قرار قضائي اتحادي: نشر القوات الفدرالية في كاليفورنيا غير قانوني
أصدر قاضٍ اتحادي في الوليات المتحدة حكماً قضائياً اعتبر فيه قرار الرئيس دونالد ترامب إرسال قوات عسكرية لقمع الاحتجاجات في ولاية كاليفورنيا بانتهاك للقانون. وأصدر القاضي تشارلز براير من محكمة المقاطعة في شمال كاليفورنيا أمراً احترازياً يعرقل هذه الخطوة، على أن يدخل مفعول الحكم في 12 سبتمبر، من دون سحب فوري للخدم العسكريين في الوقت الراهن.
وصف براير خطوة النشر في جنوب كاليفورنيا بأنها «غير مسبوقة»، وأثار شكوكاً بشأن مبرر الإدارة الرئاسية القائل إن الاحتجاجات شكّلت «تمرداً» يستوجب القمع. وقال إنّه رغم حدوث احتجاجات في لوس أنجلوس وتصاعد أعمال عنف من قبل بعض الأفراد، «لم يكن هناك تمرد، ولا عجز لدى قوات إنفاذ القانون المدنية عن الرد وفرض القانون».
قضية نيوزوم ضد ترامب وانتهاك قانون بوسي كوميتاتوس
أتت هذه القضية نتيجة دعوى رفعتها إدارة حاكم كاليفورنيا غافن نيوزوم في يونيو. وطالب نيوزوم والمدّعي العام لولاية كاليفورنيا، روب بونتا، بأن إرسال ما يقارب 4,000 من الحرس الوطني و700 من مشاة البحرية إلى منطقة لوس أنجلوس انتهك قانون بوسي كوميتاتوس الذي يقيد استخدام القوات العسكرية في عمليات إنفاذ القانون المدني.
في قرار مطوّل من 52 صفحة، اتفق القاضي براير إلى حدّ كبير مع هذه الحجة، وخلص إلى أن إدارة ترامب تجاورت حدود سلطتها الرئاسية. وكتب أن «المدعى عليهم انتهكوا قانون بوسي كوميتاتوس عمداً»، وأنهم «تصرّفوا بما يتعارض مع مواد تدريبهم التي تحدد اثني عشر وظيفة تُمنع على الجيش القيام بها».
وانتقد براير أسلوب الإدارة «من أعلى نحو الأسفل» واعتبره إقصاءً تامّاً للسلطات المحلية والولائية، مشيراً إلى أن هذه كانت المرة الأولى منذ 1965 التي يقوم فيها رئيس بتفعيل الحرس الوطني على مستوى فيدرالي للتعامل مع اضطرابات في ولاية من دون موافقة الحاكم — وكانت تلك المرة في عهد الرئيس ليندون جونسون عندما أُرسلت قوات إلى سيلما بولاية ألاباما لحماية متظاهري الحقوق المدنية.
خلفية الاحتجاجات ومبررات الإدارة
اشتعلت الاحتجاجات في لوس أنجلوس ومحيطها احتجاجاً على سياسة ترامب الحازمة في تطبيق قوانين الهجرة، والتي شملت مداهمات أماكن العمل في أنحاء الولاية. تعهد الرئيس بتنفيذ «أكبر برنامج ترحيل» في تاريخ البلاد، بينما عبّر المنتقدون عن خشيتهم من أن تعامل المهاجرين ينتهك حقوقهم ويعرضهم للخطر.
في 7 يونيو، أصدر ترامب مذكّرة نقلت قيادة الحرس الوطني للولاية إلى وصايته قائلًا إن الهدف حماية الممتلكات الفيدرالية. وعلّل ذلك بالمقارنة بين الاحتجاجات وما اعتبره تمرداً ضد سلطة الحكومة. لكنّ نيوزوم وعمدة لوس أنجلوس كارين باس دانتا القرار سريعاً، واعتبرا وجود القوات الفدرالية يفاقم التوترات بدلاً من تهدئتها. قال نيوزوم في بيان إن «الحكومة الفدرالية تحوّل الآن الجيش ضد المواطنين الأمريكيين» واصفاً تصرّفات ترامب بأنها سلوك طاغية لا تصرف رئيس.
