ماذا يعني أن تكون امرأةً في غزة في ظل حرب إبادة؟ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

النساء في غزة يصمدن أمام ما لا يُطاق

النساء هناك يواجهن ندرة الغذاء اليومية بينما يعتنين بأطفالهن في ظروف انعدام مطلق للضرورة. ورغم بند وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل منع وصول الخيام والقوافل وغيرها من المساعدات الشتوية الحيوية. النساء في غزة يعشن حالة نزوح متكرر، يعبّئن وينفَضّون حياة عائلاتهن مرارًا وتكرارًا تحت قصف متواصل. هن لا يعتنين بأطفالهن فحسب، بل بالأَجْرَاح، وكبار السنّ، والأيتام أيضاً. وفوق هذا كله يحملن عبءاً نفسياً غير مرئي لكنه ساحق: حمل الأسرة خلال الحزن والرعب واللايقين والخسارة المتواصلة وسط تدمير غير مسبوق.

النساء يمحون أنفسهن كي يبقى الآخرون على قيد الحياة

بوصفِي امرأة، أتحمّل عبء نقل ما أراه من فظائع. منذ بداية الحصار أكتب وأشهد يومياً على ما يحدث في غزة، ولم يمرّ يومٌ لم تُحطمني فيه أمّ بقصتها. كل يوم ألتقي نساء أنهكنه التعب؛ أجسادهن جائعة وقلوبهن ممتلئة بالعزيمة. في غزة أصبح حب الأم مقاومة بحد ذاته ضد القمع.

قالت لي سوزان، مهجّرة في حي الزيتون، وتعيش في خيمة هشة منذ أكثر من عامين: “أمسك طفلي طوال الليل خوفاً من أن يسرقه البرد أو يجرفه المطر. لا أستطيع النوم.” وأضافت: “لدينا ثلاث بطانيات فقط، نتقاسمهن. لا بأس إن لم أدفأ بنفسي؛ أولادي لا يقدرون تحمل هذا البرد بدوني.” أسمع مثل هذه الكلمات في كل مكان. أمهات يمحون وجودهن حتى يعيش أطفالهن.

في ذروة المجاعة شاهدت أشكالاً ملموسة من الحب غير المشروط. لا أنسى أن كل أم أخبرتني أنها تحرم نفسها من الطعام ليأكل أولادها. ميسون قالت: “أقطع الصمون لأجزّئه لأبنائي وبناتي. عندما يأكلون أشعر وكأنني أكلت.” ميسون نموذج لنساء غزة: وجوه متعددة وقصص مختلفة، لكن التضحية واحدة.

يقرأ  حصيلة قتلى احتجاجات نيبال ترتفع إلى 51

كل دورة حيض كابوس

على مدى أكثر من عامين، لا يجد كثير من المهجّرات مراحيض أو خصوصية، محرومات من الأمان والكرامة. كثيرات ترعرعن في بيئات آمنة حيث كانت هناك فضاءات للعبادة والأكل والغسيل؛ مشاركة مرحاض مع ألف شخص شيء لا يعتاد عليه أحد. عليهن إدارة الحيض، والحمل، والولادة، والمرض في ملاجئ مزدحمة أو خيام أو العراء، من دون أبسط مستلزمات الحياة.

لم أكن بمنأى عن هذه الحقيقة. أنا أيضاً لم أجد فوطاً صحية أو مسكنات بعد جراحة. كل دورة شهرية تتحول إلى كابوس — تذكير شهري بهشاشة الكرامة في زمن الحرب، وبأن الألم أصبح أمراً علينا تحمّله بصمت.

الآلاف أرملن خلال الحرب

العيش بلا زوج يزيد دائرة الضعف. كثيرات أخبرنني كيف تركتهن الفراغ بعد فقدان حبيب عمرهن؛ وأخريات يروين صعوبة إدارة الأسر تحت قصف ونزوح لا ينقطع. الأرملة في غزة ليست مجرد فقدان، بل فضح وخوف وعزلة.

