قبل سنوات، وفي نقاش عن مسؤوليات القيادة، منحني أحد مرشدي نصيحة لم أنسها: إنّ الرؤساء التنفيذيين لهم دور محوري في خلق الوظائف.
حينها كنت بعيدًا عن مواقع اتخاذ القرار، لكن الفكرة رسخت في ذهني. مع مرور الوقت أدركت أن خلق الوظائف يسير على مسارين. المسار الأول داخلي: خلق شروط نموّ داخل المؤسسة — توسيع الأعمال بطرق تفتح آفاقًا للموظفين، لا سيما للذين ما زالوا في بدايات مساراتهم المهنية. إذا لم تنم إيراداتك بسرعة كافية، فغالبًا لن تُولَّد وظائف جديدة كثيرة. المسار الثاني خارجي: الاستثمار والتفاعل مع المجتمعات التي تخدمها لتنشئة الجيل المقبل من المواهب، وتشكيل قوة عمل جاهزة لسوق العمل.
في شركة هانيويل، نعتبر استعداد الجيل القادم لاقتصاد يقوده التكنلوجيّة أمرًا محوريًا، ونسعى لتحقيق ذلك بنموذج جديد للشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تتعاون الصناعة والحكومة والمؤسسات التعليمية لتوسيع نطاق الوصول والملاءمة والفرص، وجسر الهوة بين النظرية الأكاديمية والتطبيق العملي.
هذه استثمارات استراتيجية في القدرة التنافسية الوطنية. هي نتاج فهمنا أن الموهبة موجودة في كل مكان، أما الفرص فلا تتوزع بالتساوي؛ ومستقبل وظائف العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات يعتمد على لقاء الطلاب في نقاط متعددة من رحلتهم — في المدرسة الإعدادية، والثانوية، والجامعة، ومن خلال فرص التدريب. لذا من الضروري توفير مسارات مرنة قائمة على المهارات لإعداد الجيل القادم لواقع سوق عمل سريع التغير.
كيف يظهر ذلك على أرض الواقع؟
بالنسبة للحكومات، المسألة تتعلق بإعادة ضبط سياسات الأولويات لتتماشى مع الواقع الاقتصادي. الإعفاءات الضريبية، ومنح القوى العاملة، وإصلاح نظم الاعتماد المهني — قائمة الوصفات طويلة. الجواب المختصر أن علينا أن نتعامل مع تعليم المهارات المهنية كأولوية وطنية تبني الأشياء وتُعزِّز القدرة الإنتاجية. تنافسيتنا العالمية تقتضي ذلك.
في الوقت ذاته، يجب أن تبادر مؤسساتنا التعليمية بالتعاون مع القطاع الخاص. مؤخرًا أعلنت هانيويل وجامعة نورث كارولاينا في شارلوت عن شراكة فريدة سنستثمر فيها عشرة ملايين دولار لتحويل منشأة جامعية قديمة إلى مركز ابتكار عصري يدرّب قوة العمل للمهن المستقبلية. قد لا تتبع هذه المبادرة نمط العطاء التقليدي بين الشركات والجامعات، لكنها ستصوغ رؤية تشاركية للمستقبل، وأتوقع أن تفاجئنا الأفكار التي ستنبثق أكثر من مرة.
أخيرًا، على الشركات أن تستثمر في العاملين والقادة المستقبليين. في هانيويل وسّعنا برنامج التدريب التعاوني، مضاعفين عدد المشاركين ليصل إلى 2500 طالب في عام 2025، لنمنح الخريجين الشباب من مختلف التخصصات خبرة عملية تتوافق مع احتياجات الصناعة. كما عمقنا دعمنا لمنظمة فِرست روبوتكس، وهي منظمة عالمية تُلهم الطلاب لمتابعة تعليم STEM وتصل الآن إلى أربعين ألف طالب حول العالم. ومن خلال شراكة مع ديسكفري إديوكيشن، نعمل على توسيع منهج عالمي للعلوم البيئية يهدف إلى الوصول إلى عشرة ملايين طالب بحلول 2030. كل جهودنا موجّهة لتمكين الطلاب من أن يصبحوا قابلين للتوظيف.
باختصار، ندرك أن مسؤوليتنا تتجاوز توظيف أفضل المهندسين الناشئين من أرقى المؤسسات. إنها تتطلب انخراطًا مباشرًا لإثارة الحماس وصياغة ودعم قوة العمل المستقبلية عبر شراكات كاملة مع المدارس المهنية والكليات والجامعات.
التعطّل الذي نواجهه حقيقيّ، لكن الفرصة لهدم الجدران التي تحول دون تعاون صانعي السياسات والمربّين والرؤساء التنفيذيين قائمةٌ أيضًا. إلى زملائي في الصناعة، أحثّكم على التوسع من دور المتبرع الأكاديمي إلى شريك مشارك في تصميم خط المواهب. إلى القادة التعليميين، انظروا إلى ما فعلته جامعة نورث كارولاينا في شارلوت — وادعوا الصناعة إلى طاولة القرار كشريك فاعل لا مجرّد ممول. وإلى صناع السياسات، نحتاج تعاونكم في جعل احتياجات عمال أمريكا المستقبليين أولوية، كي يتاح لهم الأدوات اللازمة للازدهار.
الذكاء الاصطناعي والأتمتة يعيدان تشكيل مستقبل العمل بالفعل، لكن خياراتنا المشتركة هي التي ستحدّد إن كانت هذه التغييرات ستقود إلى تراجع أم إلى تجديد. شراكات أعمق بين الحكومة والأوساط الأكاديمية والصناعة ستبني خط مواهب أكثر ابتكارًا من أي وقت مضى.
أهمية هذه الإجراءات تزداد إذ يثبت سوق العمل لعام 2025 أنه تحدٍّ خاص للخريجين الجامعيين، الذين يواجه الكثير منهم بحثًا أطول عن عمل أو توظيفًا دون المستوى، أو الحاجة إلى التحوّل إلى مسارات مهنية بديلة. العمل المشترك والمساءلة المشتركة سيقودان مبادراتنا، ويشكّلان حقبة التنافسية الأمريكية القادمة.