آثار الحكم وحدوده
كان من المقرر أن تستمر الفدرلة لمدة 60 يوماً، ومع ذلك أشار براير إلى أن نحو 300 من أعضاء الحرس الوطني ما زالوا منتشرين في جنوب كاليفورنيا تحت قيادة الرئيس. كما لفت القاضي إلى تصريحات ترامب التي هدد فيها بنشر قوات في مدن أخرى، من بينها مدينة شيكاغو، واقتبس من حديث للرئيس أمام مجلس وزرائه تعبيراً مفاده أنه «له الحق في فعل ما يشاء» إذا رأى أن البلاد مهددة.
ورأى براير أن هذا الطرح لا يتوافق مع مبدأ الفصل بين السلطات في دستور الولايات المتحدة؛ فالمنصب الرئاسي بوصفه القائد الأعلى يسري فعلياً عندما تُستدعى القوات للخدمة، لكن للكونغرس النصيب الأكبر من السلطة الفدرالية على الشؤون العسكرية. وأضاف أن ثمة دلائل تاريخية قليلة في عصر التأسيس تؤسس لسلطة دستورية ضمنية للرئيس لاستدعاء الميليشيات أو استعمال الجيش لتنفيذ القوانين.
كما رفض القاضي ادعاء إدارة ترامب بأن السلطة التنفيذية وحدها يحق لها تحديد حدود تطبيق قانون بوسي كوميتاتوس، واعتبر هذا التبرير «تناقضاً في المصالح».
يبقى الحكم مقصوراً على حالة نشر القوات في كاليفورنيا، مع تعليق للأمر الاحترازي حتى الظهيرة بالتوقيت المحلي ليوم 12 سبتمبر لإتاحة فرصة لاستئناف متوقع من الإدارة. وفي حال تم تفعيل الأمر لاحقاً، فسيمنع الجنود من المشاركة في عمليات اعتقال وتفتيش وسيطرة على الحشود وغيرها من أنشطة إنفاذ القانون التي يحظرها قانون بوسي كوميتاتوس.
ختاماً، ورغم أن قرار الثلاثاء يمثل ضربة لادعاءات الرئيس الواسعة بالسلطة التنفيذية، لم يتوقف ترامب عن تهديده بنشر قوات مماثلة في مدن مثل شيكاغو، حيث كتب على منصته الاجتماعية أنه سيعالج مشكلة الجريمة بسرعة «كما فعل في واشنطن»، مؤكداً أنه سيعيد الأمان إلى المدينة قريباً. «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى!»
في أغسطس الماضي، نشر ترامبّ الحرس الوطني في شوارع واشنطن العاصمة، مستندًا إلى أن العاصمة الأميركية تعاني «طوارئ جريمة».
الا أن القانون الفدرالي يسمح إلى حد كبير بهذا النوع من الانتشار في واشنطن، إذ تمتلك الحكومة الفدرالية صلاحيات أوسع على منطقة العاصمة.
لكن النقاد أشاروا إلى أن نشر قوات مماثلة في شيكاغو قد يثير، على الأرجح، العديد من نفس المخاوف الدستورية التي أثارتها التعبئة في جنوب كاليفورنيا.
حتى الآن، استهدفت تحركات ترامب العسكرية لمواجهة الجريمة مدنًا تدار من قبل الديمقراطيين فقط، بينما هو نفسه ينتمي للحزب الجمهوري.
أشاد الحاكم غافن نيوسوم، الذي كان يهاجم ترامب مرارًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الأخيرة، بقرار يوم الثلاثاء واعتبره توبيخًا لتجاوزات السلطة الرئاسية.
كتب نيوسوم: «الحكم واضح: إن ترامب ينتهك القانون بمحاولته إنشاء قوة شرطة وطنية يتولى هو قيادتها».