أثناء عمل نقطة توزيع مساعدات كانت تعمل ـ حينها ـ قُتل أو أُصيب الآلاف من الفلسطينيين أثناء انتظارهم المساعدات. سياسة منع إدخال المساعدات والإمدادات التجارية أجبرت النساء على المجازفة بحياتهن للحصول على حصص الطعام. الجوع الذي فرضته الإجراءات الإسرائيلية دَفع بهن إلى مناطق خطرة. كثيرات أصبن، وكثيرات قتلن.

الغالبية في غزة تعاني من سوء تغذية، ومن ضمنهن أمهات جديدات يكافحن لإرضاع أطفالهن رغم أجسادهن المرهقة بعد شهور من الجوع. كثيرات فقدن القدرة الجسدية على إنتاج الحليب، ومع ندرة أو غلاء الحليب الصناعي، تُجبر الأمهات على إطعام أطفالهن ما يجدنه — خيارات لم تكن تفكر بها أي أم في غزة قبل هذه الحرب.

في مستشفى الأقصى قابلت امرأة رصاصة في بطنها؛ أُصيبت أثناء تواجدها في نقطة توزيع مساعدات. رفعت قميصها أمامي وأرَتْني جرحها، سائِلة إن كان الندب سيشوه جسدها، وحدثتني عن ألم الغرز بلا تخدير. عاد بي ذلك إلى ذكريات استيقاظي بعد جراحة المرارة دون مسكنات. بكيتُ وصرخت؛ كل ما أردته كان شيئاً يسكّن الألم.

يقرأ  مدينة غزة تحت قصفٍ مستمرّ إثر شنّ إسرائيل غزوًا بريًاأخبار النزاع الإسرائيلي–الفلسطيني

فكّرت في نساء كثيرات رصدت ولادتهن دون تخدير، أو دون مسكنات، أو دون حتى غرفة نظيفة. نساء يصرخن في الفراغ ويخرجن حياة وسط الموت والدمار. لو وجد إرادة سياسية بين حلفاء إسرائيل الغربيين لربما لم تكن هذه المعاناة لتستمر.

هناك قصص أخرى لا تزال تنتظر أن تُحكى. رشا، مريضة سرطان ثدي، تنتظر فتح معبر رفح للخروج لتلقي العلاج؛ تعتقد أن إصابتها نتجت عن تعرضها لساعات تحت أنقاض بيتها المفجّر. “استنشقت كل السموم والغبار”، قالت ودموعها تنحدر على وجهها النحيل. “كنت بصحة جيدة قبل هذه الحرب.”

وأنا أستمر في نقل فظائع النساء في غزة، أشعر أيضاً بأنني أمحوّ نفسي. أحاول أن أقدّم العزاء بقدر المستطاع، لكني أعلم أن كلماتي لا تُقدّم الراحة التي يحتجنها ولا الإغاثة التي يستحققنها. كيف يردّ صحافي على ذلك؟

لن تفارقني امرأة أخرى هي هالة، التي أجهضت أثناء تهجيرها القسري من الشمال إلى الجنوب. قالت: “كنت حاملاً بتوأمين. أجهضت أحدهما وأنقذت الآخر.” توقفت، ثم أضافت: “كنت أنزف طوال الطريق وأنا أحمل متعلقاتي. اضطررت لحزم ما استطعت من منزلنا والفرار أو الموت تحت القصف.” أتذكر صوتها المرتعش الذي لم ينكسر. أتذكر شعوري بالعجز وأنا أمامها، سلاحي الوحيد مفكرتي وكاميرتي وصوتي.

حملتُ معي أصوات هؤلاء النساء أينما ذهبت. تتردّد في راسي وقلبي؛ أسمعهن عندما أحاول النوم، وعندما أُعد تقارير على الهواء، وعندما أصمت. كل امرأة وثقت بي آلامها وقصتها وحقيقتها. ولن تغادرني ذكراهن أبداً. سأحملهن معي مدى حياتي.

لأن أن تكون امرأة في غزة يعني احتمال أن تتحمّل المستحيل — ومع ذلك تبقى تحب.

أضف تعليق