التنقل في عملية تحويل المحتوى القديم إلى منظومات تعلم حديثة
إذا كانت شركتك تعمل في القطاع منذ زمن طويل، فمن المحتمل أنها لا تزال تحتفظ بـ «حصان ميت» في منظومة التعلم. قد يكون ذلك دورة امتثال لا تحقق نتائج ملموسة، أو برنامج تأهيل قديم، أو نظام لجمع الملاحظات أصبح بلا استخدام فعلي. التحدي غالباً لا يكمن في رؤية هذه الممارسات غير الفعالة، بل في اتخاذ القرار الشجاع بالتخلي عنها. لتحديث العمليات المتكررة وإدخال الابتكار في استراتيجيات التعلم والتطوير (L&D)، لا يكفي حذف نظام قديم واستبداله بآخر؛ بل يجب وضع عملية استراتيجية تساعد على تحديد نقاط الضعف، تنفيذ التغييرات اللازمة، تسهيل الانتقال بسلاسة، وضمان النجاح على المدى الطويل.
في هذا النص سنرشدكم خلال الخطوات الضرورية لتحديد وإحياء «الخيول الميتة» في منظومة التعلم داخل مؤسستكم.
سبع خطوات لإدخال الابتكار في استراتيجيات L&D القديمة
1. تحديد المشكلة من خلال تدقيق تعليمي
حل المشكلة يبدأ بتحديدها. رغم وجود مؤشرات واضحة ضعف البرامج التدريبية، فإن وجود منهجية منظمة أمر حاسم. نوصي بإجراء تدقيق تعليمي دوري، ويفضل سنوياً، لفحص استراتيجية التعلم والتطوير بعمق وتحديد ما يعمل جيداً، وما ينقص، وما يحتاج تحسيناً.
ماذا يجب أن يتضمن هذا التدقيق ليكون فعّالاً؟ اعتبره جرداً شاملاً لمحفظة التعلم: الدورات والوحدات والأنظمة والمحتوى بجميع صيغها. بعد حصر المحتوى، حلّل من يستخدمه، كم مرة، وما قيمته للمهام اليومية. قيّم كذلك الأهداف التنظيمية التي يدعمها كل تدريب وتأثيره على أداء الموظفين. وادمج هذه البيانات الكمية بتعليقات الموظفين والإدارة لفهم الفعالية الحقيقية لكل عنصر في استراتيجية L&D.
2. وضع قائمة أولويات
أكبر خطأ عند إدخال الابتكار هو محاولة معالجة كل شيء دفعة واحدة. بعد إتمام التدقيق، ضع قائمة أولويات تصنّف كل بند غير فعّال إلى: يحتاج تحديثاً، إعادة تصميم، أو إحالة للتقاعد الكامل. هذه المقاربة تسهّل إدارة عبء العمل وتقّلل الاضطراب في العمليات اليومية.
أسئلة تساعدك على التصنيف:
– هل المحتوى صحيح ومفيد لكن شكله لا يجذب المتعلّم؟ قد يكفي تحديث المرئيات أو تقصير الوحدات.
– هل معدلات التفاعل منخفضة بسبب محتوى قديم وطرق تعلم غير مناسبة؟ حينها مطلوب إعادة تصميم لدمج أطر تعلم حديثة.
– هل المحتوى أصبح لا يتماشى مع أهداف المنظمة ويعطي نتائج ضعيفة باستمرار؟ الأفضل إحالة البرنامج للتقاعد.
3. جمع ملاحظات الموظفين
أحد أسباب بقاء «الخيول الميتة» هو ضعف جمع الملاحظات أو عدم شعور الموظفين بالأمان للتعبير عنها. لا بد أن يشعر الموظف بأنه قادر على القول «هذه الاستراتيجية لا تعمل ويجب تغييرها» دون خوف من عواقب سلبية. ابدأ بتهيئة بيئة داعمة، ثم نفّذ استبيانات دورية واجتماعات فردية. أدخل أسئلة حول استراتيجية L&D في مقابلات البقاء والمغادرة للحصول على رؤى إضافية.
