التسويف في التعلم: رؤى واستراتيجيات علاجية فعّالة

علم النفس والمرجع العلمي للمماطلة في سياق التعلم

نادر أن يختبر شخص تجربة أقرب إلى المماطلة من تلك التي نعيشها جميعًا: تأجيل التسجيل في دورة جديدة، تأخير تسليم واجب، أو تجاهل موعد نهائي يقترب. وعلى الرغم من شيوعها، قد تخرج المماطلة المتعلّم الأكثر عزماً عن مساره بسرعة. في بيئة التعلم عبر الإنترنت، حيث يعتمد النجاح على قدرة المتعلّم على التنظيم الذاتي، يصبح فهم أسباب التأجيل أمراً محورياً. سنستعرض هنا مفهوم المماطلة من منظورات علم النفس والعلوم المعرفية، ونقترح سبلًا عملية للتغلب عليها أثناء رحلة التعلم.

لماذا نؤجل العمل؟

تنظيم الانفعالات
التفسير الحديث في علم النفس لا يرى المماطلة فشلاً في إدارة الوقت فحسب، بل نتيجة تداخل معقّد بين العاطفة والدافعية والعمليات المعرفية. هي في جوهرها مشكلة في تنظيم الانفعالات: نُقدّم في كثير من الأحيان المزاج قصير الأمد على الأهداف البعيدة، كي نتفادَى مهامًا نشعر بأنها مزعجة أو مُجهِدة. عندما تثير مهمة تعلّمية القلق أو الملل أو الشك في الذات، يتجه الدماغ نحو البحث عن راحة آنية عبر التجنّب؛ وبذلك تصبح المماطلة آلية تكيف عاطفية مؤقتة لكن مكلفة على المدى الطويل.

الخوف من الفشل والاتجاهات الكمالية
ليس كل من يؤجّل مهماته غير مبالٍ؛ في كثير من الأحيان يكون السبب العكس: الاهتمام المفرط. مخاوف الفشل، ومتلازمة المحتال، والمطالب الكمالية تضع معايير يصعب بلوغها فتُشل المبادرة. المماطلة لدى من يميلون للكمالية تظهر كوسيلة للهروب من احتمال عدم تلبية توقعاتهم الذاتية، ما يولّد شعورًا مؤقتًا بالارتياح يلازمه شعور بالذنب ويطوِّق عملية التعلم بعادات أقل إنتاجية.

التخفيض الزمني للقيمة والإدراك العصبي
تنبع المماطلة أيضًا من طريقة إدراكنا للزمن والمكافآت: يُقلِّل الأفراد من قيمة المكافآت المستقبلية مقارنة بالإشباع الفوري، وهو ما تصفه العلوم السلوكية بالـ“تخفيض الزمني للقيمة”. بالنسبة للمتعلمين، تبدو فوائد إتمام دورة ما (تقدّم مهني، شعور بالإنجاز) بعيدة وبالتالي أقل جذبًا من راحة اللحظة. هذا التحيز يجد له أساسًا عصبيًا: يهيمن الجهاز الحوفي أحيانًا على قشرة الفص الجبهي، مفضّلاً الإشباع الفوري عبر إفرازات الدوبامين، بينما تتطلب السيطرة والتخطيط جهودًا من مناطق تنفيذية في الدماغ.

يقرأ  مصر وقطر تدينان تصريحات نتنياهو بشأن تهجير الفلسطينيين في غزة

استراتيجيات عملية للتغلّب على المماطلة في رحلتك التعليمية

إعادة تأطير المهمة عاطفيًا
بما أن المماطلة تنبع من تجنّب الانزعاج، فإعادة تقييم المهمة عاطفيًا (cognitive reappraisal) مفيدة للغاية. بدلاً من اعتبار المهمة مملة أو مرهقة، حاول اعتبارها فرصة للتطوّر أو لبناء مهارة محددة. يمكن للمدرّسين توجيه المتعلّمين خلال ممارسات تأملية أو أسئلة استنتاجية بسيطة مثل: “ما الذي سيمكنني من إنجازه إتمامي لهذه المهمة؟” لتوجيه الانتباه نحو القيمة البعيدة بدلًا من الانزعاج الآني.

توظيف نوايا التنفيذ
نوايا التنفيذ تقوم على منطق شرط–فعل: “إذا حدث X، سأقوم بـ Y”. مثال عملي: “إذا انتهيت من العمل عند الثامنة مساءً، سأبدأ الوحدة التالية فورًا.” بهذه الطريقة تُقرّر سلفًا ظروف البدء ولا تُترك المسألة لتقلبات الإرادة أو الحالة المزاجية، ما يقلّل حاجتك للاعتماد على قوة الإرادة وحدها.

تفكيك الغموض
المهام الكبيرة والغامضة تثير القلق وتدفع إلى التأجيل. قسم المشاريع الكبيرة إلى أجزاء أصغر وواضحة: وحدات قصيرة، أهداف يومية قابلة للقياس، أو خطوات تنفيذية محددة. هذا التقسيم يقلّل العبء المعرفي ويخلق زخمًا متدرجًا يُسهِم في الشعور بالإنجاز والتحفيز.

إرساء آليات المساءلة
وجود بنى خارجية للمساءلة يساعد على الالتزام؛ يمكن للمصممين التعليميين والمدرّسين إدراج تقييمات ذاتية، مراجعات زملاء، لوحات نقاش، أو تتبّع تقدّم مرئي داخل المنصات. على مستوى الفرد، تعاقدات بسيطة مع النفس أو مع زميل دراسة، وجدولة لقاءات تفقدية يمكنها خلق ضغط اجتماعي إيجابي يدعم الاستمرارية.

خلاصة موجزة
المماطلة ليست مجرد مشكلة تنظيم وقت بل انعكاس لصراع بين الرغبة في الراحة الآنية والأهداف البعيدة. بالتركيز على تنظيم الانفعالات، تبنّي خطط شرط–فعل عملية، تقسيم المهمات، وبناء شبكات مساءلة، يمكن للمتعلمين—وخاصة في بيئات التعلم الذاتي—تفكيك حلقة التأجيل واستعادة السيطرة على مسارهم التعليمي. التغيّر ممكن بخطوات واضحة ومتماسكة، فهو يتطلب معرفة السبب وتطبيق استراتيجيات مدروسة بدلاً من لوم الذات فقط. لإضفاء لمسة إضافية من الجاذبية، يمكن الاستفادة من آليات خارجية تحفّز على تكرار السلوكيات المرغوبة—مثل عناصر عرض السلاسل والتطبيقات الخاصة بالتتبع.

يقرأ  بعد هجوم لفظي من ترامبناريندرا مودي: العلاقات مع الولايات المتحدة لا تزال «إيجابية للغاية»

الخلاصة

رغم أن التسويف يُنظر إليه غالباً كعدو للإنتاجية، فإن الحقيقة أنه استجابة بشرية طبيعية للانزعاج وعدم الارتياح. والأمر الإيجابي أنك أصبحت الآن مُطّلِعاً على التبعات النفسية والمعرفية المرتبطة به. تذكّر أن رحلة التعلم بطبيعتها مليئة بالصعود والهبوط؛ فلا توجد وصفة سحرية تقضي على التسويف تماماً، ولكن ما نستطتع فعله هو الإصرار على استمرارنا في الدورات التعليمية والالتزام بأهدافنا.

المرجع:
[1] المماطلة وأولوية تنظيم المزاج قصير المدى: العواقب على الذات المستقبلية.

أضف تعليق