمة المعقّدة نفسها، لا إلى كيفية البقاء مركزين — وهذه مهام يمكن للمعلم أن يُعينهم فيها.
استراتيجيات لشد الانتباه داخل الصف
يُدخِل المدرّس بليك هارفارد تقييمات ذاتية مُدعمَة ضمن عملية التعلّم في صفّه لعلم النفس المتقدم. يعتمد أساليب بسيطة — كأن يطلب من الطلاب أن يذكُروا ما تعلّموه في الدرس السابق أو حتى قبل خمس دقائق — ذلك يبيّن له أي المواد يصعب على الطلاب تذكّرها أو استيعابها. تكرار فرص الاسترجاع يجعل المعلومات أكثر رسوخاً.
التقييم فرصة للتعلّم بحد ذاتها، فالاسترجاع — سحب الذاكرة إلى الوعي واستخدامها — يعزّز تلك الذاكرة. هارفارد يرى أن التدريس ينبغي أن يضع الذاكرة في مركز الاهتمام، وأن يعلّم الطلاب كيف يتلقّون ويسترجعون المعلومات بشكل نقدي. كتابه الجديد «هل احظى بانتباهك؟» يجمع الأبحاث بشكل مُيسّر ومفيد للتطبيق داخل الصف.
ضبط بيئة الصف والحدّ من المشتّتات
للحفاظ على تركيز طلابه، يُحرص هارفارد على أن يواجه الجميع واجهة الصف حتى لو لم تكن أثاثات الفصل مصممة لذلك؛ طلابه يجلسون على طاولات مشتركة لا مكاتب فردية، فعليه أن يُبدع في ترتيب الجلوس ليحقق ذلك. كما يبقي الزينة في الفصل إلى حدّها الأدنى، وكل ما يبقى منها مرتبط بمحتوى المادة. ليست الأجواء قاتمة تماماً: الهواتف المحمولة تُحتفظ بعيداً طيلة وقت الدروس، ويُحفّز الطلاب على تدوين الملاحظات بقلم الرصاص على ورق بدلاً من النسخ على الحاسوب.
الحركة مفيدة، لكن ليست دواءً شافياً
ممارسات شائعة كالحركة داخل الصف قد تُعزّز الانتباه واحتفاظ الذاكرة، وفوائد الحركة على التعلّم موثّقة جيداً. لكن واتسون يُحذّر من اعتبار الحركة حلاً عاماً لكل مشكلات الانتباه؛ فالحركة تُعالج غالباً مشكلة اليقظة والتنبيه، لكنها قد تفاقم مشكلة التوجيه والتركيز التنفيذي. فإذا كان طالب ما يغفو، قد يطلُب منه القيام بمهمة بسيطة كإعادة كتاب إلى صف آخر لإيقاظه وإعادة توجيه انتباهه. أما إن كان تشتيت الطالب ناجماً عن مباراة كرة خارج النافذة فتوجيهه لحركة قد يزيد تشتته — لأن المشكلة هنا تتعلّق بالتوجيه والانتباه التنفيذي.
منح الطلاب وقتاً للتفكير واستدعاء الذاكرات
النسيان عملية طبيعية، وأحياناً ما يواجه الطالب فشلاً مؤقتاً في الاستر اجاع المعلومات. حين يواجه طلابه صعوبة في الاسترجاع، يساعدهم هارفارد بتقديم دلائل سياقية أو بإعادة صياغة تعريف المفهوم حتى يعود إلى ذهنهم. واتسون يعتمد أسلوباً بسيطاً عند مراجعة درس سابق: بدلاً من أن يبدأ هو باستعراض موجز، يطلب من الطلاب أن يكتبوا ما تعلّموه في الحصة السابقة، ثم يتجوّل في الفصل ليتفحّص الإجابات — وهكذا يمارس الطلاب الاسترجاع بأنفسهم بدل أن يقصّ عليهم المعلم المعلومات.
إذا لم يستطع الطلاب تذكر ما تعلّموه مؤخرًا «فهذا ليس تقصيراً منهم بل تقصير مني لأنني لم أوفّر فرص استرجاعٍ كافية»، كما يقول واتسون؛ ومن ثم يذكر أن الحل هو إدراج تدريبات استرجاع متكررة ضمن خطة الدرس.
الأساس المتين أهم من السرعة
الضغوط التي يعرِضها النظام المدرسي والامتحانات القياسية قد تُثقل كاهل المعلم والطلاب، وعدم تذكّر المواد يزيد من هذا الضغط. لكن واتسون يؤمن بأن بناء أساس متين في النصف الأول من العام هو استثمار حاسم للنجاح طويل المدى. فطلاب الصف العاشر يجب أن يكونوا قادرين على كتابة مقالات تحليلية مؤلفة من خمسة فقرات بنهاية السنة؛ وبدلاً من الانزلاق في وتيرة تسارعية، يقضي واتسون فصل الخريف كله في صقل جملة فصلية وفقرات متكاملة. كثيرٌ من طلابه يتساءلون لماذا يتأخرون مقارنة بزملائهم، لكنه يطمئنهم أن تمكّنهم من الأجزاء الصغيرة أولاً سيَسهّل عليهم كتابة نصوص أطول وأكثر تجانساً لاحقاً.