الذكاء الاصطناعي والتقنية التعليمية: أزمة الاتساق
كلما أعلنت اليونسكو أولوية جديدة تبدأ معاناة التكيّف. مع تركيزها الأخير على كفاءات الذكاء الاصطناعي، يُحثّ المعلمون والمؤسسات التعليمية في أنحاء العالم على دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل الفصول لتتماشى مع وتيرة التحوّل العالمي. حتى في المجتمعات الريفية، تُستَخدم أدوات الذكاء الاصطناعي في الروتين اليومي وتعيد تشكيل طرائق تعلم الطلاب وتفاعلهم مع المعلومات. ومع ذلك، ثمة منعطف قادم — قليلون يتوقعونه — قد يُحكم عليه بالفشل ما لم نتحرك الآن. حان الوقت لأن نستبق ما يتحوّل إلى أزمة اتساق تعليمية: فغياب نهج متكامل يربط بين علم الأعصاب والتقنية التعليمية والذكاء الاصطناعي يعرّضنا لتصميم أنظمة تُحسّن مؤشرات قصيرة الأمد وتُغضّ الطرف عن مشاكل إنسانية بعيدة المدى.
الخوارزمية الجشعة
العلوم الحاسوبية تعطينا تشبيهًا مفيدًا. الخوارزمية الجشعة تختار أفضل قرار فوري في كل خطوة من دون تقييم النتائج بعيدة المدى؛ تعطي نتائج سريعة ومرئية لكنها نادرًا ما تصل إلى الحل الأمثل. في سياق الشركات الكبرى، قد تترجم إلى فريق منتج يصلح واجهة واحدة دون تقدير تأثير ذلك على النظام الأوسع. وفي التعليم، يتكرر النمط: مطوّرو البرمجيات والمؤسسات التعليمية يسعون وراء مكاسب آنية (تسريع التصحيح، ارتفاع نتائج الامتحانات، وعود بالتخصيص، تقارير إجمالية أفضل) بينما يغيب عنهم فهم الآليات الأعمق التي تُشكّل تكيف الفرد ونموه.
عندما تتحرك التكنولوجيا والسياسات والبيداغوجيا كلٌّ في مساره بسرعة مختلفة، قد تبدو النواتج فعّالة على السطح. لكن خلف لوحات البيانات والرسوم البيانية تنفد الميزانيات، ويحتترق المعلمون، ويصبح الطلاب أرقامًا في حلقة تحسين مستمرة. وعد الذكاء الاصطناعي، من دون ضوابط وتوجيه، يتحول إلى صورة طبق الأصل للخوارزمية الجشعة: نظام مُدرّب للوصول إلى المحطة التالية بأسرع ما يمكن من دون التوقف للسؤال إن كان الاتجاه يخدم المتعلمين فعلاً أم لا.
التقنية التعليمية: أدوات بلا بيداغوجيا
التقنية التعليمية تشكّل الوسيلة التي يوصل بها الذكاء الاصطناعي إلى الفضاء التعليمي؛ إنها ترجمة الابتكار إلى روتين التدريس والتقويم والتواصل. لكن مع تزايد منصات الأدوات تتبدّد الوحدة وتظهر فوضى الشاشات: إدارات متعددة للوحة تحكّم، تدفقات بيانات متفرقة، وأكثر من حساب دخول؛ تُضاف كل أداة طارئةً لتُحلّ جزءًا صغيرًا من المشكلة وتولّد طبقات جديدة من التجزئة. ما صُمم لتبسيط التعلم يتحوّل إلى نظام إضافي يتطلب تعلّمًا وصيانة.
المشكلة ليست التكنولوجيا بذاتها بقدر ما هي غياب التصميم البيداغوجي الذي يربط الأدوات بمخرجات التعلم. حين تُطوَّر المنصات من دون فهم كيفية معالجة الدماغ للمعلومات وتخزينها واسترجاعها، تبقى الأنشطة لحظية بلا أثر في الذاكرة طويلة الأمد. الواجهات قد تُحصي المشاركة، لكن المشاركة لا تعادل الفهم أو الإتقان. منظومة تقنية تعليمية هادفة يجب أن تُبنى حول مبادئ معرفية وتدريسية تُوجّه الإيقاع والتغذية الراجعة، لا حول مؤشرات سطحية وحسب.