4. إعادة تعريف مؤشرات النجاح
قد تضفي معدلات الحضور أو الإنجاز مزيداً من الطمأنينة لكنها لا تعكس القيمة الحقيقية للتدريب، خاصة إن كانت الدورات إلزامية. لإعادة إحياء استراتيجية L&D، ركّز على مؤشرات مثل تطبيق المهارات عملياً، التأثير السلوكي، تحسّن الأداء، ازدياد الثقة، ومستوى التفاعل. هذه المؤشرات تكشف عن مقدار الاستفادة الحقيقية. استخدم أنظمة إدارة التعلم (LMS) القادرة على تتبّع بيانات نوعية وكمية حول تجربة المتعلّم.
5. إعادة التصميم مع مراعاة المرونة (Agility)
الاستراتيجية الحديثة للتعلم يجب أن تكون مرنة وقابلة للتطور. لا تنظر للتعلّم كمجموعة مواد منفصلة، بل كمنظومة متكاملة تشمل المحتوى وتجربة المتعلّم والتغذية الراجعة، كي تتكيّف مع تغيّر احتياجات المنظمة والصناعة.
عناصر تضمن مرونة المنظومة: مواكبة اتجاهات التعلم الحديثة، تقديم تجارب ميكرو-تعلم، خيارات مختلطة تجمع بين التعلم الذاتي وورش تفاعلية افتراضية (VILT)، التعلم بين الأقران، واستخدام أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتخصيص التوصيات. ولا تنسَ إيلاء مكانة بارزة لملاحظات المتعلّمين.
6. ضمان انتقال سلس
التحول لا بد أن يكون مرئياً للموظفين، لكنه يمكن أن يتم دون إحداث ارتباك أو تعطيل كبير. السر يكمن في الشفافية والتواصل المستمر. قبل البدء، اشرح الأسباب والتغيّرات المتوقعة، وحدد أنصاراً بين المدراء والمدرّسين لتقديم الدعم والإرشاد. أنشئ قواعد معرفية ومواد مساعدة لتسهيل فهم الأدوات والعمليات الجديدة. واحتفل بالإنجازات لتقوية المناخ الإيجابي وتعزيز المشاركة.
7. تبنّي دورة التحسين المستمر
الابتكار في استراتيجيات L&D عملية دائمة؛ فحتى بعد التحديث ستظهر تقنيات واتجاهات جديدة تتطلب مراجعة مستمرة. أنشئ حلقة تحسين مستمرة مبنية على دورة PDCA: خطط (Plan)، نفّذ (Do)، تحقق (Check)، وتصرّف/نفّذ على نطاق أوسع (Act).
كيفية تطبيقها:
– خطط: حلّل الوضع الحالي وحدّد نقاط الضعف واقترح حلولاً — هذا ما يقوم به التدقيق التعليمي.
– نفّذ: جرّب نسخ بيتا على مجموعات صغيرة لجمع بيانات أولية.
– تحقق: قارن النتائج بالتوقعات وأدخل التحسينات اللازمة.
– تصرّف: بعد التحقق المستفيض، قم بطرح النسخة المحدثة على نطاق كامل، وكرر الدورة حسب الحاجة.
الخاتمة
التخلّي برشاقة عن «حصان» التعلم الميت يتطلب قراراً واعياً لترك ما لم يعد يخدمك، لصنع مساحة لمحتوى جديد يرفع من إبداع وفعالية استراتيجيتكم في L&D. باتباع نهج منهجي: تقييم شامل، جمع ملاحظات صادقة، تجارب مدروسة، إعادة تصميم مرنة، وانتقال شفاف، ستتمكن منظمتكم من تحديد وإحياء البرامج غير الفعّالة باستمرار. بالتواصل المفتوح والثقافة الداعمة، يصبح الابتكار في التعلم نهجاً مستمراً وليس حدثاً لمرة واحدة.