…ومن الفوضى إلى الوضوح
فريقي وأنا نعمل على إنتاج سلسلة رسوم متحركة باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI)، وهي رحلة مليئة بالاكتشافات. بعد أن اعتدتُ أدوات البرمجيات التعليمية، بدا لي أن هذا النمط الجديد من الإنتاج يجمع بين ألفة التجربة وندرة التجريب. أولاً، تمنحني أدوات GenAI حرية إبداعية أوسع كمصمم تجارب تعليمية. وثانياً، تفتح لنا آفاقاً جديدة لرواية القصص والتعليم بطرق مبتكرة تماماً.
أثناء إنتاجنا للمسلسل طُلب مني، كما فعلت مع مؤسسات أخرى، توثيق عملية الإنتاج بصيغة يسهل على الآخرين اتباعها. بعد التوثيق سأربط هذه الوثائق بشات بوت ذكي يمكنه استدعاء المعلومات بسرعة (قصة لمقال لاحق). فيما يلي بعض الدروس التي اضطررت لإعادة النظر فيها أثناء توثيقي لعمليّات الذكاء الاصطناعي.
مرحلة الاستكشاف
عند ابتكار عملية جديدة، كما نفعل الآن، تكون التجربة والاختبار هما الطريق لاكتشاف أفضل نهج. تتطلب هذه المرحلة صبراً وتقبّلاً للفشل المؤقت. تكررت لدي حالات بدأت فيها باتجاه معيّن ثم اكتشفت طريقاً أفضل لاحقاً واضطررت للتنازل عن العمل السابق.
مثال عملي: بدأت بإنشاء مشاهد للسلسلة باستخدام شخصيات أنشأتها مسبقاً كمرجع. نجحت هذه الطريقة في مشاهد محدودة، لكن مع تزايد عدد الصور أصبحت ملامح الشخصيات مشوّهة تدريجياً إلى حد فقدان الهوية البصرية. شعرت بالإحباط، وأدركت أن طريقتي لم تكن قابلة للاستمرر أو للتكرار. لجأت إلى “جامعة يوتيوب” بحثاً عن حلول، فاقترح مدرس في فيديو أن أصف كل شخصية تفصيلياً ضمن المطالبات (prompts) وأدرج هذه الأوصاف في كل مشهد للحفاظ على الاتساق. طبّقت النصيحة—ونجحت بالفعل—فأضفت فوراً كل تفاصيل الشخصيات إلى “دليل العمل” الخاص بي.
ما زلت في طور الاستكشاف لأجزاء أخرى من العملية، مستلهمًا من طرق الإنتاج التقليدية للرسوم المتحركة، ومبادئ السرد، وتجارب فريقنا الشخصية.
مرحلة التوثيق
كما ذكرت، قد تجري مرحلتا الاكتشاف والتوثيق بالتوازي. أسمى هدف عند التوثيق هو أن تكون عمليّات الذكاء الاصطناعي واضحة وبسيطة بما يكفي ليطبقها أي شخص. مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى المعادلة، يصبح من الضروري أيضاً أن تُبنى المعلومات بطريقة يقرأها النظام حرفياً كي لا ينتج استنتاجات خاطئة أو “هلوسات”.
أهتم كثيراً بالوضوح. كما تبسط الكسور (مثل 3/6 إلى 1/2)، ينبغي تبسيط تعليمات العمل إلى أدق صورها. من الضروري كذلك توضيح لماذا تهم هذه العملية ومن المسؤول عنها قبل شرح كيفية تنفيذها. هذا السياق يضمن أن التوثيق ينقل الغرض والمساءلة معاً.
على سبيل المثال، عندما وجدت طريقة أفضل لتوليد مشاهد متسقة، وثقت سبب إضافة المطالبات لكل شخصية، وحددت من المسؤول عن إنشاء المشهد، ووضعت خطوات تنفيذية واضحة. بهذا يصبح أي زميل قادراً على إتمام المهمة بثقة.
التوثيق الحيّ
في زمن يتسارع فيه التغيير، من الصعب أن نجمد عمليات الذكاء الاصطناعي في قواعد ثابتة. مع تطور التكنولوجيا تتغير طرق العمل، لذا يجب أن يكون التوثيق حيّاً: يتطور باستمرار ويخضع لمراجعات دورية. قبل تنفيذ أي تعديل، ينبغي أن توجد عملية مراجعة ودراسات حالة أو أمثلة تثبت أن الأسلوب الجديد أفضل من السابق. من الحكمة مراجعة الوثائق وتحديثها كل ربع سنة.
عند تكيف المؤسسات الصغيرة والكبيرة مع هذه التحولات قد تُغرى بتهميش التوثيق، لكن التوثيق يظل حجر الأساس للتشغيل الفعّال. في تجربتي، الفرق التي توثق أثناء نموها هي التي تتوسع بأقل احتكاك: تتعلم فرقها بسرعة أكبر، وتُؤتمت مهامها بكفاءة، وتقلل الوقت المهدر في إعادة اكتشاف ما يعمل. التوثيق لا يعيق الابتكار، بل يغذّيه؛ هو الوسيلة لحفظ الحكمة الناتجة عن التجريب.
الخلاصة والدعوة للعمل
بينما أواصل بناء هذا العرض باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، أتبيّن أن الإبداع والبنية ليسا نقيضين، بل شريكان. تزدهر العملية الإبداعية بالحرية، لكنها تحتاج إلى أنظمة تجعل هذه الحرية قابلة للاستمرار والاستفادة. نفس المبدأ ينطبق على أي مؤسسة تدخل عالم الذكاء الاصطناعي أو التحول الرقمي: ابتكار بلا توثيق يشبه بناء بيت بلا أساس—قد يبدو رائعاً مؤقتاً لكنه لن يصمد تحت الضغط.
لذا، حين تقدّمون أدوات ذكاء اصطناعي، أو تُؤتمتوا تدفقات العمل، أو تعيدوا تصميم طرق التعاون، خذوا وقتكم لتوثيق ما يعمل ولماذا. سجلوا اكتشافاتكم قبل أن تضيع في صناديق بريد مشغولة وسلاسل محادثات منسية. اصنعوا وضوحاً حيث يوجد لبس، وابنوا دليلاً حياً ينمو مع مؤسستكم. لأن التوثيق ليس مجرد كفاءة؛ إنه تمكين—يجعل المعرفة عامة ومتاحة وقابلة للتطور، وهكذا يتحول الابتكار إلى ثقافة.
إذا كانت منظمتكم جاهزة للجمع بين الإبداع والبنية، ولجعل ما تبنونه قابلاً للتوسيع والتكرار، يسعدني أن أساعد في تصميم الأنظمة التي تجعل ذلك ممكناً. إذا أردتم مساعدة في توثيق عمليّات الذكاء الاصطناعي في قسمكم أو أعمالكم فسأكون داعماً.