الذكاء الاصطناعي: قابل للتكيّف لكن بلا بوصلة
الذكاء الاصطناعي ربما يكون أكثر أدوات النظام التعليمي قابلية للتكيّف؛ فهو يَقرأ الأنماط، يُعدّل التعليم، ويُولّد تغذية راجعة أسرع مما يمكن للإنسان وحده أن يفعل. أدوات مثل وضع الدراسة في ChatGPT تستطيع استنباط أنماط الأداء، ضبط التعليم، وتقديم ملاحظات فورية تُسهِم في التخصيص والاستجابة. لكن فاعليّته مرهونة بالهدف الذي يوجّه استخدامها. الكفاءة وحدها لا تبرّر العبء المالي والبشري الهائل المصاحب؛ وبدون موائمة واضحة مع أهداف طويلة الأمد، ونتائج علم التعلم، والسياق الإنساني، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزّز التوجهات التقاريرية السطحية بدلًا من تنمية فهم عميق وإمكانات حقيقية.
عندما يُستخدم بحكمة، يعمل الذكاء الاصطناعي كمفسّر لسلوك الطالب: يترجم بيانات المشاركة إلى رؤى. يمكنه اكتشاف انطفاء الدافعية، الإشارة إلى حمولة معرفية زائدة، توقع الثغرات أو التكرار في الدروس، وتنبيه المعلم إلى الحاجة لتعديل الإيقاع. قيمته تكمن في الأنماط التي يكشفها لتغذية حكم الإنسان لا لتجاوزه. في إطار متماسك، يصبح الذكاء الاصطناعي امتدادًا لقدرة المعلم على التنبؤ والاستجابة والتكيّف وتفريد التجربة التعليمية.
التعيلم والعلم العصبي: أسس الفعل التعليمي
التقنية التعليمية وحدها لا تُحدث فرقًا ما لم تُرسَخ في فهم علمي لكيفية حدوث التعلم. علم الأعصاب يقدّم الأساس لفهم ما يجعل التعلم ممكنًا: كيف تُستديم الانتباه، كيف تتحوّل المعلومات من الذاكرة العملانية إلى التخزين طويل الأمد، كيف تؤثر المشاعر في الاستدعاء والدافعية، وما هي عوائق التعلم كالإجهاد والتحميل المعرفي والإرهاق. هذه حقائق عملية تُرشد تصميم التعلّم وبناء بيئات رقمية داعمة للفهم الحقيقي.
حين يتناغم تصميم التعليم مع وظائف الدماغ، يعالج الطلاب المعلومات بفعالية أكبر، يحتفظون بها لفترة أطول، ويطبقونها بمرونة أعظم. يلاحظ المعلمون تحسنًا ليس فقط في درجات الامتحانات بل في الحضور الذهني والإصرار. كما يوضّح علم الأعصاب حدود استيعاب الفرد: فحتى الأكثر تطورًا من التقنيات لا تُلغي تأثير الإجهاد أو الإرهاق على قدرة التعلم.
نحو منظومة تعليمية متماسكة
الاندماج بين علم الأعصاب والذكاء الاصطناعي والتقنية التعليمية يمكن أن يولّد منظومة تتكيّف مع بيانات الأداء ومع الحالات الذهنية والعاطفية التي تُشكّل الأداء ذاته. هذا التوافق هو جوهر الاتساق: منظومة تعليمية تتبع إيقاعات الدماغ الإنساني، ويُقاس العائد الحقيقي من خلالها بفهم دائم وقابل للنقل عبر السياقات. إذا استطاع نظام إدارة التعلم المدعوم بالذكاء الاصطناعي وعلم الأعصاب تحقيق ذلك، فإن اللوحات والرسوم البيانية ستصبح نتيجة ثانوية وليست هدفًا في حد ذاتها.
القرار الآن هو أن نُعيد ترتيب الأولويات: تصميم سياسات ومنتجات تربط التقنية بالبيداغوجيا وتتكيّف مع قيود وإمكانات العقل البشري. بدون هذا التناسق، تستمر المخاطرة بأن تُصبح كل تكنولوجيا جديدة مجرد حل جشع لمشكلة آنية، بينما يبقى الغرض الأسمى من التعليم — تنمية عقول مستقلة وقادرة على التعلم مدى الحياة — بعيد المنال.