التخلّي عن المعارف القديمة في التعلّم والتطوير — تنقية الذهن لتمكين قدرات جديدة

لماذا يعدّ التخلي عن المعارف القديمة بنفس أهمية اكتساب معارف جديدة

يركز ميدان التعلم والتطوير عادةً على إضافة معارف ومهارات جديدة، لكنه غالباً ما يغفل عن ممارسةٍ لا تقلّ أهمية: التخلي عن الافتراضات والعادات والنماذج الذهنية التي باتت عقبة أمام التقدّم. في أجندة التعلم والتطوير لعام 2026، ينبغي أن يظهر هاذا البُعد كبند مستقل ومحدّد.

ليس شرطاً أن تُزال مهارة قديمة تمامًا قبل بناء مهارة جديدة؛ الدماغ ليس صندوقاً تُدخل وتخرج منه عناصر بضغطة زر. سنحاول هنا توضيح ما يتطلّبه مفهوم “التخلّي عن القديم” في سياق L&D وكيف نصمّم بيئات تعلم تُعطي مساحات متوازنة لاضمحلال الأنماط القديمة ولبروز قدرات بديلة.

علم التخلّي عن التعلم: لماذا نحتاجه أكثر؟
الأبحاث في علوم الإدراك تُظهر أن عائقاً كبيراً أمام التعلم ليس نقص المعلومات، بل بقاء نماذج ذهنية وعادات سلوكية مَرِسخة تعمل كمرشّحات أو عوائق لما يدخل من معلومات جديدة. تمسّك الأفراد بمعتقدات سابقة يولّد تداخلًا معرفيًا عبر تحيّزات ثابتة في التفكير؛ فمثلاً تحيّز التأكيد يجعلنا نفضّل الأُطر المألوفة حتى وإن أصبحت غير صالحة. في السياق المؤسسي، تتحوّل هذه الثباتات إلى مانع للتغيير والتبنّي والابتكار، مما يحدّ من جدوى بناء المهارات الجديدة.

من ناحية بيولوجية، التخلي لا يعني مسح الذكريات كما تمسح ملفّاً من الحاسوب. الشبكات العصبية في الدماغ لا تمتلك زرّ “حذف”. لكنّ قابلية الدماغ للتشكّل —اللدونة العصبية— تسمح بضعف روابط عصبية سائدة وتقوية مسارات بديلة أكثر صلةً بالتجارب الجديدة. بالتالي، يمكننا اعتبار التخلّي عملية موازنة بين إضعافِ نقاط تشابك قديمة وتشجيعِ نموِ مسارات جديدة، كقصّ أغصان شجرة لفتح الطريق لبرعمٍ جديد. تلك النماذج القديمة قد تظهر تحت الضغط أو منبّهات مألوفة، لكنها تتراجع عن السيطرة الأولى على السلوك أو القرار.

يقرأ  تتوسع صناعة الطيران والفضاء في المكسيك — هل ستقوّضها مراجعة اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا؟

التخلّي داخل الثقافة المؤسسية وبرامج التعلم
الثقافة المؤسسية تشكّل ما يُقدَّر وما يُصنَّف كقابل للتحدّي أو للحماية. ثقافة تثمّن الاستقرار والهياكل الهرمية قد تفسّر التخلّي عن السلوكيات القديمة على أنه خيانة للوضع الراهن، بينما ثقافة تُشجّع التجريب والابتكار تجعل منه سلوكاً آمناً نفسياً ومرغوباً فيه. لذلك، للمسؤولين عن التعلم دور محوري في تأسيس مناخ يسمح بمحو المسارات غير المناسبة تدريجيًا بدلًا من وصم كل تغيير بأنه خطأ أو تهور.

بالنسبة لمتعهدي التعلم والتطوير، التخلّي ليس عملية لمرة واحدة؛ بل هو مسار يحتاج إلى تكرار ومنهجية. يجب دمج مبادرات التعلّم مع تدخلات مخصّصة لإضعاف العادات القديمة لأن بناء عادات جديدة أسهل عادةً من إيقاف القديمة تمامًا. كما يحتاج المتعلمون إلى سياق يطمئنهم أن مسارهم لإعادة بناء ممارساتهم لن يُساء فهمه؛ فسّرو لهم أسباب زوال النماذج القديمة ومتى تكون عملية التخلي مبرّرة ومدعومة بالأدلة.

ممارسات في L&D تدعم التخلّي
1) تنمية المعرفة فوق الشخصية (الميتا-معرفة)
الخطوة الأولى هي تنمية قدرة المتعلّم على مراقبة وتقييم وتنظيم تفكيره: لماذا أطبّق إطارًا بعينه؟ ما درجة ثقتي في صلاحيته؟ ومتى يصبح تفكيري قديمًا أو مبالغًا في التعميم؟ الانخراط في تأمل ميتامعرفي يساعد على اكتشاف الأخطاء، وإدراك عدم ملاءمة المعتقدات، وتعديلها على ضوء بيانات جديدة — وهذا جوهر المرونة المعرفية.

2) التعلم التجريبي
التعلم بالممارسة والتجريب من أقوى الوسائل لدفع التخلّي، خصوصًا إذا صُمم ليبرز حدود النماذج السائدة. الهدف هو خلق مسارات عصبية بديلة أثناء إضعاف الشبكات القديمة. التجربة العملية، المحاكاة، واختبار الفرضيات تمنح المتعلمين فرصًا للاقتراب من الواقع وإعادة ضبط فهمهم، لا لمحو معارفهم السابقة، بل لتحديثها وتكييفها.

3) التداخل المنهجي (Interleaving)
أسلوب معروف للاحتفاظ وفهم أعمق، ويمكن تكييفه لغايات التخلّي عبر تبديل عرض النماذج القديمة والجديدة في سياقات مختلفة وطلب التمييز بينها. تكرار هذا التبديل وعلى فترات غير متوقعة يفرض على المتعلّم تجاوز النموذج القديم لصالح نموذج أحدث، ما يسرِّع اضمحلال العادات القديمة وتقوية الجديدة.

يقرأ  واشنطن تؤكد ارتفاع تدفّق المساعدات إلى غزةفلسطينيون يتهمون بـ«تجويع مُدبّر» في خضم الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني

4) تنمية المرونة المعرفية
الهدف النهائي من التخلّي في سياق التعلم والتطوير هو بناء قدرة التحوّل السريع والتكيّف. المرونة المعرفية —القدرة على التنقل بين أفكار ومهام وقواعد سلوكية متعددة— تصبح مهارة لا تُقدَّر بثمن في بيئات العمل المتغيرة. من يملكونها يستطيعون التبديل بين أدوات وأطر عمل جديدة واتخاذ قرارات أفضل في ظروف غامرة وعدم اليقين.

خلاصة
في سياق التعلم والتطوير، التخلّي عن هياكل فكرية وعادات قديمة يمهّد الطريق لظهور قدرات جديدة على مستوى الأفراد والمنظمة. تحرير المساحات الذهنية من الافتراضات غير الملائمة يوفّر بيئة خصبة للابتكار والتطوّر المؤسسي. موعدنا العام القادم مع قليل من ترتيب الأفكار وإعادة ضبط العادات — ولن نخرج بفكرة جديدة فقط، بل بطريق أوضح لصناعة قرار أفضل. الميزة التنافسية هنا ليست فقط فيما نتعلّم، بل فيما نجرؤ على التخلي عنه أيضاً.

المهارا المطلوبة للتطبيق تشمل ممارسات تأملية وتجريبية وثقافة مؤسسية داعمة.

أضف تعليق